إنفصلَ الرأسُ عن الجسد فلم تندَ منه آهةً تُسمع ، لقد مرَ النطعُ على الرقبة من القفا ، كان المكان هناك اصلب لكن الشفرة مرت بسلام فلم يشعر بألم الجريرة ، ونزَّ الدمُ بركاناً وفاضَ في الآفاق فاستحالت الحياة حينها الى ضياء بهيج ، ومروج خضراء أينعت في الٌطف ورداً وريحاناً فطاف في ارجائها محلقاً في سماواتها .
وهناك ، هناك في اعلى الوجود ثمة من كان ينتظره منذ دهور واللهفة على محياه ، وآخرون من الأحبة فارقهم قبل ساعات وكانوا يعرفون أنه لاحقٌ بهم . لقد أسرَ لهم في الصباح أن هذه ليلتهم الاخيرة وان موعد اللقاء هنا ، حيث الخلود بلا انقضاء ، وحيث الخير بلا انتهاء .
وإصطف الجمع باستقباله والبِشرُ يتلألأ في الوجوه ، وثمة أنغام صادحة لمزامير عذبة تعم الأرجاء لايُعرفُ من أين مصدرها ، وعلى مدى الصفين أحبة سبق وخالطهم فمدوا أيديهم برفق كي يمسحوا بها الثوب الخضيب تبركاً ، وآخرين عرفهم من سيماهم بعدما قالت عنهم الكتب القديمة ، والكل يرنو بعين الحب نحو السيد وقد تلألأت في صدره مسحة من كبرياء ، فقد كان الختام كأليق مايكون به . كان الختام معطراً بضوع سماوي لايبلى وإن تقادم الزمن .
وفي نهاية الطريق المعشوشب بالنماء ، ثمة من يراقب وقع خطوه مستعجلا لحظة اللقاء ، والشوق يفصحّ عن نفسه ، والنور يغمرّ المكان بهاءً حتى لتغشاه الأبصار ،، ومضى نحوه فاتحا ذراعيه :
جداه ،،،
( قالها لكأنه مايزال بعدّ صغيراً يتقافز فوق ظهره ) _ لشد ماغيرك الختام ياحفيد ، أصبحت أبهى وصرت أنقى وها انت اليوم أحلى .
ومر بشفتيه على رقبته يريد ان يقبلها كما تنبأ أول مرة فرأى فيها أثراً مثل ندبة خفية ، وماكاد يلثمها حتى تألقت سنىً سرمديا،، وراح المكان يضوعُ عطرا فاح شذاه في الارواح فثمل الجمعّ بإكسير النقاء .
رنا السيد من فوق السحاب نحو المكان الذي للتو غادره فأبصر رأسه مايزال شامخا فوق الرمح فأيقن أنه سيظل هادياً لمن ظللَ يومَه القهر السقيم .
وهناك حيث الرأس ندياً طرياً بلا شحوب شاهد الصغيرة وهي تلوي عنقها حزناً عليه وقد انداح القرط من أذنيها ، وإذ بها تذوي رويداً رويداً لفرط الأسى فتستحيل بعدها طائراً أخضر حلقت نحوه وهي تشدو بترنيمة الخلود فحطت على كتفه الموشى ببردة الجد الأمين.

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!