كعادتي في كل يوم , اتجول في شوارع مدينة الناصرية , اخرج من شارع , كي ادخل في اخر , وهكذا , حتى لا اترك شارعا الا وقد طرقته , ولا زقاق الا وقد سلكته , حتى يعلو الغبار حذائي , ويتراكم على ملابسي , وعلى حين غرة , توقفت في شارع ما , وتسائلت عن رواد هذا الشارع , أيزيدون ام ينقصون ؟ , أيتغيرون ام لا ؟ , فقررت ان اقف كل يوم في مكان ما من الشارع , حتى احفظ كل الوجوه التي تمر فيه , بقيت على هذا الحال شهرين متتاليين , فحفظت وجوه الجميع , الرجال والنساء , الصغار والكبار , اصحاب البيوت والدكاكين .
في نهاية الشهرين , افتقدت وجوها كانت ترتاد الشارع , حلت مكانها وجوها جديدة , لم ارها من قبل , كما وان بعض الدكاكين قد تغيرت , واستبدلت بدكاكين اخرى , وتغير كذلك اصحاب بعض البيوت , وقد احصيت جملة من المتغيرات , كل ذلك قد حدث في شهرين , ما لم اكن الحظه عندما كنت اتجول فيه , وما لم يكن يلحظه كل من يمر في ذلك الشارع مرور الكرام .
التغيير يجري في المارة والدكاكين والبيوت , وكافة معالم الشارع , التي لم اكن اعيها , جلّ ما كان يشغل بالي , ويجذب انتباهي , المشي والنظر الى الدكاكين ووجوه المارة , من الرجال والنساء , الشيوخ والاطفال , فالمشي رياضة , مفيدة للجسم .
بعد شهرين ادركت ان الناس والشوارع تتغير , بأستمرار , ومن دون توقف , كذلك انا , فكلما مرّ يوما , تقدم بي السن يوما , وتغيرت الشوارع والمدن شيئا قليلا .
تحسرت كثيرا على هذه المعلومة , فقد وصلتني بعد ان امضيت شهرين , بينما كان يجب عليّ ان اكتسب في كل يوم معلومة واحدة جديدة على الاقل , فتذكرت كلمة تروى عن الامام علي (ع) (( من استوى يوماه فهو مغبون )) .
لكني فرحت ايضا , لاني اكتسبتها بتجربة من تجاربي , وملاحظة من ملاحظاتي , ولم اتعلمها من تجارب وملاحظات غيري , فلابد ان تكون لي شخصيتي وتجاربي وملاحظاتي الخاصة بيّ , فتحرك من مكاني , متداخلا بين جموع المارة , وانصرفت , متأملا في كلام يروى عن لقمان الحكيم :
((يابني : إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير
أقرب من دار أنت عنها راحل ))

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!