صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح18
حيدر الحد راوي
سورة البقرة
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{166} وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ{167} يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{168} إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{169} وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ{170}
اذا لم يكن جميعنا , فأغلبنا يتخذ لنفسه رموزا من اشخاص يجعل منهم قدوة له , ويفضلهم على غيرهم , وربما يتعصب لهم , ويظن نفسه انه على حق , وغالبا ما تكون مثل هذه الشخصيات المتبعة من المشاهير , كالممثلين والمطربين , فيختار البعض مغنيا او ممثلا , يلهجون بذكره و ذكر اعماله , وتتبعوا كل اخباره , وربما تزينوا كما يتزين , وقلدوه حتى في حركاته وسكناته . 
وبدوره , يكون المغني او الممثل مهتما كثيرا بأمر المعجبين به , ويحرص ان يقدم لهم كل ما يزيدهم اعجابا وفخرا به , ويتجنب كل ما من شأنه ان يقلل او يهز عرش حبه وعشقه في قلوبهم . 
والبعض الاخر يختار لنفسه حكيما ما او قارئا للقرآن او فقيها او محدثا , فيظهر اعجابه به , وقد يتجاوز الامر حدود الاعجاب , فيصل حد التعصب , والسخرية مما اختاره الغير من رموز وشخصيات , فيتولد الجدل و المشاحنات , حتى تصل الى ما لا يحمد عقباه في بعض الاحيان . 
كل ذلك , رهن الحق والحقيقة , فبمجرد ان تنكشف بعض اسرار تلك الشخصية المتبعة , او تفتضح بعمل مشين , حتى يهجرها مريديها , والسبب هو ان اعجابهم لم يكن في محله , بل ان حبهم وتفضيلهم لتلك الشخصية كان ناقصا . 
الحب والاعجاب لا ينبغي ان يكون لاجل الصوت الحسن , او المنظر الخارجي , ولا من اجل اللباقة في الكلام , ولا من اجل أي شيء اخر ! . 
لو كان الحب والاعجاب بهذه الشخصية او تلك وفقا الى اصول وقواعد معينة , لوجدنا فارقا شاسعا بين ما اخترناه , وبين من تنطبق عليه تلك الاصول , ولكان بأمكاننا تدارك الامر قبل فوات الاوان .  
فتشير الاية الكريمة الى اتباع شخصيات غير جديرة ان تتبع , وكأنها تؤكد على ضرورة اتباع الاصول والقواعد السليمة للاختيار , هذا من جهة , ومن جهة اخرى , ان الاية الكريمة تحض الاشخاص المحاطين بالمريدين ان يكونوا اهلا لتحمل المسئولية .  
 
 
وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ{167}
عندما تنكشف الحقائق في وقت ما , يرى التابعون ما كانوا عليه , ويكون على وجهين : 
1- ان كانوا قد اتبعوا المفسدين , يتحسرون ويندمون على فعلتهم , ويتمنون ان تكون لهم القدرة على الثأر من الذين اتبعوهم واضلوهم , و اول علامات هذا الثأر هو البراءة منهم . 
2- ان كانوا قد اتبعوا المصلحين والمحسنين , فيتنفسون الصعداء , ويشكرون الله على توفيقه لهم بحسن الاختيار .
 
(( وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار ِ ))
توعد الله عز وجل الكافرين والعاصين بالعذاب , فيصفه جل من قائل ( النَّار ) , وقد وصفه عز وجل في اماكن كثيرة في القرآن الكريم بأوصاف كثيرة , يغلب عليها ( النار – جهنم ... الخ ) . 
 القرآن الكريم يصف هذا النوع من العذاب بالكليات , ولم يذكر او يفصل الجزئيات , كما وان احدا منا لم يذهب الى جهنم , فيعود ليصفها لنا , سوى الرسول الكريم (ص) , وذلك في ليلة المعراج , وقد فصلها بأسلوب يتناسب مع عقول وثقافة ذلك الزمان , وبعبارة اخرى , ان القرآن الكريم وصف لنا عذاب جهنم بالكليات , وقد شرح الرسول الكريم (ص) ذلك العذاب بعد معراجه , بتفاصيل كثيرة , يرد فيها ذكرا للعقارب والحيات ... الخ .
لكن حب الاستطلاع يدفع الانسان للبحث عن معلومات اكثر , و تفاصيل ادق , شرحا اقرب ما يكون للواقع , لكنه يعجز , ويتعسر عليه فهم كنه ذلك العذاب . 
فيتبادر للمتأمل في هذا العذاب الموعود ما يلي : 
1- ان جهنم تشير الى مكان كبير جدا , كبيرا بقدر ان يسع كافة المجرمين , {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ }ق30 , او هو تعبيرا عن سجن كبير , مترامي الاطراف , كما ويبدوا ان هذا السجن الجهنمي الواسع يحتوي على عددا من الطبقات , ( الدرك الاسفل , الوديان ) , في كل طبقة ,  زنزانات كثيرة , متنوعة ومختلفة في الشكل والحجم , وكل زنزانة تحتوي على الات تعذيب خاصة , تعتمد على نوع الجريمة . 
في كل طبقة نوعا خاصا من العذاب , على ان تكون اسفل الطبقات اشدها عذابا .
يزج زبانية جهنم المجرمين , كل في طبقته , ويضعون كلا في زنزانته , حسب ما كان من جرمه وجريرته . 
2- ان ذكر عقارب وحيات جهنم وغيرها , كناية عن آلات تعذيب مؤلمة جدا , ومخيفة في نفس الوقت , تنال من العاصين حسب درجات عصيانهم , فعبّر عنها الرسول (ص) بالعقارب والحيات كي يقرب المعنى لاذهاننا , فمهما تطور عقل الانسان , وتوسعت مداركه يبقى عاجزا عن فهم كنه هذا العذاب , حتى يراه بأم عينيه , وقانا الله شره . 
3- النار , كناية عن نوع من مؤلم من العذاب لا يحتمل , الامثال تضرب ولا تقاس , في هذه الدنيا , لا يستطيع احد تحمل امساك جمرة السيجارة لمدة طويلة , حتى يناله الجزع , وتظهر اثارها على جلده , وقد يستمر الالم فترة يوم او يومين , اما الاثر فسيبقى مدة اطول , وربما يبقى مدى الحياة , هذه جمرة صغيرة من جمرات الحياة الدنيا , لا تقاس بشيء من نار وجمرات جهنم , فأقرب ما يقرب وصف نار جهنم لاذهاننا هو كلمة ( النَّار ) . 
فمهما تأمل المتأملون , ومهما اتسع علم العلماء , ومهما توسعت مدارك العقل البشري , يبقى وسيبقى عاجزا على ان يدرك كنه وجوهر هذا العذاب الموعود , لانه يندرج في ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر . 
 
 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{168}
خطاب مباشر منه جل وعلا لكل الناس , الانس والجن , لكل مخلوق عاقل , وبعد الخطاب يأتي البيان , حيث ان كل شيء اباحه الله عز وجل فهو طيب وطاهر , نافع لا ضرر فيه , بل فيه الخير والخير منه وفيه , وكل ما حرمه عز وجل فهو نجس وضار , لا نفع فيه . 
لكن الشيطان الرجيم يزين لنا القبيح , فنراه جميلا , ويخلط  علينا الاوراق , فتلتبس علينا الامور , فهو عدوا لنا , ولا ينبغي الا ان يكون عدوا . 
من هنا يجب ان يفخر المسلمون على كافة الامم , بأنهم يعبدون ربا لا يجيز لهم الا الطيبات , ويرشدهم ويجنبهم اتيان الخبائث , الظاهرية منها والباطنية , ويفضح لهم افعال الشيطان , ويحذرهم منه , ويؤكد لهم ان عدوهم الاول وربما الاخير هو الشيطان الرجيم .   
 
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{169}
اعمال الشيطان الرجيم كثيرة , تتنوع وتختلف حسب الظروف , الزمان والمكان , لكنها جميعا تتمحور في ثلاثة محاور رئيسية ذكرتها الاية الكريمة وهي : 
1- يأمر بالسوء . 
2- يأمر بالفحشاء . 
3- الافتراء على الله . 
ما اجمل ايجاز القرآن الكريم , وادق عباراته , فلو عكف الفلاسفة المحنكين والعلماء المتمرسين , على ان يلخصوا افعال واعمال الشيطان الرجيم لعجزوا عن ذلك , ولأغرقتهم التفاصيل , وأبعدتهم عن صلب الموضوع .   
 
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ{170}
 
كلما جاء رسول الى قومه , وابلغهم رسالات ربه , قالوا له (( بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا )) , أي انهم يعلمون ان ما اتى به الرسول (ص) هو الحق , وفيه الخير , لكنهم في صراع وحيرة في امرهم , فأما ان يختاروا ما جاء به الرسول (ص) ويتركوا ما ورثوه عن آباءهم واجدادهم , او يتمسكوا بتراث الاباء والاجداد , فقد تجذر ذلك التراث بما فيه من عادات وتقاليد في نفوسهم , حتى بلغت درجة انهم لا يستطيعون تغيرها او تبديلها , او حتى التفكير في تحسينها وتعديلها . 
اقرب مثال على ذلك , نجده في ميراث قوانين العشائر ( السانية ) , فبالرغم من ان تلك العشائر تدين بالاسلام ظاهرا , لكنها تسن لنفسها شرائع بعيدة عنه , وعندما يطلب منهم الاحتكام لشريعة الله والاسلام , سيقولون ( هي السانية ورثناها ابا عن جد , هذا ما وجدنا عليه ابائنا ونحن على خطاهم سائرون ) , رغم انهم يؤمنون ايمانا لا شك فيه ولا ريب , ان ما جاء به الاسلام هو الحق المبين ! . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/23



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح18
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net