حذر من أنهيار أخلاقي .. ممثل المرجعية الدينية العليا : العراق تتقاذفه موجات الفساد وسوء الإدارة

بيّن ممثل المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا الشيخ الكربلائي أنّنا نعيشُ عصراً ينتشر فيه التضليلُ والكذبُ والخداع، ومن أخطر هذا التضليل الكذبُ الإعلاميّ والعقائدي والسياسي، وينتشر الغشّ والتدليس والاستغلال وانعدام الأمانة والاعتداء بالقتل والتهجير بين أبناء العشائر لأسبابٍ تافهة، وبيع المناصب وشراء الأصوات بالمال، ويسود في طبقة شبابنا حالات الاختلاط المنحرفة وإقامة الاحتفالات في أماكن عامّة يسود فيها الاختلاطُ وبعض الممارسات غير المقبولة أخلاقيّاً وبالعلن، عندما تنتشر مثل هذه الممارسات ثمّ يغيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل ربّما ينقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً والحقّ باطلاً والباطل حقّاً، حينئذٍ وحينما لا نجد تحرّكاً فاعلاً وسريعاً لتدارك هذه المخاطر فإنّ انتشار هذه الأمور يُنذر بانهيارٍ أخلاقيّ وموتٍ للقيم والمبادئ السامية والضمير الإنسانيّ.
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم الجمعة (2صفر الخير 1440هـ) الموافق لـ(21تشرين الأوّل 2018م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر وكانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّه)، وهذا نصُّها: 
ما زلنا في شهرَيْ محرّم الحرام وصفر الخير، نتحدّث بما يجب أن نتعلّمه من الحركة الإصلاحيّة للإمام الحسين(عليه السلام)، ومن الإصلاحات المهمّة التي أراد الإمام الحسين(عليه السلام) أن يحقّقها من خلال ثورته ومبادئه وسيرته وإصلاحه الأخلاقيّ والتربويّ عند الفرد والمجتمع، هنا لابُدّ من مقدّمةٍ بعد ذلك نخوض في مفردات الإصلاح الأخلاقيّ الذي أراد الإمام (عليه السلام) أن نسير عليه وأن نطبّقه.
ما هي أهمّية العمليّة الأخلاقيّة والتربويّة لدى الفرد والمجتمع؟ أيّها الإخوةُ والأخوات هناك نقطةُ خللٍ لدينا كفرد ومجتمع، حتّى عند الكثير منّا في المؤسّسات، وهي: ما هو تقييمُنا واهتمامنا وعنايتنا بالعمليّة التربويّة والأخلاقيّة؟ هناك لدينا عمليّة التعليم الأكاديميّ وعمليّة التعليم الاختصاصيّ بمختلف الاختصاصات المتعدّدة والكثيرة جدّاً، وهناك لدينا العمليّة التربويّة والأخلاقيّة، دقّقوا -إخواني- في ما سوف أبيّنه في حساسيّة وخطورة العمليّة الأخلاقيّة والتربويّة لدى المجتمع، ونذكر هذه العمليّة في جنبَيْن، الإنسان لديه الكثير من الطاقات والإمكانات، من عقلٍ وطاقاتٍ علميّة وطاقات اقتصاديّة وثرواتٍ وأمور أخرى كثيرة، هذه الطاقات والإمكانات وحركة الإنسان في الحياة إن لم توجّهْ وفق وجهةٍ أخلاقيّة وتربويّة صحيحة، فإنّنا لا يُمكن أن نصل بهذه الإمكانات والطاقات الى تحقيق الهدف في الحياة، وهو السعادةُ والاستقرار والتكامل للإنسان في الوظيفة المهمّة في هذه الحياة، كلّنا الآن كفردٍ وكمجتمع لدينا هذه الطاقات المتعدّدة، كيف نوجّهها؟ كيف نستعملها للوصول الى البناء والوصول الى الخير وتحقيق الاستقرار والسعادة في المجتمع؟ هذا لا يأتي من العلوم الصرفة البحتة والإمكانات، مهما امتلك الإنسانُ من علومٍ وثقافات وقدرات من دون أن تكون هناك ضوابط تربويّة لا يُمكن أن توجّه هذه القدرات والطاقات لبناء الحياة السعيدة والمستقرّة التي ينشدها الإنسان، لذلك نرى الكثير ممّن يمتلك التقنيّات والعلوم المتطوّرة والكثير من الأفكار والطاقات تراه مصدر شرٍّ على المجتمع بدلاً من أن يكون مصدرَ خير، هذا الشيء الأوّل.
الشيء الثاني، الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه، بمعنى أنّه لا يُمكن أن يعيش بمفرده، الاجتماع والتعايش والاختلاط مع الآخرين من أجل أن يتمكّن من أداء وظيفته في الحياة، هذا الاجتماع والتعايش بين الفرد والآخرين تنشأ منه علاقات اجتماعيّة اقتصاديّة سياسيّة فكريّة، هذه الحقائق إن لم تُنظّمْ وفق أسسٍ أخلاقيّة وتربويّة صحيحة لا يُمكن أن تكون هذه العلاقات منتظمةً ومستقرّة، لابُدّ أن تكون طبيعة هذه العلاقات تؤدّي الى الانسجام والى الأُلفة والى المودّة والى التعاون، حتى يُمكن أن نحقّق الهدف ونصل الى الأهداف التي نرجوها، لذلك حينما تسود هذه العلاقات العداوات والمحن والبغضاء والنزاع لأسبابٍ تافهة حينئذٍ تتحوّل حياة الإنسان الى شقاء وتعاسة، فإذن لدينا علائق اجتماعيّة ثقافيّة سياسيّة اقتصاديّة لابُدّ أن تكون لها ضوابط، لكي يُمكننا أن نصل من خلالها الى توظيف هذه العلاقات لبناء الحياة الصحيحة للفرد والمجتمع.
والآن حينما نعيش عصراً ينتشر فيه التضليلُ والكذبُ والخداع، ومن أخطر هذا التضليل الكذبُ الإعلاميّ والعقائديّ والسياسيّ، وينتشر الغشّ والتدليس والاستغلال وانعدام الأمانة والاعتداء بالقتل والتهجير بين أبناء العشائر لأسبابٍ تافهة، وبيع المناصب وشراء الأصوات بالمال، ويسود في طبقة شبابنا حالاتُ الاختلاط المنحرفة وإقامة الاحتفالات في أماكن عامّة، يسود فيها الاختلاط وبعض الممارسات غير المقبولة أخلاقيّاً وبالعلن، عندما تنتشر مثل هذه الممارسات ثمّ يغيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ربّما ينقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً والحقّ باطلاً والباطل حقّاً، حينئذٍ حينما لا نجد تحرّكاً فاعلاً وسريعاً لتدارك هذه المخاطر فإنّ انتشار هذه الأمور تُنذر بانهيارٍ أخلاقيّ وموتٍ للقيم والمبادئ السامية والضمير الإنسانيّ.
وحينما نرى بلدنا تتقاذف فيه موجاتُ الفساد المالي والإداري وسوء الإدارة، وتأخذ ظواهر الفساد الأخلاقي بالانتشار بين شبابه بسبب سوء الاستغلال لمنظومات التواصل الاجتماعي وغيرها، والذي يؤدّي الى أن تنتشر هذه الأمور من ظواهر الفساد الأخلاقيّ، ولا يجد المواطن في الكثير من الأحيان إلّا أن يدفع المال مضطرّاً ليُنجز أموره ومعاملاته في كثيرٍ من دوائر الدولة، وعمليّة التعليم هذه المشكلة في مدارسنا وجامعاتنا لا ترافقها ولا تتزامن معها عمليّةُ الاهتمام بالعمليّة التربويّة والأخلاقيّة، الاهتمام والعناية بالعلوم الأكاديميّة والتخصّصية مطلوب ومن دونها لا يُمكن أن نتطوّر وتزدهر حياتنا، ولكن الخلل أن لا يتزامن ولا يترافق مع هذا الاهتمام والعناية الكبيرين بالعلوم الأكاديميّة والتخصّصية، لا يتزامن معها اهتمامٌ بالعمليّة التربويّة والأخلاقيّة لأطفالنا وشبابنا، ويغيب هذا الاهتمامُ والعناية عن ساحة المدارس والجامعات وغير ذلك من الجهات المعنيّة بهذه الأمور، من المهمّ جدّاً إذا أُريد لكلّ شعبٍ أن يستقرّ ويتطوّر ويكون هذا المجتمع إنسانيّاً بكلّ ما للإنسانيّة من معنى، لابُدّ أن يكون هناك تزامنٌ وترافق بين العمليّة التربويّة التعليميّة الأكاديميّة والتخصّصية والعمليّة التربويّة الأخلاقيّة، كما نهتمّ بقدر تعلّم هذه العلوم والثقافات والمعارف بقدرها بل ربّما أكثر منها لابُدّ أن يكون هناك اهتمامٌ بالعمليّة التربويّة الأخلاقيّة للفرد والمجتمع، حينئذٍ فإنّ هذه الأمور الخطيرة التي بيّنّا بتوفّر الأسباب ستؤدّي الى انهيارٍ أخلاقيّ وموت القيم في المجتمع. 
إنّ هذه الأمور الخطيرة تستدعي تحرّكاً مجتمعيّاً أوّلاً وحكوميّاً ثانياً وإعلاميّاً واسعاً وفاعلاً، وتحشيد كلّ الطاقات والإمكانات لحفظ قيم المجتمع العراقيّ الأصيلة، وصيانته من الانحرافات الأخلاقيّة التي تُنذر بعواقب حاليّة ومستقبليّة خطيرة، ما هي الأسبابُ في غياب هذه القيم الأخلاقيّة والالتزام المبدئيّ في المجتمع؟ هناك أسباب لابُدّ أن نذكرها ونذكر كيفيّة علاجها، ثمّ نذكر ما هو منهج الإمام الحسين(عليه السلام) في حركته الإصلاحيّة، هذا إن شاء الله سنذكره في خطبٍ قادمة.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لإصلاح أنفسنا ومجتمعنا أخلاقيّاً وتربويّاً، والاقتداء بمنهج الإمام الحسين(عليه السلام) إنّه سميعٌ مجيب، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/12



كتابة تعليق لموضوع : حذر من أنهيار أخلاقي .. ممثل المرجعية الدينية العليا : العراق تتقاذفه موجات الفساد وسوء الإدارة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net