الحسين يكتُب قصته الاخيرة!!…
عبدالاله الشبيبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبدالاله الشبيبي

كتاب تحت عنوان "الحسين يكتب قصته الأخيرة" لسيد الشهيد الاول محمد باقر الصدر "قدس"، وهو بالأساس عبارة عن محاضرات القاها السيد حول الامام الحسين ونهضته، والدوافع التي قام من اجلها، تحت عنوان "التخطيط الحسيني لتغيير أخلاقية الهزيمة" قام الاخ صادق جعفر الروازق، بالتلاعب بعنوان الكتاب حسب رغبته وتغيير العنوان الى "الحسين يكتب قصته الاخيرة".
اذ يقول الروازق: ربما نجد عذراً نستبدل عنوان المحاضرة من التخطيط الحسيني لتغيير اخلاقية لهزيمة الى الحسين يكتب قصته الاخيرة، رغبة منا وتوافقاً مع رغبات بعض من اطلع على مسودات الكتاب من العلماء واساتذة التحقيق، بعد ان وجدنا كثيراً من الشبه بين واقع المحاضرة الحسينية ومعطياتها على واقع السيد الصدر، اضافه الى ما تضمنه الكتاب من اضافات علمية موسعة خارج نطاق المحاضرة، فحق لنا الاختيار ووجب الاعتذار.
وفي نظري القاصر ان الامام الحسين عليه السلام لم يكتب قصته الاخيرة، كما وان السيد الصدر لم يكتب قصته الاخيرة أيضاً!… والا لو كتبها الامام الحسين سلام الله عليه لفقدت مؤنتها ورونقها ونطمرت فصولاً منها، بل ان قصة الامام حيرت العالم وحارت العقول والكُتاب في تدوينها. فلو ترك الكاتب المُحترم الكتاب تحت عنوانه القديم الذي كان السيد الصدر قد وضعه لكان أكثر تأثير في النفوس، ورواجاً بين الكتب.
ومن الامور التي طرحها السيد الصدر في كتابه ان الامام الحسين وقف ليعالج مرضاً من امراض الامة وقف من قبله اخوه الامام الحسن ليعالج مرضاً اخر من امراض الامة، بينما قدر للأمام الحسن عليه السلام ان يعالج مرض الشك في الامة الاسلامية التي بدأت في عهد امر المؤمنين تشك في الخط الرسالي الذي سار عليه قادة اهل البيت، واستفحل لديها هذا الشك حتى تحول الى حالة مرضية في عهد الامام الحسن، وهذه الحالة المرضية التي لم يكن بالإمكان علاجها حتى بالتضحية، عالج الامام الحسين حالة مرضية اخرى هي حالة انعدام الارادة مع وضوح الطريق، بعد ان فقدت الامة ارادتها وكان الطريق الوحيد لعلاج هذه الحالة المرضية هو الخط الذي سار عليه سيد الشهداء.
ويضيف ان الامة حينما تنهزم منها شخصيتها وتموت ارادتها تنسج بالتدريج اخلاقية معينة تنسجم مع الهزيمة النفسية التي تعيشها بوصفها امة بدون ارادة، امة لا تشعر بكرامتها وشخصيتها، بالرغم من وضوح الطريق وجلاء الاهداف وقدرتها على التميز المنطقي بين الحق والباطل.
ولكن الامام الحسين حينما كان يُلقي شعارات على هذه الاُمّة الإسلاميّة المهزومة أخلاقيّاً، المهزوزة روحيّاً، المتميّعة نفسيّاً، الفاقدة لإرادتها، حينما كان يلقي شعارات هذا التحرّك على هذه الاُمّة لم يكن في كلّ إلقاءاته صريحاً واضحاً محدّداً؛ وذلك لأنّه كان يجامل تلك الأخلاقيّةَ التي عاشتها الاُمّة الإسلاميّة، أخلاقيّةَ الهزيمة.
وكانت هذه المجاملة جزءاً ضروريّاً من إنجاح الحسين في هدفه؛ لأنّه إذا خرج عن هذه الأخلاقيّة فَقَدَ بذلك عملُه طابعَ المشروعيّة في نظر اُولئك المسلمين، وبذلك يصبح هذا العمل غير قادر على أن يهزّ ضمير إنسان الاُمّة الإسلاميّة كما كان من المفروض أن يهزّه.
الشعار الأوّل: حتميّة القتل: كان الإمام الحسين يُعترض عليه، ويقال: لِمَ تخرج؟. وهذا الشعار منسجمٌ مع أخلاقيّة الاُمّة المعاشة أيضاً؛ فأخلاقيّة الهزيمة التي تعيشها الاُمّة الإسلاميّة لا تجد منطقاً تنفذ منه للتعبير عن نقد مثل هذا التحرّك، إذاً، فطرح مثل هذا الشعار لأجل تفسير هذا الموقف كان مناسباً جدّاً مع إقناع أخلاقيّة الهزيمة، مع كونه شعاراً واقعيّاً في نفس الوقت.
الشعار الثاني: غيبيّة قرار التحرّك: يأتي أشخاص آخرون إليه، يعترضون عليه، يقولون: لِمَ تتحرّك؟. فتراه (عليه السلام) يجيب بهذا الجواب، يجيب بقرار غيبي من أعلى، وهذا القرار الغيبي الصادر من أعلى لا يمكن لأخلاقيّة الهزيمة أن تنكره ما دام صاحب هذه الأخلاقيّة مؤمناً بالحسين، ومؤمناً برؤيا الحسين.
الشعار الثالث: ضرورة إجابة دعوات أهل الكوفة: وكان في مرّةٍ ثالثةٍ يطرح شعاراً ثالثاً: كان يقول للأشخاص الذين يمرّ بهم في طريقه من مكّة إلى العراق، في منازله المتعدّدة حينما كانوا ينصحونه بعدم التوجّه إلى العراق، فكان يعكس ويفسّر سفرته على أساس أنّها استجابة وأنّها ردّ فعل، وأنّها تعبير عن إجابةِ طلب، عن أنّ الاُمّة تحرّكت وأرادت، وأنّه قد تمّت الحجّة عليه، ولا بدّ له أن يتحرّك.
هذه الشعارات التي طرحها الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) كانت كلّها واقعيّة، وفي نفس الوقت كانت منسجمةً مع أخلاقيّة الاُمّة المهزومة روحيّاً وفكريّاً ونفسيّاً.
الشعار الرابع: ضرورة الثورة ضدّ السلطان الجائر: وكان يطرح أيضاً إلى جانب كلّ هذه الشعارات الشعارَ الواقعيَّ حينما كان يؤكّد على أنّ رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً يحكم بغير ما أنزل الله، فلم يغيّر من ذلك السلطان بفعل أو قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله.
فكان إلى جانب تلك الشعارات التي يسبغ بها طابع المشروعيّة على عمله في مستوى أخلاقيّة الاُمّة، كان يعطي أيضاً باستمرار ودائماً الشعار الواقعيَّ الحيّ الذي لا بدّ وأن يكون هو الأساس للأخلاقيّة الجديدة التي كان يبنيها في كيان هذه الاُمّة الإسلاميّة.
إنّ عمليّة التغيير في أخلاقيّة الاُمّة لا يجوز أن تقوم بأيّ مجابهةٍ واضحةٍ للأخلاقيّة الفاسدة الموجودة في الاُمّة؛ لأنّ المجابهة الواضحة الصريحة للأخلاقيّة الفاسدة الموجودة في الاُمّة يكون معناها الانعزال عن هذه الاُمّة والانكماش، وعدم القدرة على القيام بعمل مشروع في نظر هذه الاُمّة.
حينما نريد أن ننفذ إلى ضمير الاُمّة التي ماعت أخلاقيّاً، لابدّ لنا أيضاً، أن نفكّر في عدم مجابهة الأخلاقيّة القائمة بالشكل الذي يعزل هذا الشخص الذي يريد أن يغيّر أخلاقيّة الاُمّة؛ فلا بدّ له أن يفكّر في انتهاج طريقٍ في التغيير يستطيع به أن ينفذ إلى ضمير الاُمّة، وهو لا يمكنه أن ينفذ إلى ضمير الاُمّة إلّا إذا حافظ باستمرارٍ على معقوليّة ومشروعيّة عمله في نظر الاُمّة، كما عمل الإمام الحسين عليه السلام.
لابدّ وأن نستشعر تلك التضحية العظيمة حينما نلتفت إلى أنّنا مدعوّون إلى تضحيّةٍ جزئيّةٍ بسيطة، حينما يتطلّب منّا الإسلام لوناً من التضحية وقَدَراً بسيطاً وضئيلاً من التضحية.
لابدّ وأن نلتفت دائماً إلى ذلك القَدَر العظيم غير المحدود من التضحية الذي قام به الإمام الحسين (عليه السلام) لكي نستصغر.. ولكي يتضاءل أمامنا أيُّ قَدَرٍ نواجهه في حياتنا، ونكلّف أنفسنا بالقيام به في سبيل الإسلام.
إنّ الإسلام اليوم يتطلّب منك قَدَراً قليلاً من التضحية بوقتك، براحتك، بمصالحك الشخصيّة، برغباتك، بشهواتك، في سبيل تعبئة كلّ طاقاتك وإمكانيّاتك وأوقاتك لأجل الرسالة.
أين هذه التضحية من تلك التضحية العظيمة التي قام بها الإمام الحسين (عليه السلام)؟ من تضحيته بآخر قطرةٍ من دمه، بآخر شخصٍ من ذرّيّته، بآخر كرامةٍ من كراماته بحسب مقاييس الإنسان الدنيوي؟!
لابدّ أن نعيش دائماً هذه التضحية، ونعيش دائماً مدلولَ هذا الدم الطاهر؛ لكي يكون ثمنُ دم الإمام الحسين حيّاً على مرّ التاريخ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat