وقفة مع الحقوق والاخلاق ؟...
عبدالاله الشبيبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبدالاله الشبيبي

الاخلاق روح الشريعة، وجوهر الدين، وما جاء نبي الاّ ونادي بين الناس بالاخلاق، وضرورة تهذيبهم، ممّا قد يعلق بهم من عادات سيّئة، وتقاليد سقيمة تحرق رسالتها، فيرسم لهم الخطط والمناهج، ويبني لهم قواعد يستفاد منها لتغيير الإنسان نحو الافضل والاكمل.
فان علم الأخلاق هو مجموعة من المبادئ المعيارية التي ينبغي أن يجري السلوك البشري على مقتضاها، والياء في المعيارية نسبة إلى المعيار الذي يقاس به غيره. المصدر: فلسفة الاخلاق، ص87.
وقد قيل علم الأخلاق عبارة عن كسب الآداب والسنن، وتخلية النفس والقلب من الصفات الذميمة، وتحليتهما بالأخلاق الطيبة والسنن القائمة، المشار إليها في قوله: "سنّة قائمة" في نفس الإنسان والتي تكون ملكة راسخة في وجوده.
ولمّا كان الإنسان ذا أبعاد ثلاثة: العقل والجسد والروح، فمربّي عقله هو العقائد السليمة، ومربّي الجسد: التكاليف الشرعية، ومعلّم الروح: الأخلاق الحسنة. فالأخلاق في الإسلام ليست جزءاً من الدين بل هي جوهره وروحه.
وقد قال ابن مِسكَوَيه، في كتابه الموسوم بـ "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق": إنّ الخُلق هو تلك الحالة النفسانيّة التي تدعو الإنسان، لأفعال لا تحتاج إلى تفكّر وتدبّر.
وعليه قسمّوا الأخلاق إلى قسمين: الملكات التي تنبع منها الأعمال والسّلوكيات الحسنة وتسمى الفضائل، واُخرى تكون مصدراً للأعمال والسلوكيات السّيئة وتسمى الرذائل.
ومن هنا يمكن أن نعرّف علم الأخلاق بأنّه: علمً يُبحَث فيه عن المَلكات والصّفات الحسنة والسيئة وآثارها وجذورها. المصدر: الأخلاق في القرآن، ج1، ص16.
وقد عرف العلامة الطباطبائي علم الأخلاق بالقول التالي: هو الفن الباحث عن الملكات الإنسانية المتعلقة بقواه النباتية والحيوانية والإنسانية وتميز الفضائل منها عن الرذائل ليستكمل الإنسان بالتحلي والاتصاف بها سعادته العلمية، فيصدر عنه الأفعال التي تجلب الحمد العام والثناء من المجتمع الإنساني.
فالاحكام الاخلاقية: هي الاحكام التي يدركها العقل الانساني او الفطرة الادمية او الوجدان البشري ويرى ان لها قيمة واعتباراً بغض النظر عن الامر الالهي او الانساني كحسن الصدق وقبح الظلم.
اما الاحكام الحقوقية: وهي الاحكام التي توضع من قبل جهة صالحة لتحقيق المصالح البشرية في الدنيا، وترتبط بالعلاقات الفردية المتبادلة في المجتمع هذه الاحكام بحاجة الى متصد لتنفيذها وهي الحكومة في الغالب. المصدر: الحقوق والسياسية في القران، ص16.
اذ ورد لفظ الحق في القرآن الكريم (288) مرة، أطلق في بعضها على المعنى اللغوي، كما في قوله تعالى: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾. كما أطلق على معانٍ أخر، أشار إلى بعضها الفيروز أبادي في القاموس فقال: الحق: من أسماء الله تعالى أو صفاته، والقرآن، وضد الباطل، والأمر المقضي، والعدل والإسلام، والمال، والملك، والموجود الثابت، والصدق، والموت، والحزم، وواحد الحقوق. وذكر الراغب الأصفهاني: أن الحق في القرآن الكريم يقال على أوجه هي:
أولاً: يقال لموجِد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في الله تعالى: هو الحق، قال تعالى: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾.
ثانياً: يقال للشيء الموجَد بحسب مقتضى الحكمة، ولهذا يقال: فعل الله كلُّه حق، ومنه قولنا: الموت حق، والبعث حق، ومنه ما جاء في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾.
ثالثاً: يطلق على الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث حق، ومثّل له بقوله تعالى: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ﴾.
رابعاً: إطلاقه على القول أو الفعل الواقع بحسب ما يجب، ويقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب، كقولنا: فعلك حق، وقولك حق، ومثاله قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾.
ومفردة الحقوق ذات معاني اصطلاحية عديدة، ومنها انها تعني النظام الحاكم على السلوك الاجتماعي لدى المواطنين في المجتمع، أي مجموعة "ما ينبغي وما لا ينبغي" التي يُلزم ابناء المجتمع الواحد بالعمل بها. وقد ترتبط بالأفعال الارادية لأفراد الانسان، فعلى الانسان الحر والمختار ان يقوم بمجموعة من الاعمال ويحترز من مجموعة اخرى.
فقد عرف الجرجاني في كتابه التعريفات: الحق في اللغة هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وفي اصطلاح أهل المعاني: هو الحكم المطابق للواقع. يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك.
وقد ذهب الجاحظ إلى أن: الخُلُق هو حال النفس، بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار، والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعاً، وفي بعضهم لا يكون إلا بالرياضة والاجتهاد، كالسخاء قد يوجد في كثير من الناس من غير رياضة ولا تعمل، وكالشجاعة والحلم والعفة والعدل وغير ذلك من الأخلاق المحمودة.
اما ابن عاشور فيقول: ان الخلق السجية المتمكنة في النفس، باعثة على عمل يناسبها من خير أو شر، وتشمل طبائع الخير وطبائع الشر، ولذلك لا يعرف أحد النوعين من اللفظ إلا بقيد يضم إليه، فيقال: خلق حسن، وفي ضدّه خلق قبيح، فإذا أطلق عن التقييد انصرف إلى الخلُق الحسن.
وقد قال العلامة الشهيد مرتضى المطهري: الفروق بين النفسية الشرقية والغربية هو أن الشرق ينزع إلى الأخلاق، والغرب ينزع إلى الحقوق. الشرق مفتون بالأخلاق والغرب بالحقوق، الشرقي بحكم طبيعته الشرقية يرى إنسانيته في مشاعره وعفوه وحبّه لبني نوعه وفي فتوته، أما الغربي فيرى إنسانيته في أن يعرف حقوقه ويدافع عنها ولا يسمح لغيره أن يعتدي عليها.
البشرية تحتاج إلى الأخلاق والحقوق معاً؛ والإنسانية كما هي مرتبطة بالحقوق كذاك مرتبطة بالأخلاق. فلا الحقوق بوحدها معيار للإنسانية ولا مجرد الأخلاق.
الدين الإسلامي الحنيف يتميز بميزة كبيرة وهي التفاته إلى الأخلاق والحقوق معاً؛ فكما يعتبر العفو والمحبة والإحسان أموراً أخلاقية مقدّسة، كذلك معرفة الحقوق والذود عنها يعتبرها مقدّسة وإنسانية.
صحيح ان هناك تداخلاً بين الاخلاق والحقوق في بعض الموارد لكنا نرى ثمة فروقاً اساسية بينهما، ومنها:
اولاً: الاحكام الحقوقية تتعلق بالسلوك الاجتماعي للإنسان فقط، في حين تشمل الاحكام الاخلاقية كل سلوك ارادي للإنسان.
ثانياً: للاحكام الحقوقية متصد تنفيذي في الواقع الخارجي، بينما ليس للأحكام الاخلاقية متصد خارجي وانما لها متصد باطني.
ثالثاً: ان ما ينبغي وما لا ينبغي في الاخلاق امور كلية وثابتة وخالدة في حين ان ما ينبغي وما لا ينبغي في الحقوق عرضة للتغير.
رابعاً: ان القواعد الحقوقية امور الزامية، اذا صدرت يجب العمل بها، اما في مجال الاخلاق توجد تكاليف الزامية وتوجد تكاليف مرجحة ومستحبة.
خامساً: الغاية كم ما ينبغي وما لا ينبغي في الحقوق تحقيق المصالح الدنيوية لأبناء المجتمع، بينما الغاية من الاوامر والنواهي الاخلاقية هي بلوغ الكمال النفسي.
سادساً: ان القواعد الحقوقية تلاحظ اساساً ظاهر العمل ووزنه ولا تلتفت الى الدافع والنية لدى العامل التفاتاً يذكر، في حين تؤكد القواعد الاخلاقية تأكيداً بالغاً على الداعي والغاية لدى العامل. المصدر: الحقوق والسياسية في القران، ص20.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat