عدنان الأسدي في رحاب التأليف
ماجد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ماجد الكعبي

إن كل إنسان تربطه وشائج مع السيد عدنان الأسدي, وكل من يعرفه أو سمع به يؤكد بأنه رجل وطني ومؤمن ومجاهد ومخلص وقدم كوكبة من عائلته شهداء لهذا الوطن المفدى والدين الحنيف , وانه يشغل منصب الوكيل الأقدم في وزارة الداخلية, وما يزال يعمل بجد وتفان وإخلاص ولم ولن يسجل ضده أي مطعن أو تهمة , كما انه من أوتاد حزب الدعوة العريق, كل هذه الحقائق يعرفها الكثيرون عنه , ولكنني وكغيري من المتتبعين فوجئت لدى زيارتي له في مكتبه الخاص يوم الثلاثاء المصادف 25 / 10 / 2011 عندما أهدى لي نسخة من كتابه الموسوم ( المتغيرات السياسية في العراق ) وكانت هذه اللحظة قد أغرقتني في الدهشة والإعجاب, فانا وكغيري نعرف بان الاسدي رجل إداري وابرز قائد لقوى الأمن الداخلي . وقد فرحت وسررت كثيرا عندما علمت بأنه يمتهن التأليف وهذه صفة مرموقة يتحلى بها الأقلية من قادة العراق , وكانت هذه الحالة قد غمرتني بالسعادة والدهشة لان الذي نراه ونجده في قيادتنا السياسية أن القلة القليلة منهم يمتهنون التأليف وكاتبنا المتميز واحد منهم .
ولدى مطالعتي الكتاب وجدت الرجل قديرا ومتمكنا على الكتابة بدقة وإمعان وانه قد اعتمد منهجا متكاملا وواعيا في الطرح فقد تجذر في رحاب التاريخ , والتقط الزوايا الحادة في البحث, وقد وصف وشرح المشهد السياسي الشاخص والمعاش بكل ثقة واقتدار, وقد جسد بذكاء ومهارة الواقع المشحون بالأحداث المتفاقمة والأحاديث المتناقضة والمتنوعة , والرؤى والمتغيرات المتسارعة والمثيرة بجدية واضحة , وتشخيص مفعم بالمقارنة الواعية والموضوعية السديدة البعيدة عن اللف والدوران والالتباسات والتغرض المقصود . فكان الكاتب دقيقا وعميقا في بلورة المواقف المتفجرة , والأفكار المحتدمة وقد تميز بمزايا متميزة في الطرح والعرض وتبويب الكتاب بأبواب في غاية الاهتمام والالتزام , فالكتاب المعمق قد ضم بين دفتيه أربعة فصول جديرة بالقراءة التحليلية الناضجة, والمناقشة الجدية المتمسكة بصدق , وأحقية الآراء الناطقة بالحقائق الجادة والجديدة والمجدية, فكل فصل من فصول الكتاب زاخر بمعلومات مدهشة , وقضايا ملحة تفرض حضورها لأنها تتفرقع مع الأحداث الساخنة و الملتهبة .
إن هذه الفصول الأربعة قد عكست حقيقة الواقع المتفجر والمتطور, وسلطت أضواء مكثفة ومعالجات يقينية, وطروحات كاشفة وصائبة على الأزمات القاسية والتمزقات المدمرة, والانشقاقات المستمرة, والخلافات والاختلافات المؤذية, والتوقعات المرة والمريرة . فالمؤلف كان حريصا جدا على الأمانة في الأداء , وصريحا بامتياز عندما سمى الأمور بأسمائها الحقيقية , وأماط اللثام عن قضايا مخفية في دهاليز العتمة , وان صاحب كتاب (المتغيرات السياسية في العراق ) قد فاجأنا بمعلومات تحتاج إلى وقفات للتأمل والتفكير, وان كل قارئ بجدية ينبهر بهذا الكتاب والذي هو بحق وحقيق وثيقة تتكلم بلغة الأرقام عن مرحلة مهمة وحرجة ومتفاقمة بالأفكار والطروحات والإشكاليات والتنبؤات والتوقعات , وانه قد أصاب وأجاد في تصوير السياسة والساسة على مختلف المستويات . فقد أكد أن السياسة الأمريكية مبنية أساسا على مصلحة الأمن القومي الأمريكي , وإزالة التوترات التي تهددها, وتعيق تحقيق مصالحها القومية التي تجعلها أقوى وأعتى من كل المؤسسات الدولية اعتبارا من هيئة الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي . وان الواقع يقول بان أي موقف مضاد ضد كبرياء أمريكا وينسف طموحاتها وتطلعاتها فهذا الموقف يكون بمثابة تشيع لجنازة المؤسسة العالمية كما يؤكد ذلك المؤلف اللبيب عدنان الاسدي .
فأمريكا هي اليوم الفارس الوحيد في الساحة الدولية , وإنها مع جبروتها وطغيانها وهيمنتها تتظاهر بثقافة حقوق الإنسان, واحترام الرأي والرأي الأخر, والتداول السلمي للسلطة من خلال الاعتماد على صندوق الاقتراع هدفا في تشكيل الحكومة الوطنية , وقد أكد على هذه الحقائق المؤلف الدقيق .. كما أن صاحب الكتاب قد أكد بان أمريكا تتلبس بلبوسات إنسانية وديمقراطية وتعمل على إشاعة مفاهيم تقدمية واقتصادية وثقافية ذرا للرماد في العيون ولكي تخدع الشعوب بهذه الشعارات المغرية . فأمريكا مختصة ومتخصصة بالمكر والدهاء وذر الرماد في العيون والخداع المبطن الذي عن طريقه تمرر أهدافها وطموحاتها ومشاريعها المرسومة في سياستها المنهجية المعتمدة على دراسات ذكية لواقع وتاريخ ومستقبل الشعوب .
إن الكاتب كان خلقيا وجديرا بوضع الأصبع على الجرح وكان في منتهى الدقة في تحديد هوية الأشياء وحقائق الواقع المزدحم بمشاكل وأزمات شتى فكل موضوع يطرقه مشبع بالدلالات والقناعات والاختبارات ويضع بالفعل والفاعلية العلاجات الموضوعية لأي أزمة وطنية بعين المؤرخ العائش والمتابع للواقع الذي تتلاحم فيه مختلف صنوف القضايا وأسبابها ونتائجها . فالرجل التاريخي يعتمد بكل الصدق والنقاء دراسة الأحداث دراسة يقينية شمولية , ويبحث عن الجذور لكل قضية ومدياتها وآفاقها ونتائجها وإفرازاتها والبديل الأفضل عنها, ويظل رجل التاريخ يتسلح بالحقائق التاريخية متمسكا بالتحليل والمقارنة والاستقصاء والبدائل الايجابية التي تقلب الواقع إلى أحسن صورة والى أفضل النتائج المنشودة والمعطيات المطلوبة والملحة . وان كاتبنا الحصيف عدنان هادي الاسدي قد تناول بكتابه القيم اخطر الفترات الزمنية التي اجتازها عراقنا المثقل بالهموم والأزمات , فقد تحدث المؤلف عن أزمات وأحداث وحوادث عاصرها بنفسه حيث اشترك في اللجنة السياسية مثل تشكيل مجلس الحكم , ثم عضوا مناوبا في مجلس الحكم الانتقالي, ثم عين وكيلا لوزارة الداخلية للشؤون الإدارية أيام الحاكم المدني السفير ( بول بليمر ) وبقي الكاتب يمارس عمله في وزارة الداخلية لحين انتخابه عضوا في مجلس النواب العراقي عام 2010 م وقدم استقالته من عضوية مجلس النواب عام 2011 م ليعود إلى عمله السابق في وزارة الداخلية حرصا منه على العمل بالوزارة لأنه قد عاش تفاصيل وأسرار هذه الوزارة المهمة والإستراتيجية وعرف كل الأسس والصياغات التي تعمل على تقدمها وتطوريها وانه أصبح عاشقا ومتفانيا لهذه الوزارة المعطاء الذي قدم كل خدماته وبكل الصدق والالتزام لها وسيظل يرفدها بطاقاته الإبداعية وانجازاته المدهشة وان أهميتها تتزايد عنده بالمزيد الذي يقدمه لها بكل طواعية وتفان وإخلاص . فهذه الخلفية وهذه الاهتمامات والصفات التي يمتلكها المؤلف ساعدته وأعطته تجارب جمة , وحقائق دامغة, واقتدارات فائقة, وتصورات متفردة , فشخصية وعقلية الرجل عريقة وغارقة في الجهاد والتضحية والبناء والعطاء وانه من عائلة مناضلة ومجاهدة قدمت خمسة شهداء في سبيل الله والوطن وقد اعدم إخوته الثلاثة ووالده وصهره رحمهم الله , وقد ترك العراق عام 1980 م وعاد إلى حضن الوطن بعد سقوط النظام في تاريخ 27 / 4 / 2003 فهذا الرجل شخصية متميزة في عائلته وجهاده وصبره وقد برهن بشرف وأصالة على انه الرجل الإداري الناجح المقتدر والخلاق والذي فتح وما يزال يفتح باب قلبه وبيته ومكتبه إلى المقهورين والمضطهدين والمعوزين والمظلومين, وانه لم ولن يتوانى عن تقديم المساعدة والإسعاف الفوري لكل من ينتخيه ويطلب إنسانيته وشهامته, والشواهد والأدلة والمواقف والبراهين كثيرة على هذا السلوك الغارق في بحيرة العطف والتعاطف والإسعاف .. فهذا الخلق السامي المتسامي وهذه الشمائل والمثل التي يتحلى بها الاسدي ليس غريبة عنه لأنه خريج اعرق وأسمى واشرف مدرسة إنسانية دينية إلا وهي مدرسة الأمام الشهيد الخالد المخلد محمد باقر الصدر ( قدس ) الذي أضاء قلوبنا ونفوسنا وعقولنا بأنوار النور والتضحية والفداء .
إنني أجد أن رغبتي وشهيتي مفتوحة للكتابة المكثفة عن هذا الكتاب الرائع والكاتب الأروع ولكنني لا أريد أن احرم القارئ والمتابع من لذة قراءة هذا الكتاب المؤثر والمبدع - المتغيرات السياسية في العراق - فهذا الكتاب كما قرأته يفرض على كل إنسان أن يقتني نسخة منه وان يدرسه لكي يستفيد فائدة جليلة وسامية من معطياته التي تغني الأفكار والعقول والنفوس بحقائق مهمة ومثمرة ونافعة, وإنني أتمنى من كل كاتب و مثقف أن يكتب عن هذا الكتاب القيم والذي فيه اشراقات وابداعات ومنطلقات تستحق القراءة والمتابعة والدراسة اليقينية الجادة , ومن يقراه يعرف حقيقة هذا المؤلف وصدق نواياه وإخلاصه لشعبه ووطنه ومثابرته الدؤوبة على كل عمل إنساني ووطني وديني فيه خدمة للشعب والوطن ومرضاة لرب العالمين, والله الموفق وانه وراء القصد .( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) صدق الله العظيم .
* مدير مركز الإعلام الحر
majidalkabi@yahoo.co.uk
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat