صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

الجذور التاريخية لتفاوت الدخول 
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تزايدت حدة تفاوت الدخول ضمن البلد الواحد وبين البلدان في العصر الحديث . ففي الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال   يملك 10% من الشعب الأمريكي 90% من ثروات البلاد , بينما يتشارك 90% من سكان البلد بالعشرة بالمئة المتبقية . دخل الفرد السنوي في سويسرا كان 61,360   دولار  في عام 2017  بينما وصل دخل الفرد السنوي في النيجر  مبلغ  1152 دولار  لنفس العام . الكثير من المحللين الاقتصاديين يعتبرون التطور التكنلوجي , ولاسيما التطور الالكتروني كان احد اهم أسباب تفاوت الدخول في الماضي الحاضر. من يملك المعرفة في تكنلوجيا الالكترونية , يضع يده على مصدر الثروة .

ربط تفاوت الدخول بالتطور التكنلوجي يظهر بشكل واضح من عمارة المدن و تنوع المهن في المدن القديمة المكتشفة , فقد توصل علماء الاثار ان هناك علاقة طردية بين التقدم التكنولوجي و تراكم الثروات . فكلما تقدمت التكنلوجيا كلما ازددت ثروات ماليكيها . و كلما توسع عمران المدن , كلما تفاوتت الدخول بين من يملك التكنلوجيا وبين من لم يملكها .

قبل 12 الف سنة تقريبا , لم يكن هناك شاب يحمل شهادة الهندسة من جامعة الرافدين واخر لا يقرأ ولا يكتب , ولم يكن هناك بليونير مثل بيل كيت , ولم تكن هناك مكائن زراعية واسمدة ومبيدات زراعية من اجل انتاج اكبر كمية ممكنة من الإنتاج الزراعي , ولم يكن هناك اساطيل صيد بحرية , يمتد شباكها خمسة اميال . كان المجتمع يعتمد اعتمادا كليا على الصيد وقطف الاثمار , وبذلك لم يكن في هذا المجتمع تفاوت طبقي , غني متخم او فقير ينام جوعانا .

هذه الحالة تغيرت كليا قبل حوالي عشرة الاف سنة عندما استطاع الانسان زراعة الأرض , وبذلك بدأت بذور التفاوتات الطبقية , حيث استطاعت العائلة الفلاحية من الإنتاج الزراعي الوفير و من جمع ثروات وانتقالها من جيل الى اخر . وعندما استطاع الانسان تهجين الحيوانات البرية ( الحصان , الابقار , والحمير) واستخدامهم في الإنتاج الزراعي , زادت المساحات المزروعة وزاد الإنتاج و زادت الثروات تركزا بيد مجموعة من السكان . حدث هذا أيضا في الولايات المتحدة الامريكية بعد ان تم تصدير المعدات الزراعية الى هذا البلد من أوربا في القرن السادس عشر.

ومن اجل برهان العلاقة بين تفاوت الدخول والتطور التكنولوجي , استطاع الاقتصاديون وبمساعدة علماء الاثار من قياس حجم تفاوت الدخول في المدن التاريخية , وذلك باستخدام مقياس   Gini    الذي يتحدد بحدود  0 و 1. صفر يعني انعدام تفاوت الدخول فلا يوجد بليونير في المجتمع ولا يوجد معدوم . وان دخل البقال يساوي دخل رئيس جمهوريته . بينما كلما اقترب المقياس الى 1 كلما زادت الفروقات الطبقية وتصبح لا تطاق . لقد وجد علماء الاقتصاد ان كلما تطورت الأمم كلما ارتفع مؤشر   Gini   واقترب الى 1. على سبيل المثال ,  حصل مجتمع   جرف الأحمر في سوريا ( 9200 قبل الميلاد ) على مؤشر قدره 0.13 , بمعنى لم يكن هناك فوارق طبقية في هذا المجتمع , ولكن بتقدم الوقت والتكنلوجيا بدء هذا المؤشر بالتزايد فوصل الى 0.28 في مجتمع       Catalhoyuk       من تركيا ( 6500 قبل الميلاد), ووصل مجتمع أور في جنوب العراق الى 0.37 ( 2700 قبل الميلاد), و و صل المؤشر الى 0.68 في مجتمع     Kahun      من مصر (1930 قبل الميلاد) , والى 0.54 في مجتمع        Pompeli     من إيطاليا ( 79 قبل الميلاد).

هذا الاتجاه لم يتغير في المجتمعات البشرية ما بعد الميلاد , بل ازدادت حدته . فقد حصل مجتمع     Teotihuacan       في المكسيك (300 بعد الميلاد) على 0.12 , بينما حصل مجتمع         Bridge River        في كولومبيا البريطانية (500 بعد الميلاد) على 0.2, وعلى 0.34  مجتمع  Caracol في بيليز (700 بعد الميلاد) ,و 0.57  لمجتمع من  Cahokia  ولاية Illinois  الأمريكية ( 1150 بعد الميلاد) , و 0.81 للمجتمع الأمريكي عام 2016. 

تفاوت الدخول في الولايات المتحدة الامريكية ازداد بشكل متزايد في الثلاثين عام الأخيرة , بعد اكتشاف واستخدام جهاز الحاسوب الالكتروني و وصل عدد أصحاب المليارات فيها عام 2018 الى  571   , اكثر من نصفهم يتعامل مباشرة وغير مباشرة مع هذا القطاع .

ولكن تأثير تفاوت الدخول السلبية سوف لن ينتهي بالمجتمعات ذات التكنلوجية المتقدمة , وانما يمتد اثاره السلبية الى مجتمعات الدول العالم الثالث , حيث أصبحت فجوة الدخول عظيمة بين المجتمعين , الصناعي والغير صناعي , او المتقدم والغير متقدم . وهذا احد أسباب تزايد الهجرة من الدول الفقيرة الى الدول الغنية في الوقت الحاضر . نسبة كبيرة جدا منهم يهربون ليس بسبب الامن والأمان وانما بسبب الجوع وغياب فرص العمل من اوطانهم .

عراقيا , فان تفاوت الدخول قد اختفى في حكم النظام البائد , لان هذا النظام قد جوع اغلب أبناء الشعب العراقي بسبب حروبه العبثية وبسبب المقاطعة العالمية ضد العراق. تفاوت الدخول والثروات بدء بالظهور مرة ثانية بع التغيير , ولكن ليس بشكل المخيف او غير المسيطر عليه , والسبب انه مازال العراق يعاني من ضعف القطاع الخاص , وهو مصدر تفاوت الدخول . وعليه ومن اجل تخفيف تفاوت الدخول مستقبلا , على البرلمان العراق تشريع قوانين يحد من حرية رجال الاعمال في قضية الإنتاج , الأجور, والارباح. كما وعلى المواطن العراقي الانضمام في منظمات المجتمع المدني , كلا حسب اختصاصه , لان احد وظائف هذه المنظمات هو حماية حقوق أعضاءها من كل ظلم .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/20



كتابة تعليق لموضوع : الجذور التاريخية لتفاوت الدخول 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net