زينة الحياة ... المال والبنون
عبدالاله الشبيبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لقد اورد القران الكريم آيات عديدة ذكرت فيها كلمة الزينة ومنها: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾. وقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ...﴾ وقال: ﴿اعْلَمُوا أنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الاَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ...﴾.
أن الزينة محل لاختبار الشخصية: وفق ما ورد أيضاً في قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، وهذا يعني أن الزينة يمكن أن تنبهر الشخصية بها فتغفل عن أداء وظيفتها العبادية بحيث تجرها أما لوقوع في ما هو محرم منها: كما لو اكتسب الثروة بالطرق غير المشروعة أو تقع في المكروه منها، أو حتى المباح منها: في حالة انشغال الشخصية بها وصرفها عن أداء الأحسن من العمل. المصدر: الاسلام وعلم النفس.
أن الحياة الدنيا ليست إلا أياماً قلائل والموت وراءه ثم الرجوع إلينا للحساب فلا يصدنكم زينة الحياة الدنيا وهي زينة فانية عن التهيؤ للقاء الله بالإيمان والعمل ففيه السعادة الباقية وفي الحرمان منه هلاك مؤبد مخلد.
وقوله ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ اخبار منه تعالى أن كثرة الاموال التي يتمولها الانسان ويملكها في الدنيا. والبنين الذين يرزقهم الله زينة الحياة الدنيا، أي جمال الدنيا وفخرها ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾. يعني الطاعات لله تعالى، لانه يبقى ثوابها أبدا، فهي خير من نفع منقطع لاعاقبة له، والباقبات يفرح بها ويدوم خيرها، وهي صالحات بدعاء الحكيم اليها وأمره بها. التبيان في تفسير القرآن، الطوسي،ج7، ص50.
إن المال والبنين وإن تعلقت بها القلوب، وتاقت إليها النفوس تتوقع منها الانتفاع وتحق بها الآمال. إلا أنها زينة سريعة الزوال، لا تنفع الإنسان في كل ما أراده وما يأمله وما يتمناه منها. ولأنها كذلك فلا بد للتعامل معها وفقاً لما شرعه الله تعالى، وإذا كانت هذه الزينة زائلة، فإن الأعمال الصالحة هي الباقية. وهي عند الله خيراً ثواباً، لأن الله يجازي الإنسان الذي جاء بها خير الجزاء، وخيراً أملا. لأن ما يؤمل بها من رحمة الله وكرامته ميسور للإنسان، فهي أصدق أملا من زينات الدنيا وزخارفها التي لا تفي للإنسان في أكثر ما تعده.
اذن البنون كالمال بمثابة رأس مال في الحياة الدنيا، كما هو حال النباتات ففي برهة من الزمن تُعدُّ سبباً لجمال الأرض ويتباهى بها الانسان أحياناً، لكنها ممَّا لا ينبغي الوثوق بها، ولا ممَّا تسبب إنقاذ الانسان ونجاته في الدنيا وفي الآخرة.
الباقيات الصالحات الرصيد الذي يمكن الاعتماد عليه والذي يُعد ذخراً حَسَناً عند الله تعالى هو الأعمال الصالحة الباقية التي عبَّر عنها الله بالباقيات الصالحات. فالأعمال الصالحة والقيم الثابتة تعدُّ رصيداً يعتمد عليه، فهي ذات صبغة خالدة ولا خريف فيها ولا موت. المصدر: امثال القران.
وقال الطبرسي: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي يتفاخر بهما ويتزين بهما في الدنيا ولا ينتفع بهما في الآخرة وإنما سماهما زينة لأن في المال جمالاً وفي البنين قوة ودفعا فصارا زينة الحياة الدنيا وكلاهما لا يبقى للإنسان فينتفع به في الآخرة ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ وهي الطاعات لله تعالى وجميع الحسنات لأن ثوابها يبقى أبداً، ﴿خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ أي أفضل ثوابا وأصدق أملا من المال والبنين وسائر زهرات الدنيا فإن من الآمال كواذب وهذا أمل لا يكذب لأن من عمل الطاعة وجد ما يأمله عليها من الثواب.
قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وهي أن المال والبنين وإن تعلقت بها القلوب وتاقت إليها النفوس تتوقع منها الانتفاع وتحف بها الآمال لكنها زينة سريعة الزوال غارة لا يسعها أن تثيبه وتنفعه في كل ما أراده منها ولا أن تصدقه في جميع ما يأمله ويتمناه.
وقال صاحب النكت والعيون في قوله عزوجل: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لأن في المال جمالاً ونفعاً وفي البنين قوة ودفعاً فصارا زينة الحياة الدنيا. ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ فيها أربعة تأويلات: أحدها: أنها الصلوات الخمس. الثاني: أنها الأعمال الصالحة. الثالث: هي الكلام الطيب. الرابع: هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اذ وروي عن رسول الله(ص) انه قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات.
وقال الغزالي في الاحياء: كل ما تذروه رياح الموت فهو زهرة الحياة الدنيا، كالمال والجاه مما ينقضي على القرب، وكل ما لا يقطعه الموت فهو الباقيات الصالحات، كالعلم والحرية؛ لبقائهما؛ كمالاً فيه، ووسيلة إلى القرب من الله تعالى، أما الحرية من الشهوات فتقطع عن غير الله، وتجرده عن سواه، وأما العلم الحقيقي فيفرده بالله ويجمعه عليه.
وقوله:﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ المراد بالباقيات الصالحات الأعمال الصالحة فإن أعمال الإنسان محفوظة له عند الله بنص القرآن فهي باقية وإذا كانت صالحة فهي باقيات صالحات، وهي عند الله خير ثوابا لأن الله يجازي الإنسان الجائي بها خير الجزاء، وخير أملا لأن ما يؤمل بها من رحمة الله وكرامته ميسور للإنسان فهي أصدق أملا من زينات الدنيا وزخارفها التي لا تفي للإنسان في أكثر ما تعد، والآمال المتعلقة بها كاذبة على الأغلب وما صدق منها غار خدوع. المصدر: تفسير الميزان.
واضاف العلامة: غير أن الإنسان إذا ركبته يد الخلقة وأوجدته فوقع نظره إلى زينة الحياة والأسباب والشفعاء الظاهرة وجذبته لذائذ الحياة تعلقت نفسه بها ودعته ذلك إلى التمسك بذيل الأسباب والخضوع لها، وألهاه ذلك عن توجيه وجهه إلى مسبب الأسباب وفاطرها والذي إليه الأمر كله فأعطاها الاستقلال في السببية لا هم له إلا أن ينال لذائذ هذه الحياة المادية بالخضوع للأسباب فصار يلعب طول الحياة الدنيا بهذه المزاعم والأوهام التي أوقعته فيها نفسه المتلهية بلذائذ الحياة المادية، واستوعب حياته اللعب بالباطل والتلهي به عن الحق كما قال تعالى ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾. المصدر: تفسير الميزان.
فالأولاد الصلحاء هم زينة الحياة، وربيع البيت، وأقمار الأسرة، وأعز آمالها وأمانيها، وأجل الذخائر وأنفسها. لذلك أثنى عليهم أهل البيت وغيرهم من الحكماء والأدباء. عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه(ص): الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة. ومن الواضح أن صلاح الأبناء واستقامتهم لا يتسنيان عفواً وجزافاً، وانما يستلزمان رعاية فائقة واهتماماً بالغاً في إعدادهم وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. المصدر: اخلاق اهل البيت.
كما وضمن الاِسلام للاَولاد حقاً أساسياً، وهم بعدُ في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، وهو حق الوجود، وللتدليل على ذلك نجد ان تعاليم الاِسلام، تشجع على اتخاذ الذّرية، وانجاب الاَولاد. فالاِسلام كما هو معروف يحثُّ على الاِكثار من النسل، ويرى كراهية تحديده، حتى نجد أن القرآن الكريم، يعتبر الاَبناء زينة الحياة الدنيا، كما في قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وينقل لنا أماني ورغبات الاَنبياء من خلال الدعاء بأن يهب لهم الله تعالى الذّرية الصالحة. المصدر: الحقوق الاجتماعية في الاسلام، ص67.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾، الإلهاء الإشغال، والمراد بالهاء الأموال والأولاد عن ذكر الله إشغالها القلب بالتعلق بها بحيث يوجب الإعراض عن التوجه إلى الله بما أنها زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، والاشتغال بها يوجب خلو القلب عن ذكر الله ونسيانه تعالى فلا يبقى له إلا القول من غير عمل وتصديق قلبي ونسيان العبد لربه يستعقب نسيانه تعالى له، قال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾، وهو الخسران المبين، قال تعالى في صفة المنافقين: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾.
والأصل هو نهي المؤمنين عن التلهي بالأموال والأولاد وتبديله من نهي الأموال والأولاد عن إلهائهم للتلويح إلى أن من طبعها الإلهاء فلا ينبغي لهم أن يتعلقوا بها فتلهيهم عن ذكر الله سبحانه فهو نهي كنائي آكد من التصريح. نفس المصدر.
وقد ذكر السيد الصدر في كتابه الموسوم بـ منة المنان: إنَّ الإنسان المهتدي حقّ هدايته يصبح غثاءً أحوى، بمعنى: أنَّ كلّ الأشياء المادّيّة: كحبّ الدنيا والأُمور الشخصيّة سوف تسقط عن نظره وتكون بمنزلة الصفر. فما عبّر عنه القرآن بأنَّه زينة الحياة الدنيا، كما في قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وقوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾ يصبح كلّه غثاءً بنظر الإنسان الكامل، وهو نوعٌ من الهداية المعنويّة. المصدر: منة المنان، ج3، ص107.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
عبدالاله الشبيبي

لقد اورد القران الكريم آيات عديدة ذكرت فيها كلمة الزينة ومنها: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾. وقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ...﴾ وقال: ﴿اعْلَمُوا أنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الاَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ...﴾.
أن الزينة محل لاختبار الشخصية: وفق ما ورد أيضاً في قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، وهذا يعني أن الزينة يمكن أن تنبهر الشخصية بها فتغفل عن أداء وظيفتها العبادية بحيث تجرها أما لوقوع في ما هو محرم منها: كما لو اكتسب الثروة بالطرق غير المشروعة أو تقع في المكروه منها، أو حتى المباح منها: في حالة انشغال الشخصية بها وصرفها عن أداء الأحسن من العمل. المصدر: الاسلام وعلم النفس.
أن الحياة الدنيا ليست إلا أياماً قلائل والموت وراءه ثم الرجوع إلينا للحساب فلا يصدنكم زينة الحياة الدنيا وهي زينة فانية عن التهيؤ للقاء الله بالإيمان والعمل ففيه السعادة الباقية وفي الحرمان منه هلاك مؤبد مخلد.
وقوله ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ اخبار منه تعالى أن كثرة الاموال التي يتمولها الانسان ويملكها في الدنيا. والبنين الذين يرزقهم الله زينة الحياة الدنيا، أي جمال الدنيا وفخرها ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾. يعني الطاعات لله تعالى، لانه يبقى ثوابها أبدا، فهي خير من نفع منقطع لاعاقبة له، والباقبات يفرح بها ويدوم خيرها، وهي صالحات بدعاء الحكيم اليها وأمره بها. التبيان في تفسير القرآن، الطوسي،ج7، ص50.
إن المال والبنين وإن تعلقت بها القلوب، وتاقت إليها النفوس تتوقع منها الانتفاع وتحق بها الآمال. إلا أنها زينة سريعة الزوال، لا تنفع الإنسان في كل ما أراده وما يأمله وما يتمناه منها. ولأنها كذلك فلا بد للتعامل معها وفقاً لما شرعه الله تعالى، وإذا كانت هذه الزينة زائلة، فإن الأعمال الصالحة هي الباقية. وهي عند الله خيراً ثواباً، لأن الله يجازي الإنسان الذي جاء بها خير الجزاء، وخيراً أملا. لأن ما يؤمل بها من رحمة الله وكرامته ميسور للإنسان، فهي أصدق أملا من زينات الدنيا وزخارفها التي لا تفي للإنسان في أكثر ما تعده.
اذن البنون كالمال بمثابة رأس مال في الحياة الدنيا، كما هو حال النباتات ففي برهة من الزمن تُعدُّ سبباً لجمال الأرض ويتباهى بها الانسان أحياناً، لكنها ممَّا لا ينبغي الوثوق بها، ولا ممَّا تسبب إنقاذ الانسان ونجاته في الدنيا وفي الآخرة.
الباقيات الصالحات الرصيد الذي يمكن الاعتماد عليه والذي يُعد ذخراً حَسَناً عند الله تعالى هو الأعمال الصالحة الباقية التي عبَّر عنها الله بالباقيات الصالحات. فالأعمال الصالحة والقيم الثابتة تعدُّ رصيداً يعتمد عليه، فهي ذات صبغة خالدة ولا خريف فيها ولا موت. المصدر: امثال القران.
وقال الطبرسي: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي يتفاخر بهما ويتزين بهما في الدنيا ولا ينتفع بهما في الآخرة وإنما سماهما زينة لأن في المال جمالاً وفي البنين قوة ودفعا فصارا زينة الحياة الدنيا وكلاهما لا يبقى للإنسان فينتفع به في الآخرة ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ وهي الطاعات لله تعالى وجميع الحسنات لأن ثوابها يبقى أبداً، ﴿خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ أي أفضل ثوابا وأصدق أملا من المال والبنين وسائر زهرات الدنيا فإن من الآمال كواذب وهذا أمل لا يكذب لأن من عمل الطاعة وجد ما يأمله عليها من الثواب.
قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وهي أن المال والبنين وإن تعلقت بها القلوب وتاقت إليها النفوس تتوقع منها الانتفاع وتحف بها الآمال لكنها زينة سريعة الزوال غارة لا يسعها أن تثيبه وتنفعه في كل ما أراده منها ولا أن تصدقه في جميع ما يأمله ويتمناه.
وقال صاحب النكت والعيون في قوله عزوجل: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لأن في المال جمالاً ونفعاً وفي البنين قوة ودفعاً فصارا زينة الحياة الدنيا. ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ فيها أربعة تأويلات: أحدها: أنها الصلوات الخمس. الثاني: أنها الأعمال الصالحة. الثالث: هي الكلام الطيب. الرابع: هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اذ وروي عن رسول الله(ص) انه قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات.
وقال الغزالي في الاحياء: كل ما تذروه رياح الموت فهو زهرة الحياة الدنيا، كالمال والجاه مما ينقضي على القرب، وكل ما لا يقطعه الموت فهو الباقيات الصالحات، كالعلم والحرية؛ لبقائهما؛ كمالاً فيه، ووسيلة إلى القرب من الله تعالى، أما الحرية من الشهوات فتقطع عن غير الله، وتجرده عن سواه، وأما العلم الحقيقي فيفرده بالله ويجمعه عليه.
وقوله:﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ المراد بالباقيات الصالحات الأعمال الصالحة فإن أعمال الإنسان محفوظة له عند الله بنص القرآن فهي باقية وإذا كانت صالحة فهي باقيات صالحات، وهي عند الله خير ثوابا لأن الله يجازي الإنسان الجائي بها خير الجزاء، وخير أملا لأن ما يؤمل بها من رحمة الله وكرامته ميسور للإنسان فهي أصدق أملا من زينات الدنيا وزخارفها التي لا تفي للإنسان في أكثر ما تعد، والآمال المتعلقة بها كاذبة على الأغلب وما صدق منها غار خدوع. المصدر: تفسير الميزان.
واضاف العلامة: غير أن الإنسان إذا ركبته يد الخلقة وأوجدته فوقع نظره إلى زينة الحياة والأسباب والشفعاء الظاهرة وجذبته لذائذ الحياة تعلقت نفسه بها ودعته ذلك إلى التمسك بذيل الأسباب والخضوع لها، وألهاه ذلك عن توجيه وجهه إلى مسبب الأسباب وفاطرها والذي إليه الأمر كله فأعطاها الاستقلال في السببية لا هم له إلا أن ينال لذائذ هذه الحياة المادية بالخضوع للأسباب فصار يلعب طول الحياة الدنيا بهذه المزاعم والأوهام التي أوقعته فيها نفسه المتلهية بلذائذ الحياة المادية، واستوعب حياته اللعب بالباطل والتلهي به عن الحق كما قال تعالى ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾. المصدر: تفسير الميزان.
فالأولاد الصلحاء هم زينة الحياة، وربيع البيت، وأقمار الأسرة، وأعز آمالها وأمانيها، وأجل الذخائر وأنفسها. لذلك أثنى عليهم أهل البيت وغيرهم من الحكماء والأدباء. عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه(ص): الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة. ومن الواضح أن صلاح الأبناء واستقامتهم لا يتسنيان عفواً وجزافاً، وانما يستلزمان رعاية فائقة واهتماماً بالغاً في إعدادهم وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. المصدر: اخلاق اهل البيت.
كما وضمن الاِسلام للاَولاد حقاً أساسياً، وهم بعدُ في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، وهو حق الوجود، وللتدليل على ذلك نجد ان تعاليم الاِسلام، تشجع على اتخاذ الذّرية، وانجاب الاَولاد. فالاِسلام كما هو معروف يحثُّ على الاِكثار من النسل، ويرى كراهية تحديده، حتى نجد أن القرآن الكريم، يعتبر الاَبناء زينة الحياة الدنيا، كما في قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وينقل لنا أماني ورغبات الاَنبياء من خلال الدعاء بأن يهب لهم الله تعالى الذّرية الصالحة. المصدر: الحقوق الاجتماعية في الاسلام، ص67.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾، الإلهاء الإشغال، والمراد بالهاء الأموال والأولاد عن ذكر الله إشغالها القلب بالتعلق بها بحيث يوجب الإعراض عن التوجه إلى الله بما أنها زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، والاشتغال بها يوجب خلو القلب عن ذكر الله ونسيانه تعالى فلا يبقى له إلا القول من غير عمل وتصديق قلبي ونسيان العبد لربه يستعقب نسيانه تعالى له، قال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾، وهو الخسران المبين، قال تعالى في صفة المنافقين: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾.
والأصل هو نهي المؤمنين عن التلهي بالأموال والأولاد وتبديله من نهي الأموال والأولاد عن إلهائهم للتلويح إلى أن من طبعها الإلهاء فلا ينبغي لهم أن يتعلقوا بها فتلهيهم عن ذكر الله سبحانه فهو نهي كنائي آكد من التصريح. نفس المصدر.
وقد ذكر السيد الصدر في كتابه الموسوم بـ منة المنان: إنَّ الإنسان المهتدي حقّ هدايته يصبح غثاءً أحوى، بمعنى: أنَّ كلّ الأشياء المادّيّة: كحبّ الدنيا والأُمور الشخصيّة سوف تسقط عن نظره وتكون بمنزلة الصفر. فما عبّر عنه القرآن بأنَّه زينة الحياة الدنيا، كما في قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وقوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾ يصبح كلّه غثاءً بنظر الإنسان الكامل، وهو نوعٌ من الهداية المعنويّة. المصدر: منة المنان، ج3، ص107.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat