تبنيت منذ صغري ان لا أعيش على هامش الأمور انما أكون عنصرا فعالا في خضم الاحداث التي تسير من حولي، وفعلا استطعت ان انجح الى حد ما في هذا الامر في مقتبل حياتي حيث انه اصبح لي اسم يشار له بالبنان بين اقراني، فمن جملة القضايا التي تبنيت ان أكون إيجابيا فيها الخلافات التي تحدث بين أصدقائي وأقرب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة ، وأدخلوني وعَرفوني بأسرهم وذلك عندما يكون هنالك سوء فهم او مشكلة بين أصدقائي وذويهم خاصة في مواضيع العمل والزواج التي دائما ما تكون هنالك وجهات نظر مختلفة بين الطرفين للفوارق العمرية والفكرية ،كذلك أصبحت المستشار العاطفي لمن حولي (للخبرة التي اكتسبتها من خلال معرفتي بالجنس الاخر)، وأيضا كان لي نفس الدور في منطقتي التي اسكن بها .
وما ان كبرت وكبرت احلامي وتطلعاتي وكبرت القضايا التي بدأت أتطلع للمشاركة فيها الا وقد صدمت او بالأحرى صعقت، حيث انني بعد تخرجي من الجامعة ودخلت معترك الحياة الحقيقي وبدأت اعد نفسي الى المرحلة القادمة التي من المفروض ان اواكبها فما احسست الا وان كل شيء قد تغير وكأني نقلت من بلد الى بلد اخر او من حقبة زمنية الى حقبة زمنية أخرى.
فعلى سبيل المثال من ضمن القضايا التي اردت ان أشارك بها او ان أكون على عادتي كعنصر إيجابي في المجتمع (وليس تطفلا على الاخرين) فهنالك فرق بين التطفل والمساعدة، على صعيد العمل اصطدمت بجبل شاهقاً راسياً في كل مفاصل العمل الحكومي والقطاع الخاص وهو الروتين والقوانين القاتلة والمزاجية والنرجسية الغير مفهومة اطلاقا من قبل متبوئي المناصب، وايضا التقاطعات بين منتسبي الموقع الواحد وكأن مدار العمل يدور حول كيف اغلبك وتغلبني ولا وجود للمصلحة العامة.
والكثير من هذه المشاكل التي ممكن ان تحل لو اننا عدنا للمنطق قليلا مع رفع الانانية من أنفسنا.
وفي الناحية العاطفية فالمرأة التي كنت احبها واروم الزواج بها، وبعد ان عَبْدنا الطرق وسمعنا زقزقة العصافير واسمعتها واسمعتني ترانيم العشق الخجولة المؤطرة بالنواحي الشرعية والخلقية، كان الاتفاق الشفهي شيء وعندما بدأت المسالة تأخذ ناحية الجد شيء اخر، فبدأت حواء تكشر عن انيابها من خلال المطالب التي تتحج ان هذه مطالب اهلي وليست مطالبي وانها لا تستطيع ان ترفض او تكسر كلام أهلها وان كلامهم وطلباتهم منطقية، فسعاد ومنى وزينب قريباتها وقريناتها طلبن اكثر من التي هي طلبت ، حيث انهن طلبن كيلو من الذهب كمهر إضافة الى سفرة الى احد دول الجوار كأسبوع عسل ووو... ولا اعرف ما المنطق الذي اتبعته هي او أهلها في هذا الكلام ، فالكلام لا هو إسلامي ولا رأسمالي ولا هو كلام ماركسي !!!.
في المجتمع هنالك الكثير من المشاكل لو اطلعنا عليها لوجدناها سطحية فارغة أساسها الابتعاد عن الدين والأخلاق، وعندما تريد ان تنصح شخص يجيبك مباشرة (لا تكلمني بالمثاليات). يا اخوان المنطق ليس مثالية ، ثم وما المانع ان أتكلم بمثالية حتى اصل اليها، وهذا حال مجتمعنا الجديد أي كلام صادر من العقل والمنطق يعتبرونه مثالية او كلام أفلام كأن المنطقية شيء عيب او حرام ومن وحي الخيال ولا يمكن الوصول اليها. الم يأمرنا العزيز الجليل في محكم كتابه ان نؤدي فرائضه ونقيم حدوده لنفلح وننجح في الدنيا والاخرة وجاء في محكم الكتاب: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) } [الحج: 77، 78]
اليس المحاولة للوصول الى الفلاح ورضا الخالق هو المحاولة للوصول للكمال؟
وقد جاء فى الحديث ان العبد إذا خاف ربه واطاعه يخاف منه كل شئ، وفي الحديث القدسي: (عبدي اطعني حتى اجعلك مثلى أو مثلى أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون...).
وكما يعرف الجميع ان من يتكلم بالمثالية والمنطق يكون تقريبا مكروه او غير مطاع او مسموع له كلام، ودائما تبتعد عنه الناس حتى لا يزعجهم بمثاليته. انا لا أقول أني مثالي واني نلت الحظ الاوفر من طاعة الله وأصبحت من العباد الزهاد ولكن اني أحاول السير بذلك الطريق واحب من مجتمعي ان يحاول حتى نصل الى ما أراده الله منا وان نصل الى المجتمع او المدينة الفاضلة، لتنعم نسائنا واطفالنا بحياة آمنة كريمة.
ولكن من الظاهر اني سائر في قضية خاسرة.
سيرة رجل حالم ، لا يعرف هل تفكيره خاطئ ام ان مجتمعه تسارع بشكل كبير نحو التسافل ؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat