امنية
بعد توقف دام خمس ساعات ، تحرك القطار مغادرا المزرعة التي شاءت الصدف ان يصيبه العطل بالقرب منها .
فرح الركاب جميعا بالخلاص من هذا السجن الطويل الا راكب واحد منهم ، حيث تمنى ان يكون العطل مؤبدا حتى لايصل الى سجن العاصمة المرحل اليه.
*
احنه مشينه ...
في عام 1980 اودع وجهه الحمائمي في مراة غرفته وركب القطار النازل الى جبهة الحرب .
بعد ثمانية اعوام عاد في القطار الصاعد الى مدينته .
وحينما دخل الدار واصبح في غرفة عزوبيته ، وجد المراة تحتضن بين اطارها وجه نسر ذي منقار يحمل بقايا دم.
*
عرس مظلم
بعدما اشتعلت المحطة زغاريدا ورقصا وغناء لاكثر من ساعة ، ركب العريسان الحبيبان العربة ذراعا مشبوكا بذراع .
ورويدا رويدا ، اخذهما قطار الساعة التاسعة الى جوف الظلام ذاهبا بهما الى فندق الزواج في بغداد .
في اليوم التالي رجعا معا في قطار الثالة صباحا :
بنصراهما بلا خاتمين . بدلتاهما بلا بياض الزفاف . عيونهما نار وموت . وقطعة قماش العروس خالية من الدماء .
ضمير
باعه النشالون الى بعضهم والرجل يغط بنوم ذي شخير على كرسي العربة مغطيا وجهه بيشماغه .
في المحطة ماقبل الاخيرة وصل دور بيعه الى نشال مضى على وجوده في القطار اربعة ايام بدون رزق .
اشتراه هذا بماتبقى في جيبه من مال ، وانتظر لحظة الوصول لكي يستغل زحام النزول ويسرق محفظته.
لكنه ولمجرد ان رأى وجه الرجل وهو يستيقظ ، هرع الى العربات الاخرى لكي يستعيد ماله من صاحبه .
فيده الخفيفة صارت بثقل الحجر عندما وجد ان فريسته هذه هو احد جيران اهله القدماء .
*
رائحة بعيدة
نظر من خلال زجاج النافذة ، فوجد الفجر فضة منثورة على وجه الريف ، يتخللها عمود دخان خفيف يتصاعد من احدى بقاع الارض .
طار به الدخان الى مدينته الجنوبية ، فشم رائحة (زوري) الصباح المشوي في تنور امه .
اجتاحة رغبة طفولية بالنزول في ذلك المكان ، لكن القطار لم يمهله ، ومضى به مندفعا بسرعة هائلة نحو مدينة فرنسية يفطر اهلها بالجمبري .
*
تيتي
عاد الى الدار بعد انتهاء الدوام الرسمي . في راديو السيارة التي نقلته من المحطة ، وطوال الطريق كانت فرقة( الفور ام) تغني :
(( طار في الهوا شاشي وانت متدراشي يوله))
وقد كان منسجما مع ابو عوف واخواته حد الرغبة في الرقص لولا الخجل وسهر الليلة الماضية.
عند بداية الشارع ، ولمجرد ان شاهدوه ، هرع نحوه حشد من صغار المحلة ومعهم ابنه (علاوي) ، وقبلهم هرعت اصواتهم الناعمة منادية عليه :
- عمو .. عمو .. عمو .
- ها ؟
- عمو .جاء الرفاق الى بيتك وسجلوا اسمك في قاطع الجيش الشعبي .
جمَده الخبر في مكانه ، ثم حوله الى تمثال من صخر يدور في رأسه السؤال التالي :
- هل انا الرجل الوحيد في هذه المدينة حتى استدعى للجبهة ثلاث مرات ؟
طال تصخره لبضع دقائق بدون ان يجد جوابا مقنعا لسؤاله ، ثم خرج من الجمود فجأة ، وبدون اية مقدمات هتف بالصغار :
- يلله ..رددوا ورائي كلمة يوله فقط :
ثم بدأ يغني :
(( اسمك بالقاطع ماشي وانت متدراشي ))
والاطفال يصرخون ((يوله))
بعدها سار باتجاه داره معيدا الاغنية مرة بعد اخرى مع هزة خفيفة من الكتفين ، والجمع يردد، بينما كانت دموع علاوي تهطل بصمت على حال ابيه الذي تحول من عمٍ محترم في المحلة الى مسخرة للاطفال.

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!