حديث الدهر
المرحوم الشيخ عبد الحميد السماوي
المرحوم الشيخ عبد الحميد السماوي
في مناسبة كمناسبة يوم الغدير يحتل الشعر القريض موقع التميّز في رسم لوحة تعج بجمال الصورة والاستعارة، ولعلّ أروع قصيدة غديريّة نظِّمت في تاريخ الشعر العربي هي قصيدة لشاعر عراقي مغمور، لم يأخذ حيّزا من الظهور والشهرة، شاعر من بادية السماوة، عالم بلغ درجة الاجتهاد في العلوم الدينية، وفارس من فرسان الفلسفة، تلوح عليه نسائم التصوّف، هو الشيخ عبدالحميد السماوي المتوفّى سنة 1964 م. ينساب شعره كالماء الهادر، ضفّتاه فخامة الألفاظ ودقائق المعاني، ترتفعان على بيانٍ عربيّ فصيح، في أبنية لغوية مهفهفةٍ لا ينتابها حشوٌ ولا نقصان.
أوّل عهدي بالقصيدة كنت قد سمعت بعض أبياتها من عميد المنبر الحسيني الشيخ الوائلي رحمه الله، ربّما في بدايات التسعينيّات، ثمّ حصلت على القصيدة كاملة بمحض الصدفة فكتبتُ أغلب ابياتها وعكفت كلّما سنح المجال لاستظهارها.
ترامت وجنب الافق ما انفك راميا
محاضير تطوي عالما متراميا
تخال جبين الافق أسفع قاتما
وتحسب وجه الأرض أجرد عاريا
إذا حمحمت حول الغريين أنشدت
تباركت يا وادي ابن عمران واديا
ترابك أكباد تداف وإنّما
نسيمك أرواح تهبّ غواديا
ترّفعت فوق الفرقدين كأنّما
بدا لك من آياته ما بدا ليا
فهذا (عليٌّ) فوق كرسيّ مجده
يرتّل صوت الحمد سبعاً مثانيا
تغشّاه من عرش المهيمن هيكل
أعاد لنا السبع الطباق ثمانيا
وهذا (عليّ) والاهازيج باسمه
تشقّ الفضا النائئي فهاتوا معاويا
أبا حسنٍ إن ربعوا بك دستهم
فيوشك أن يغدو كما شئت خاويا
وإن تغل بالشحنا عليك مراجل
فلست إذ وحّدت ذاتك غاليا
إذا الملأ الأعلى تحدّر بالثنا
عليك فما شأني وشأن ثنائيا
فهل متناهي اللفظ يجهد نفسه
ليحمل منك معنى لا متناهيا
ولكنّها الألفاظ مهما تناسقت
إذا لم توف بالمدح عادت أهاجيا
لئن أوجزت فيك القوافي وأطنبت
فما أنت إلّا أنت كالشمس ضاحيا
فأنت حديث الدهر ما زلت طافحا
على فمه تروى وما زال راويا
وأنت حديث الدهر مهما تناسلت
لياليه أيّاما وآبت لياليا
إذا ظلّ عنك العقل لم يلق مرشدا
وإن تاه فيك الفكر لم يلق هاديا
وما مدحتي توليك مجدا وإنّما
أرد باطرائي عليك الطواريا
أتجتاحه الأعوام؟ كلّا وإنّها
لتزداد به اشراقا وتساميا
ستبقى مدى الأيّام لغزاً مؤبّداً
وإن حللت ألغازها والأحاجيا
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat