فرحَ يزيدُ , تَرنَّمَ بأَبياتِ ابن الزَّبعرى بصوتٍ يسمَعُهُ الجميعُ :
اندفع شيخٌ هَرِمٌ من أَهلِ الشامِ نحو زينِ العابدينَ , رَفَعَ عَقيرتَهُ قائلاً: الحمدُ للّهِ الذي أَهلَكَكم و أَمكَنَ الأَميرَ منكم .
انبرَى جلاوزةُ يزيد إلى بناتِ النَّبيِّ والأَطفالِ , رَبَقوهُم بالحِبالِ كما تُربَقُ الأَغنامُ , وضعوا حبلاً في عنقِ الإمام
سِيرَ برأسِ الحُسينِ ورؤوسِ الشُّهداءِ , وسِيقَ بالأسَارى منَ العِترةِ النَّبويةِ مُوثَقَةً بالحِبالِ .
مضت ليلتها باكية حتى الصباح, تحدث نفسها: كنت له أُمّاً بعد أمه, أراه كهذا!
دَعَا السَّبايا ابنُ زيادٍ منَ السِّجنِ , دَخَلنَ عليهِ , شَاهَدنَ الرأَسَ الشَّريفَ تَتَصَاعَدُ أَنوارُهُ وأَساريرهُ
وقفتْ الجموعُ المحتشدةُ تشهد عقائل النبوة , في الطريق إلى عبيد الله بن زياد .
حَمَلوا عَقَائلَ النُّبوةِ على جِمَالٍ بغيرِ وطاءٍ, رُبِطوا بالحِبَالِ ,عُزِفَتْ أَبواقُ الجَيشِ ,
اختارته المقادير لعبء يهد الجبال, هو له كفء وبه جدير !
شنَّتْ قواتُ ابن سعد هجوماً شاملاً على معسكر أَصحاب الحسين ,
عصراً نظم جبهته , عبَّأَ رجاله , عقد لواءَهُ , ودفع رايته لأَخيه العباس ,فحمله بين يديه ,
وَطَّنَ نفسه على الموت ,لايعرف خياراً بين أمرين , ثانيهما خذلان الحق وبيعة يزيد!
دخل الحسين إلى خيمته يعالج سيفه ويصلحه , سمعه أبنه الإمام زين العابدين ينشد بصوته الرخيم:
اخترقَ العددَ الهائلَ من العَسكرِ , نزلَ المَشرعةَ وملأَ القربةَ , عاد يسقي الأطفال والنساء في خيامهم
نهض الإمامُ حاملًا فأساً , إتَّجه خلف خيمة النساء , حفرَ فنبعتْ عينُ ماءٍ عذبٍ , شربوا منها ,
ظنَّ ابنُ زياد أَنَّ الحسين سيبرح به العطش , فأرسل لقائده كتابا : امنع الحسين وأَصحابه الماء ,
قرأ ابنُ زياد كتابَ ابنِ سعد على من تخفَّى بقناع الخوارج ليعمل لنفسه الخبيثة , هل تسلل بمبادئهم المنكرة....
كان غارقاً في الجاه والسمعة والسلطان، ورئاسة العشيرة والمركز الوظيفي في جيش الكوفة, تنحَّى وسأل نفسه