من الطبيعي ان تكون الرؤية الفنية جنسا نقديا ادبيا وفنا تشكيليا بصريا بذات الوقت وكلاهما جمال او ضرب في الجمال الفني وعلى الرغم من الوضوح في الميزتان الا اننا نحيلهما الى التعبير اللغوي في وصف فن الخزف والى التحليل والتركيب في الشكل والمضمون كونه الوعاء والارضية الخصبة التي تتبنى الفنون برمتها من تصميم وخطوط هندسية متباينة او متماثلة او متجانسة ترتكز الى أسس نوعية في الاختيار والتطبيق , ومنذ القدم سعى اغلب الفنانون التشكيليون الى تداخل تطبيقاتهم ايا كان نوعها رسوما او منحوتات او خطوطا او فنون تطبيقية واعمال هندسية وعمارية هدفها الوصول الى الكمال او الجمال او احداث مايعرف بالصدمة او الدهشة حينما عاش اغلب الفنانون في عصور ديمقراطية او استبدادية رأسمالية او اشتراكية في عوالم التقدم الحضري وفي ازمنة الرخاء والحروب , الا ان الحديث قد يذهب الى الاسلوبية اوعناصر تكوينها في اللونية او الانخراط في سياقات وصفية او شخصية شأنها تشجع الاحساس بهذا الفن (الفخار والخزف) وتخضعه لقوانين صارمة وقواعد تنحو في منحاها لنقدي نحو التعرف الى الباطن لا الظاهر واذ نحن نتكلم بحداثية العمل الفني ونتعقب فلسفته على اهتمام ودرجة عالية بالوصف معترفين بالاهمية للتوضيح في ذات القارىء وبما يتضمنه التعبير الرؤيوي , لقد حدد الخزاف (خالد العبيدي ) ترجماناته في ان الجمال لايخضع الا للنفس في مسعاها الى النفور من مستوى قبلي الى مستوى بعدي وان المستويين من التداخل لم يعنيا التشابه وهذا جعلنا نستهدف البنية الشكلية في اعماله المقدمة وانموذجه الحالي (العيون مصائد الشيطان ) كما الشعر فهو يقدم لنا مقطوعة نثرية شعرية انتهجت العلاقة الثابتة في دقة التفاصيل التي تحكم العمل ومانقصده بالنثرية الشعرية ان نفتح افاق في التأمل من الحسي الى اللاحسي الذي يشعرنا بالوجود ويعشنالحظة انتاج التعبير الموسيقى ذلك ان التقنية الجمالية لديه اداة تستنطق الطين والاوكسيد والحرق في اعماله المنضوية تحت مسمى العمل الاكاديمي ليؤكد لمريديه ان العمل الخزفي ظاهرة تستحق العناية في نظامها التكويني (شأن الفنان ) او نظامها الاقبالي (نحن ) اي بمعنى ان (العبيدي) يحاول جاهدا الى توثيق الكلمة كما الكتابة في سجل جداري او ورقي او ماشابه مؤكدا تلك الضرورة والرغبة لديه بان اعماله مستوحاة من المثل العليا والاخلاق فضلا عن كونها وثيقة تاريخية ومدونة تستلزم الحصانة , ان (العبيدي) يضع قرائه امام مسرحية وظف مسرحتها لابداء حكاية تشاطر مرويتها الحواس الخمس من معاينة ودراية بما يفعل , هذا وان الواقعية التي تبناها في اعماله نهج يحسب له لا عليه في ان الفنون بمدارسها من الكلاسيكية الى التعكيبية ومدارس الحداثة ومابعدها مستمدة من مفهوم الفن الذي هو في الاصل اجتماعي نشأ مع المفاهيم الفن للفن والفن للمجموع .والعبيدي يتناول الخط العربي كونه مظهرا من مظاهر الجدارة والعبقرية التي تميز بها العرب والمسلمين في تعبيرهم عن الحس الجمالي وفي ارساء التقاليد العلمية والعملية لادبياتهم وسيرهم المستندة الى القرآن والسنة النبوية " ان الله يحب احدكم اذا عمل عملا ان يتقنه " وهذا صار نهجا في الحفاظ على الموروث الحضاري والاخلاقي في ترجمة واضحة للاتقان , لذا اقترن مصطلح الجمال بالخزف عبر ماخطه العبيدي في استخدامه النسب وكانه يضعنا في مخطوطة ذات نسب ذهبية ذلك ان الخط العربي يعتمد على النسب في تطبيقاته ليوضح ان هنالك نظاما في وحدة الشكل الحروفي يمكن ارجاعه الى اصول معينة رسمه واحاك تداخلاته مرة باستقامة او طواعية واخرى افقية وعمودية اشتقها من ذاته وربطها بزوايا جمالية ترجمها كعلاقة نسبية بحجم وفراغات تنتمي الى الخطوط العربية , وهذا ما ترجمه الاتقان الجمالي في صحة الحرف العربي في توفيته سواء كانت مقوسة او افقية او منحنية .....وفي تمامه من طول وقصر وكبر وصغر ....وكماله في الهيأة من استقامة وتسطيح وميل واستلقاء وكذلك اشباع وارسال , لذا ان الدراية في جمالية الفن مبدأ حتمي يتبناه الخزاف ويؤكده طالما يطول التفيذ ساعيا الى تأكيد (ابو حيان التوحيدي) في كتابه" رسالة علم الكتابة "تحتاج الخط المجرد بالتحقيق والمجمل بالتحويق والمزين بالتخريف والمسنن بالتشفيق والمجاد بالتدقيق والمميز بالتفريق والمتشابه بالتعريق .والعمل الفني الخزفي جاء بالعديد من الصفات الخطية بوصفه العام يشهد تكوينا بيضويا افقي يشابه (عين الانسان) يتوسطه شكل دائري مفرغ ونافذ الى فضاءه الداخلي يمثل قرنية العين ملون باوكسيد اسود فاتح مدعم بحفر نقطي شكل سطورا تتابعية مقدمته ومؤخرته دمعية الشكل تحمل ذات اللون كتبت حروفيات العمل بخط كوفي متراكب ومتداخل نزح في تكوينه الى تداخل مسماري عفوي في حين جاء اعلى العين بمساحة خضراء الى يسارها نتوءان دمعيان واسفل الجفن السفلي مقطع طيني انسيابي لمساحة اوكسيدية وسمت بكلمات تحمل ذات المعنى . ان دراسة المحتوى هنا مدعاة في ترجمة الخط العربي وتعامده مع فن الخزف ويعني ادراك للرمزية اللونية يجىء في بناء اللحظة الواقعية اكثر من التجريد وبالتالي هي اللحظة التي تحقق الدهشة عند الخزاف قبل ان تكون عند المتلقي وهكذا تبقى اللحظة متقدمة على العمل وقابلة للتغيير بالمعنى الحروفي بل والحرفي ويقدم لنا الحياة الفنية تكرار من الممكن قراءته في حين فك رموزه , عليه لقد نجح العبيدي في اختصار وثيقته المدونة الى مضمون وشكل العين البشرية باعتبارها مصيدة للشيطان والاحتراس من حباله واجب انساني واسلامي .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat