سامراء وغيرة الأبناء!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
"المدن بأبنائها والأوطان بأهلها"
سامراء جوهرة حضارية إحتوت في ربوعها نوابغ العقول ورواد المعارف الإنسانية وقادة المسيرة الأرضية , يوم كانت الدنيا تتجمع فيها ولأكثر من نصف قرن , حفل بسطوع لا يُضاهى في الإبداع العمراني والمعرفي والإنتصارات الحاسمة.
وقد تناسى العالم سامراء , منذ أن تهاوت الدولة العباسية , وعمّ الخراب ديارها , وإجتاحت عاصمتها وحوش الخراب والدمار , ووصلت إلى أيقونتها الزاهية بقصورها وشواهدها العمرانية الفارهة .
بل أن المدينة صارت مجهولة حتى عن الساكنين فيها , فمعظم الذين ولدوا فيها وترعرعوا في أحضان شواهدها لا يعرفون قيمة المدينة ودورها , لأن ثقافة التجهيل كانت سائدة , وما درسناه ونحن في سامراء في كتب التأريخ كان أكثره من التأريخ الأجنبي , فتجدنا ومنذ الإبتدائية نعرف مدينة ديترويت الأمريكية أكثر من معرفتنا لمدينتنا التي نسكن فيها , وهذه مأساة مروعة أصابت الأجيال بمقتل حضاري فظيع.
لكن المدينة لا تخلو من ذوي العزم واليقظة والتطلع المشرق , الذين أدركوا قيمة مدينتهم وأهميتها الثقافية والحضارية , فشمّروا عن سواعد إرادتهم وأخذوا يعملون بجد وإجتهاد وإخلاص , للحفاظ على ما في المدينة من الآثار والمعالم الحضارية التي يُراد تشويهها وتدميرها.
ومن الذين أعتز بهم وأفخر , صديق عزيز وزميل أصيل , إنطلق في أعماقه نداء الغيرة على مدينته وآثارها , فراح يعمل بإصرار على أن تبقى المعالم شامخة جميلة سالمة من التشويه والتخريب , فقاد حملة رائعة لإزالة الكتابات المُشوّهة المريضة من بدن الملوية الجميل , وهو يسعى وفريقه للحفاظ على المدينة التي صارت على قائمة التراث الحضاري العالمي منذ أكثر من عقد , مما يفرض على أهلها معرفة قيمتها وأهميتها , ونشر ثقافة المدينة بين أبنائها لكي يتعلم الناس مهارات وسلوكيات الحرص الشديد على مدينتهم الجوهرة.
فالمدن بأبنائها , وعندما يعرف الأبناء مدنهم فأنها ترقى وتتطور وتعيش أقوى وأجمل , وهذه اليقظة الحضارية الآثارية التي يقودها صديقي , لهيّ المشعل الثقافي الإنساني التأريخي العالمي الذي يجعل أبناء المدينة يحملونها في قلوبهم , ويمنحونها سلاّف محبتهم وأريج إبداعهم , وبهذه الروح المعرفية والقدرات التفاعلية الإيجابية , تتوهج المدينة بأنوار مافيها من المعالم , التي تحكي مسيرة أمة ذات همة وقدرة على أن تقوم بدور ريادي في الحياة المعاصرة.
تحية لسامراء التي يتأكد وجودها في معظم المتاحف العالمية والجامعات والمؤتمرات الثقافية والآثارية , وتتواجد صورة ملويتها في أرجاء الدنيا ومحافلها , فهي رمز حضاري فريد , ويكاد يُقرن إسم العراق بها , فهي التي تشير إلى العراق , مثلما تشير الأهرامات لمصر.
تحية لصديقي وفارس مسيرة إحياء تراث المدينة ودورها وقيمتها , وبعث روحها الحضارية ليفوح أريجها في ربوع الدنيا المتشوقة لعبق فكري سامرائي عذيب!!