مَنْهَجُنْــــــا ... ( 5 )
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
4. مشـروعـنــــا
1ـ ان مشروعنا الفكري في الحياة مبني على فكرة الاستخلاف والتمكين التي بينها القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة البقرة: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)).
وقال تعالى في سورة النور: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ)).
وقال تعالى في سورة الحج: ((الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)).
وقال تعالى في سورة الانعام: ((أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)).
وقال تعالى في سورة الاعراف: ((وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)).
وقال تعالى في سورة يوسف (عليه السلام): ((وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)).
وقال تعالى في سورة الكهف: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً ، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً)).
وقال تعالى في سورة هود (عليه السلام): ((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)).
وقال تعالى في سورة فاطر: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ الكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً)).
وقال تعالى في سورة الانعام: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)).
وقال تعالى في سورة يونس (عليه السلام): ((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ ، ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)).
فهذه الارض التي نعيش عليها قد جعلنا الله سبحانه وتعالى خلفاء فيها ومكننا منها من اجل اعمارها بالطريقة التي يردها هو سبحانه منا ، ففي كل حركاتنا وسكناتنا ونحن نعمّر الارض ونستعمرها علينا ان نكون يقظين الى ان كل ما نفعله يجب ان يصب في رضوان الله سبحانه.
ولذلك لا يمكننا القبول بتشريع قانون وضعي متعارض مع الشريعة العظيمة ولا يمكن ان نرضى عن قانون او تشريع او تصرف او ثقافة لا يكون لله جلَّ وعلا فيها رضى.
2. الدعوة للاسلام المحمدي الاصيل واقامة نظام ايماني يراعي العدالة والمساواة بين ابناء الشعب وفق الموازين الشرعية ، ويتم فيه فصل السلطات واطلاق الحريات العامة البنّاءة واما الحريات الهدّامة كحرية التعري والتبذل والزنى وانتهاك المحارم والمقدسات فكرياً وعملياً فلا يمكن القبول بها لا في ظل نظام ايماني ولا في ظل اي نظام آخر مدني او طاغوتي.
3ـ سيادة مفهوم المواطنة بين عموم ابناء الشعب فلا فرق بين اكثرية واقلية ولا بين قومية وطائفة. فالكل سواسية لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
4ـ الوقوف بحزم فكرياً وعملياً بوجه اي دعوات للعنف واقصاء الاخر والالتزام بالشريعة الاسلامية وتحكيمها في كل المواطن والمواقف.
5. ترسيخ مفهوم الحقوق الانسانية بدلاً من حقوق الانسان ، ونعني بالحقوق الانسانية هي الحقوق التي يستحقها الانسان من حيث انسانيته والتي يقررها له الدين فهي ليست حقوقاً ذاتية له بل هي حقوق مكتسبة من خلال نشاطه وسلوكه الانساني في ظل المعطيات الايمانية. ولذلك لا يمكن منع عقوبة الاعدام لمن يستحقها تحت ذريعة حق العيش الذي يكفله مفهوم حقوق الانسان لأن من يستحق هذه العقوبة يكون قد اقترف ما هتك به انسانيته وحقوقها.
6. ضرورة العيش المشترك والسلم الاهلي ونبذ كل نزعة طائفية على المستوى السياسي او الاجتماعي او الثقافي او الاعلامي. ان التعايش بين الافراد في المجتمع من مختلف المكونات والتعايش بين المكونات المتعددة هو السمة الطبيعية في الحياة وكل ما يعكر هذا التعايش هو امر شاذ يجب التخلص منه فكرياً وتطبيقياً.
7. التآلف الوطني: نعمل على ايجاد نظرة متوازنة الى الماضي ، فلا نجعل ارهاصات الماضي تطغى على حاضرنا وتعيق تقدمنا وبناء مستقبلنا. ان نظرتنا الى الماضي يجب ان تختلف بين الالتزامات العقائدية كالتزاماتنا في التولي والتبري ، والتزاماتنا العاشورائية المقدسة التي لا يمكن المساس بها ، وبين نظرتنا الى قضايا المظلوميات الاخرى التي تعرضنا اليها بسبب انتمائنا المقدس الى خط وفكر أهل البيت (عليهم السلام). ان تضحياتنا نحن الشيعة منذ الحكم الاموي البغيض ومروراً بالحكم العباسي والسلجوقي والعثماني وفي فترة الاحتلال البريطاني ومظاليمنا في عهد المملكة العراقية ثم الجمهوريات الطاغوتية الانقلابية ابتداءاً من جمهورية "الزعيم الاوحد" ومروراً بجمهوريات الحكم القومي والعشائري الطائفية يجب ان تنتقل من مرحلتها التاريخية الى مرحلة الذاكرة الحية ، الذاكرة الايجابية فلا ندع تلك المظالم تلقي بظلالها على حاضرنا وتعكر صفو العلاقة مع اخوتنا وشركائنا في الوطن. فنحن ننظر الى ما جرى من مظالم وويلات بأنها محتسبة عند الله سبحانه وتعالى كما اننا نقول بنقل تلك المظالم من "أسر التاريخ الذي يقود الحاضر" ومن "معايشة الحاضر بروح تاريخية" تكبّله وتمنع تقدمه الى الذاكرة الحية المستمرة - وليست الذاكرة التقليدية التي تجعل من الماضي مجرد متعلقات في متحف - انها ذاكرة حيّة يقظة وحذرة من ان تتكرر تلك المظالم من جديد ، فنستفيد من دروس الماضي دون ان نسمح بان نكون اسرى لتلك الذكريات المريرة وهذا يتطلب منا الصفح والغفران لكل من ساهم في تكريس تلك المظالم وهو ما يزال يعيش بيننا بشرط ان لا يكون قد ثبت عليه من الناحية الشرعية ثم القانونية ارتكابه لجريمة مباشرة. ونحن اتباع أهل البيت (عليهم السلام) اجدر الناس بالصفح والغفران لما تعلمناه منهم في حياتهم الشريفة الطاهرة من دروس عديدة في الصفح عمّن اساء اليهم.
8. دعم واسناد دعوات الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب ، والمشاركة الفاعلة فيها.
9. استبدال مفهوم (المجتمع المدني) بمفهوم (المجتمع الانساني) ودعم واسناد تأسيس المنظمات في مختلف الاتجاهات الانسانية الفكرية والاجتماعية والثقافية والدينية والعلمية ورعاية الفقراء والايتام والارامل والنساء وكبار السن والشباب والفتيان والطفولة ورعاية العلم. حيث ان مفهوم "المجتمع المدني" مشتق من مفهوم اقامة دولة مدنية تفصل بين الدين والدولة وتعتمد اقامة نظام علماني وهو ما نرفضه ونرفض كل افرازاته.
1. احياء القيم الاخلاقية العالية كالحشمة والغيرة والمروءة والايثار والتعاون والاداب العامة والخاصة.
5. ثقافتنـــا
يمكن استعراض ملامح مشروعنا الثقافي وهمومنا الثقافية التي تشغل تفكيرنا والمشاكل الثقافية التي يعاني منها المجتمع وحجم تلك المشاكل والواقع الثقافي الذي نعيشه من خلال الآتــي:
البعد الاول. يتعلق بمحو الاجواء الثقافية المعادية التي تسببت بها السياسات الطائفية للانظمة الغابرة عبر انتهاك كرامة غالبية ابناء الشعب بتسليط جو ثقافي معادي لهم من خلال اشاعة تسميات لاماكن عامة بأسماء شخصيات لها مواقف سلبية في ثقافة غالبية ابناء الشعب ، ثقافة جعلت من اعداء الامة رموزاً لها !؟ مثل تسمية مدن وشوارع بأسماء ابي جعفر المنصور ومعاوية بن ابي سفيان والرشيد والمأمون والامين والمعتصم والواثق وغيرهم ممن تلوثت ايديهم بقتل ائمة آل البيت الاطهار (عليهم السلام) والصالحين من الامة. وان حضارتنا وعمقنا التاريخي وزمننا المعاصر فيها من الشخصيات الكبيرة والمهمة ما يمكن ان تمثل مشتركات عامة لجميع ابناء الشعب دون ان تثير اي تحسس من قبل جهة ما من مكوناته مثل ابن سينا وابن رشد والفارابي والرازي وابن زهر و ابن ماسويه وابن وافد والبيروني والحموي والادريسي وسيبويه والدميري وجابر بن حيان وابو فراس الحمداني ومحمد مهدي البصير والملا عبود الكرخي والعلامة مصطفى جواد والعديد غيرهم.
انها حالات شاذة في الحياة الانسانية حينما تسود داخل الامة ثقافة تُمجّد اعدائها وتضفي الرمزية عليهم وهم الذين سفكوا دمها واضطهدوها وبطشوا بها واشبعوها تقتيلاً وويلاً وثبوراً ! ومع ذلك فهم ممجدون ومحترمون وتقام لهم التماثيل والنصب التذكارية وتطلق اسمائهم على شوارع المدن الرئيسية وساحاتها واحيائها !!
البعد الثاني:
وأما البعد الثقافي الثاني فيتمثل في التأكيد على اهمية وضرورة تفعيل الحراك الثقافي الاسلامي الذي ينبغي ان يسود المنتديات والمراكز الفكرية والثقافية. فمما لا شك فيه انَّ هناك نهضة ثقافية يشهدها بلدنا حالياً لاسيما في عصر الحرية الفكرية والثقافية. وان هذه النهضة يتخللها حراك ثقافي متنوع واحياناً حراك متخاصم بين تيارات يطمح كل منها الى اشاعة الثقافة التي يؤمن بها والتي يريد لها ان تسود الحياة. وإنَّ المتتبع للنشاط الثقافي الاسلامي العراقي يجده محاطاً بمشاكل اهمها:
1. محاولة اقصاء المثقفين الاسلاميين عن الواجهات الثقافية وتهميشهم ، وقد استمرت بعض الجهات في هذه السياسة دعماً لمشاريعها الآيديولوجية أو الفئوية.
2. الاستعداء الثقافي: ونقصد به محاولة جهات معينة هي الجهات الحداثية التغريبية استعداء الثقافة الاسلامية واستعداء الدين خصوصاً من خلال تبني مشاريع ثقافية تشكيكية في الاسلام وعقائده واسسه واهمها القرآن الكريم الذي يتعرض لحملة تشكيك واثارة للشبهات ضده لاسيما بين الشباب وطلبة الجامعات والمواقع في شبكة الانترنيت العالمية من اجل نشر الالحاد النظري والالحاد العملي (العلمانية) وتغيير القيم المحافظة الاصيلة للشعب ونشر الرذيلة والسلوكيات المنحرفة. وتتم هذه التشكيكات من خلال نشر الكتب الالحادية والكتب التشكيكية والمحاضرات الفديوية لبعض المنحرفين والتي تطعن في الدين والقرآن الكريم صراحةً.
3. عدم وجود جهات اسلامية – بشكلٍ كافٍ - تتبنى دعم الثقافة الاسلامية وتنظم شؤونها الفكرية ومتطلباتها الاعلامية. فالجهود الثقافية الاسلامية في غالبيتها هي جهود فردية وغير مدعومة ولذلك فهي جهود ضئيلة قياساً الى المخزون الكبير الذي يتمتع به المثقفون الاسلاميون والذي لا يتمكنون من ابرازه والترويج له اعلامياً بسبب الضعف العام في القدرات المالية الفردية.
اذن هناك حاجة ملحة لتطوير النمط الثقافي الاسلامي الاصيل والرصين والمتناغم مع الواقع الاجتماعي في حفاظه على القيم والاخلاق ودعم النشاطات الثقافية مالياً واعلامياً من خلال ظهور منظمات المجتمع المدني المتخصصة بالثقافة والاعلام وتوفير الدعم المناسب لها.
البعد الثالث:
التحرك للتصدي ثقافياً لمشاريع التغريب والحداثة التي يراد لها ان تغير من واقعنا الثقافي وعقيدتنا الدينية بأن تقدم لنا اسلاماً حداثياً يختلف عن الاسلام المحمدي العظيم الذي اكمله الله سبحانه واتمّ به نعمته علينا ورضيه لنا ديناً.
ويمكن ان نميز عدة تيارات حداثية لكل منها سماتها ابرزها:
أ. التيار الحداثي الالحادي: وهو الذي يدعو الى نشر الالحاد والغاء الدين فهو يدعو الى نبذ القرآن الكريم والسنة النبوية واهمال الشريعة الاسلامية والانسياق كلياً خلف الحضارة الغربية بمفاهيمها ومتبنياتها الفكرية.
ب. التيار الحداثي التفسيري: الذي يدعو للحداثة من خلال اعادة تفسير آيات القرآن الكريم واعادة فهم الاحاديث النبوية الشريفة ، دون ان ينكر هذا التيار وجود الله سبحانه او نبوة رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهذا التيار يدعو الى تفسير جديد لآيات القرآن الكريم تتناغم وتطورات العصر حيث يتوهمون ان التطور العلمي والتقدم الحضاري يتعارض مع الشريعة الاسلامية !
ومن رواد هذا التيار زكي ميلاد.
ت. التيار الحداثي الجحودي: الذي يدعو لتحييد الشريعة الالهية والتخلي عن العمل بها واستبدالها بقوانين بشرية وضعية دون ان يكون هناك انكار لوجود الله سبحانه ولكنهم يجحدون نبوة رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويعتبرون ان الدين وليد مرحلته التاريخية ولا يجب ان ينتقل فكره في مرحلته لتسود بقية المراحل والاجيال الانسانية التالية !
ومن ابرز رواد هذا التيار عبد الكريم سروش في ايران.
ومن من ابرز المشاريع الحداثية التغريبية التي يغررون بها الناس هي:
أ. دعوتهم لتطوير نظام المرجعية الدينية ليكون مواكباً للعصر وفقاً لفكرهم وتصورهم ! ودعوتهم لربط المرجعية الدينية مع الجامعات والمنظمات الثقافية وتحديث المناهج الدينية وفرض تدريس اللغات الاجنبية فيها ! وبذلك تفقد المرجعية الدينية خصوصيتها الفكرية والادارية وتصبح معرضاً لرياح التغريب تحت مسميات التقدم والحداثة والتطور.
ان حديثهم عن تكامل ما اطلقوا عليه ثلاثي: (الجامع والجامعة والجماعة) حيث يمثل "الجامع" مركز الدراسة الدينية او المدرسة الدينية او الحوزة الدينية وتمثل الجامعة مركز الدراسة العلمية والانسانية وتمثل الجماعة المجتمع ، هو تكامل صحيح ولكن ليس بتبادل متساوي للتأثير والتأثر لأن تساوي التأثير والتأثر بين هذه المرتكزات الثلاثة يخلخل عملية الفهم الديني ، وهو ما حصل في العقود الماضية في بعض مفاصل الامة الاسلامية وانتج التأثر بالعلمانية والحداثة ، فيجب ان تكون علاقة "الجامع" علاقة التأثير بالجامعة والجماعة وليس التأثر بهما حتى نضمن عدم اختراقه من جهة وعدم تاثره بأفكار بعيدة عن الدين باعتبار "الجامع" هو الجهة الممثلة للدين والحريصة على بقائه وديمومته وتبليغه بانقى صوره. ولذلك فالعلاقة بين "الجامع" والجامعة من جهة والجماعة من جهة اخرى هي علاقة ذات اتجاه واحد هو اتجاه تأثير الجامع" بهما وعدم تاثره بهما. واما العلاقة بين الجامعة والجماعة فهي علاقة تبادلية التاثير والتأثر بلا اشكال.
ب. تغيير منافذ انفاق الاموال الشرعية ليتم صرفها وفق رؤى مدنية عير مبنية على الحرمة والتكليف الشرعي !
ت. استخدام مصطلح الاجتهاد ليكون وسيلة الحداثة في اختراق الشريعة الاسلامية بعد اعطائه ابعاد جديدة وطرق مغايرة لطرق الاجتهاد الشرعية ، زاعمين امكانية أن يكون الاجتهاد عند المسلمين مماثل للحداثة في الغرب بمعنى ان يتم ايجاد افكار حداثية بصبغة شرعية اسلامية من خلال دعوى الاجتهاد وان بابه مفتوح وفهم الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة متاح لكل المسلمين.
ث. استخدام الرأي في تفسير الايات القرآنية بعد ان يصبغوه بإطار حداثي زاعمين استخدام بعض العلوم الحديثة كالهيرمنيوطيقا والالسنيات في التفسير ! وهو ما يثير فوضى تفسيرية عارمة لأن كل شخص يمكنه ان يفهم النص القرآنية وفق رأيه الشخصي وذوقه الفكري بعيداً عن القواعد التفسيرية الرصينة وبشكل مختلف عن الآخر ولا سيما مع مزاعم استخدام الهيرمنيوطيقا التي تعتمد بالاساس على ثقافة الانسان ومداركه وهي من المتغيرات من شخص لآخر.
ج. دعوة الحداثيين لتأسيس مفاهيم دينية مبنية على العقلانية وليس على الوحي على حد زعمهم ، طبعاً هم لا يقصدون بالعقلانية ما يصدر عن العقل من قواعد منطقية راسخة بل يقصدون بالدين الصادر عن العقلانية ان يكون الدين معقولاً وفقاً لآرائهم وهم لذلك يجزمون بان الامور الميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة) هي امور غير معقولة لمجرد انهم لا يحسون بها فهم يعتمدون على المذهب التجريبي الذي نقضه فلاسفة المسلمين وبينوا خطأ اعتماده وحده بعيداً عن القواعد العقلية الاساسية كقاعدة العلية وقاعدة عدم اجتماع النقيضين ، وابرز ما قدمه المسلمون في توضيح بطلان اعتماد المذهب التجريبي وحده هو ما كتبه فيلسوف العصر السيد محمد باقر الصدر في كتابه الشهير ( فلسفتنـــا ).
وهناك دعوة اخرى تتفرع من دعوة الحداثيين هذه وهي قول بعضهم ان الاسلام يجب ان يتركب من الاصالة والتجديد معاً فالاصالة يعتمدون بها على الوحي والتجديد يعتمدون به على العقل !! ومعنى ذلك اذا اردنا ان نفكر بصورة غير متناقضة ان القضايا المعقولة هي فقط تلك القضايا المستحدثة التي لم يرد لها اصل في الدين سابقاً اي لم يرد لها ذكر في "الاصالة". اما اذا ارادوا ان يلتقطوا من الاصالة بعضها ويستبدلون بعضها بأفكار تجديدية حداثية يزعمون عقلانيتها فهذا المنهج فوضوي ولا يغني الفكر الانساني. مثلاً رجم الزاني هو من الامور الاصيلة في الدين بينما هم يريدون استبدالها بمفوم الحرية الشخصية وعدم معاقبة الزاني ويزعمون ان هذه الحرية الشخصية مبنية على العقلانية ! فمتى كان الانفلات الاخلاقي قضية عقلانية !؟ ولماذا يقحمون دور العقلانية في قضايا الوحي فيما يفترض ان العقلانية تعمل في منطقة الفراغ او في القضايا المستحدثة والجديدة التي لم يرد فيها تشريع مبني على الوحي على حد تعبيرهم. فالحداثيون لا يمكن ان يقبلوا بتبني منهج غير المنهج الالتقاطي ليأسسوا ديناً جديداً بشري ممسوخ من الدين الالهي الذي شرعه الله سبحانه للانسانية.
د. يروِّج الحداثيون الى ان الغرب هو صاحب الحضارة ولذلك يجب على الامة الاسلامية ان تقتدي بخطاه المعرفية والحداثية ! وهم بذلك لا يميزون بين مفهوم الحضارة ومفهوم التطور التقني. فالغرب ليس فيه من سمات التحضر سوى القليل ، والكثير من سماته هي مطبات غير متحضرة مثل "الثورة الجنسية" التي اجتاحت العالم الغربي في ستينيات القرن العشرين الميلادي وما تلاها والتي ما زالت تلقي بظلالها على سلوك الافراد في المجتمعات الغربية ، ومثل تسارعهم نحو تشريع زواج المثليين ، ومثل امتناع بعض دولهم الغربية عن تجريم زنى المحارم واعتبار ذلك من الحريات الشخصية اذا تم برضى الطرفين ! وأي حضارة تلك التي يمتلكها الغرب وهم يبرعون في التعري على المستوى الثقافي والاجتماعي والفني ! يقول وول ديورانت في قصة الحضارة: (الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها) ، فلنحلل هذه العناصر الاربعة لنرى هل فيها ما يستحق ان يمثل حضارة في الغرب او ما يستحق للامة الاسلامية ان تترك دينها من اجله !! فبالنسبة للعنصر الاول عنصر الموارد الاقتصادية نراه يرتبط بالمرحلة الحالية التي تعيشها اوربا وهي مرحلة ما بعد الحداثة حيث تضمحل قيمة الانسان العليا ومحوريته للكون لتحل محلها قيمة المنفعة الاقتصادية والحاجة الجسدية ، فالاولوية الان للمنافع الاقتصادية وتلبيات الشهوات الجسدية ، والموارد الاقتصادية مرتبطة بعامل المنفعة ومسخّرة من اجلها. واما العنصر الثاني عنصر النظم السياسية ، فهل النظام السياسي هو وسيلة ام غاية لتحقيق السلم والعدالة والمساواة بين الناس ؟! وهل الانظمة الديمقراطية في الغرب هي انظمة عادلة وتعمل على نشر المساواة بين الناس ؟! اليس الغرب هو من دعم تأسيس الكيان الصهيوني سياسياً واقتصادياً بصورة علنية وساند اغتصابه للاراضي الفلسطينية سنة 1948م ثم احتلال المتبقي منها سنة 1967م ! اليس الغرب هو الذي يغض النظر عن امتلاك الكيان الصهيوني للسلاح النووي وعدم توقيعه على معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية في حين يترصد للجمهورية الاسلامية في ايران نشاطها النووي السلمي ويحاول عرقلة كل مشاريعها النووية السلمية تحت ذريعة الخوف من امتلاك قنبلة نووية !
اليس النظام السياسي الغربي هو اول من استخدم القنبلة النووية واباد مدينتين كاملتين بدم بارد ويمتنع حتى اليوم عن ادانة استخدام القنبلتين النوويتين في هيروشيما وناكازاكي !؟
اليس النظام السياسي الغربي هو الذي يشرع القوانين المجحفة ضد الاسلام مثل منع الخمار في الاماكن العامة ومنع الرموز الدينية في المدارس ومنع بناء المآذن والمساجد في بعض الدول الغربية.
اليس النظام السياسي الغربي هو الذي يشرع القوانين لزواج المثليين وزنى المحارم والتعري !
اما بخصوص عنصر التقاليد الخلقية فمن الواضح ان المجتمع الاوربي الحالي ليس فيه مضمون اخلاقي ، فالحداثة وما بعدها تعتبر فائدة الانسان ومصلحته هي العامل المكون لأخلاقياته ، واخلاقيات رأس المال هي السائدة عندهم.
واما بخصوص العنصر الرابع عنصر العلوم والفنون فهو عنصر مشوه في الغرب اذ تجد ان الفنون الانسانية مخترقة بالتعري والابتذال والانحراف الاخلاقي والبعد عن الدين والسلوك القويم. انه فن هابط في جانب كبير منه.
فهذه هي العناصر الحضارية التي يبشرنا بعض الحداثيين العرب باننا يجب ان نقتدي بها ونستلهم منها حضارتنا التي نريد ان نبنيها بدلاً من بناءا على قواعدنا الاسلامية الرصينة بابعادها الانسانية والاخلاق الفاضلة وقيم العدالة والمساواة. فهل الحضارة الاوربية والغربية اليوم بعيدة عن الخوف والقلق ؟ الا يشكل ارتفاع مستوى الجريمة من قتل وتسليب وسرقات واغتصاب وادمان على الخمور والمخدرات وشيوع الحرية الجنسية في مختلف مرافق الحياة هاجساً يومياً للمجتمع ! الا تثير الازمات الالاقتصادية وارتفاع مستوى الفقر والمظاهرات التي خرجت سنة 2011م في العشرات من العواصم الغربية في اوربا وامريكا والتي اطلق عليها اسم مظاهرات (احتلوا وول ستريت) الا تثير المخاوف والقلق من المستقبل في الغرب ! الا يشكل تقهقر النمو السكاني في العديد من الدول الاوربية مما اضطر تلك الدول الى فتح ابوابها للاجئين لتوطينهم واكسابهم الجنسية مخاوف التغيير الديمغرافي للسكان هناك وهو الامر الذي ادى الى ظهور حركات عنصرية مناهضة للاسلام الذي ينتشر في الغرب بفعل الهجرات والتوطين ؟! اليست هواجس الوحدة في الشيخوخة والتفكك العائلي وغياب قيمة الاسرة هي من الهواجس اليومية للفرد في الغرب وتشكل جزءاً لا يتجزا من ازمته الفكرية اليومية !
فهل المجتمعات الغربية الاوربية والامريكية مجتمعات مستقرة ام أنَّها مجتمعات مليئة بمشاعر الخوف والخطر وعدم الاستقرار والمجهول الغامض ، وهل هذه السمات يمكن ان تنتج حضارة تتألق في سماء الانسانية ام انها تبقى عاجزة عن ارتقاء سلّم المجد والتحضر !
هـ. تبتدع الحداثة للمثقف مقهوماً وضعن محدداته بصورة تجعل منه انساناً غير منتمي الى احد !! فالحداثيون يعرّفون المثقف بأنه "الذي ينتسب إلى ما هو إنساني, لأنه لا يتقيد في تفكيره وتأملاته ونظراته بعقيدة أو دين يفرض عليه قيداً أو شرطاً يحد من فكره ، وحسب هذه الرؤية فان المثقف هو صاحب نزعة نقدية وفردية وحرة".
ان المشاكل التي تهدد الثقافة الاسلامية الحضارية في العراق مشاكل كبيرة وخطيرة ويجب التحرك الجاد للتصدي لها وايجاد الحلول لها. فمن المهم ان يكون هناك حراك ثقافي اكثر جدية يقوده التيار الاسلامي من اجل ان تكون الثقافة الاسلامية جزءاً اصيلاً من ثقافة المجتمع ولاسيما الشباب وطلبة الجامعات. ومن الضروري ان يتضامن المؤمنون المثقفون لينهضوا بالواقع الثقافي العراقي من خلال اقامة مشاريع ثقافية فردية وجماعية تلبي الطموحات وتغني الساحة الثقافية.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
نبيل محمد حسن الكرخي

بسم الله الرحمن الرحيم
4. مشـروعـنــــا
1ـ ان مشروعنا الفكري في الحياة مبني على فكرة الاستخلاف والتمكين التي بينها القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة البقرة: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)).
وقال تعالى في سورة النور: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ)).
وقال تعالى في سورة الحج: ((الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)).
وقال تعالى في سورة الانعام: ((أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)).
وقال تعالى في سورة الاعراف: ((وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)).
وقال تعالى في سورة يوسف (عليه السلام): ((وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)).
وقال تعالى في سورة الكهف: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً ، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً)).
وقال تعالى في سورة هود (عليه السلام): ((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)).
وقال تعالى في سورة فاطر: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ الكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً)).
وقال تعالى في سورة الانعام: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)).
وقال تعالى في سورة يونس (عليه السلام): ((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ ، ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)).
فهذه الارض التي نعيش عليها قد جعلنا الله سبحانه وتعالى خلفاء فيها ومكننا منها من اجل اعمارها بالطريقة التي يردها هو سبحانه منا ، ففي كل حركاتنا وسكناتنا ونحن نعمّر الارض ونستعمرها علينا ان نكون يقظين الى ان كل ما نفعله يجب ان يصب في رضوان الله سبحانه.
ولذلك لا يمكننا القبول بتشريع قانون وضعي متعارض مع الشريعة العظيمة ولا يمكن ان نرضى عن قانون او تشريع او تصرف او ثقافة لا يكون لله جلَّ وعلا فيها رضى.
2. الدعوة للاسلام المحمدي الاصيل واقامة نظام ايماني يراعي العدالة والمساواة بين ابناء الشعب وفق الموازين الشرعية ، ويتم فيه فصل السلطات واطلاق الحريات العامة البنّاءة واما الحريات الهدّامة كحرية التعري والتبذل والزنى وانتهاك المحارم والمقدسات فكرياً وعملياً فلا يمكن القبول بها لا في ظل نظام ايماني ولا في ظل اي نظام آخر مدني او طاغوتي.
3ـ سيادة مفهوم المواطنة بين عموم ابناء الشعب فلا فرق بين اكثرية واقلية ولا بين قومية وطائفة. فالكل سواسية لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
4ـ الوقوف بحزم فكرياً وعملياً بوجه اي دعوات للعنف واقصاء الاخر والالتزام بالشريعة الاسلامية وتحكيمها في كل المواطن والمواقف.
5. ترسيخ مفهوم الحقوق الانسانية بدلاً من حقوق الانسان ، ونعني بالحقوق الانسانية هي الحقوق التي يستحقها الانسان من حيث انسانيته والتي يقررها له الدين فهي ليست حقوقاً ذاتية له بل هي حقوق مكتسبة من خلال نشاطه وسلوكه الانساني في ظل المعطيات الايمانية. ولذلك لا يمكن منع عقوبة الاعدام لمن يستحقها تحت ذريعة حق العيش الذي يكفله مفهوم حقوق الانسان لأن من يستحق هذه العقوبة يكون قد اقترف ما هتك به انسانيته وحقوقها.
6. ضرورة العيش المشترك والسلم الاهلي ونبذ كل نزعة طائفية على المستوى السياسي او الاجتماعي او الثقافي او الاعلامي. ان التعايش بين الافراد في المجتمع من مختلف المكونات والتعايش بين المكونات المتعددة هو السمة الطبيعية في الحياة وكل ما يعكر هذا التعايش هو امر شاذ يجب التخلص منه فكرياً وتطبيقياً.
7. التآلف الوطني: نعمل على ايجاد نظرة متوازنة الى الماضي ، فلا نجعل ارهاصات الماضي تطغى على حاضرنا وتعيق تقدمنا وبناء مستقبلنا. ان نظرتنا الى الماضي يجب ان تختلف بين الالتزامات العقائدية كالتزاماتنا في التولي والتبري ، والتزاماتنا العاشورائية المقدسة التي لا يمكن المساس بها ، وبين نظرتنا الى قضايا المظلوميات الاخرى التي تعرضنا اليها بسبب انتمائنا المقدس الى خط وفكر أهل البيت (عليهم السلام). ان تضحياتنا نحن الشيعة منذ الحكم الاموي البغيض ومروراً بالحكم العباسي والسلجوقي والعثماني وفي فترة الاحتلال البريطاني ومظاليمنا في عهد المملكة العراقية ثم الجمهوريات الطاغوتية الانقلابية ابتداءاً من جمهورية "الزعيم الاوحد" ومروراً بجمهوريات الحكم القومي والعشائري الطائفية يجب ان تنتقل من مرحلتها التاريخية الى مرحلة الذاكرة الحية ، الذاكرة الايجابية فلا ندع تلك المظالم تلقي بظلالها على حاضرنا وتعكر صفو العلاقة مع اخوتنا وشركائنا في الوطن. فنحن ننظر الى ما جرى من مظالم وويلات بأنها محتسبة عند الله سبحانه وتعالى كما اننا نقول بنقل تلك المظالم من "أسر التاريخ الذي يقود الحاضر" ومن "معايشة الحاضر بروح تاريخية" تكبّله وتمنع تقدمه الى الذاكرة الحية المستمرة - وليست الذاكرة التقليدية التي تجعل من الماضي مجرد متعلقات في متحف - انها ذاكرة حيّة يقظة وحذرة من ان تتكرر تلك المظالم من جديد ، فنستفيد من دروس الماضي دون ان نسمح بان نكون اسرى لتلك الذكريات المريرة وهذا يتطلب منا الصفح والغفران لكل من ساهم في تكريس تلك المظالم وهو ما يزال يعيش بيننا بشرط ان لا يكون قد ثبت عليه من الناحية الشرعية ثم القانونية ارتكابه لجريمة مباشرة. ونحن اتباع أهل البيت (عليهم السلام) اجدر الناس بالصفح والغفران لما تعلمناه منهم في حياتهم الشريفة الطاهرة من دروس عديدة في الصفح عمّن اساء اليهم.
8. دعم واسناد دعوات الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب ، والمشاركة الفاعلة فيها.
9. استبدال مفهوم (المجتمع المدني) بمفهوم (المجتمع الانساني) ودعم واسناد تأسيس المنظمات في مختلف الاتجاهات الانسانية الفكرية والاجتماعية والثقافية والدينية والعلمية ورعاية الفقراء والايتام والارامل والنساء وكبار السن والشباب والفتيان والطفولة ورعاية العلم. حيث ان مفهوم "المجتمع المدني" مشتق من مفهوم اقامة دولة مدنية تفصل بين الدين والدولة وتعتمد اقامة نظام علماني وهو ما نرفضه ونرفض كل افرازاته.
1. احياء القيم الاخلاقية العالية كالحشمة والغيرة والمروءة والايثار والتعاون والاداب العامة والخاصة.
5. ثقافتنـــا
يمكن استعراض ملامح مشروعنا الثقافي وهمومنا الثقافية التي تشغل تفكيرنا والمشاكل الثقافية التي يعاني منها المجتمع وحجم تلك المشاكل والواقع الثقافي الذي نعيشه من خلال الآتــي:
البعد الاول. يتعلق بمحو الاجواء الثقافية المعادية التي تسببت بها السياسات الطائفية للانظمة الغابرة عبر انتهاك كرامة غالبية ابناء الشعب بتسليط جو ثقافي معادي لهم من خلال اشاعة تسميات لاماكن عامة بأسماء شخصيات لها مواقف سلبية في ثقافة غالبية ابناء الشعب ، ثقافة جعلت من اعداء الامة رموزاً لها !؟ مثل تسمية مدن وشوارع بأسماء ابي جعفر المنصور ومعاوية بن ابي سفيان والرشيد والمأمون والامين والمعتصم والواثق وغيرهم ممن تلوثت ايديهم بقتل ائمة آل البيت الاطهار (عليهم السلام) والصالحين من الامة. وان حضارتنا وعمقنا التاريخي وزمننا المعاصر فيها من الشخصيات الكبيرة والمهمة ما يمكن ان تمثل مشتركات عامة لجميع ابناء الشعب دون ان تثير اي تحسس من قبل جهة ما من مكوناته مثل ابن سينا وابن رشد والفارابي والرازي وابن زهر و ابن ماسويه وابن وافد والبيروني والحموي والادريسي وسيبويه والدميري وجابر بن حيان وابو فراس الحمداني ومحمد مهدي البصير والملا عبود الكرخي والعلامة مصطفى جواد والعديد غيرهم.
انها حالات شاذة في الحياة الانسانية حينما تسود داخل الامة ثقافة تُمجّد اعدائها وتضفي الرمزية عليهم وهم الذين سفكوا دمها واضطهدوها وبطشوا بها واشبعوها تقتيلاً وويلاً وثبوراً ! ومع ذلك فهم ممجدون ومحترمون وتقام لهم التماثيل والنصب التذكارية وتطلق اسمائهم على شوارع المدن الرئيسية وساحاتها واحيائها !!
البعد الثاني:
وأما البعد الثقافي الثاني فيتمثل في التأكيد على اهمية وضرورة تفعيل الحراك الثقافي الاسلامي الذي ينبغي ان يسود المنتديات والمراكز الفكرية والثقافية. فمما لا شك فيه انَّ هناك نهضة ثقافية يشهدها بلدنا حالياً لاسيما في عصر الحرية الفكرية والثقافية. وان هذه النهضة يتخللها حراك ثقافي متنوع واحياناً حراك متخاصم بين تيارات يطمح كل منها الى اشاعة الثقافة التي يؤمن بها والتي يريد لها ان تسود الحياة. وإنَّ المتتبع للنشاط الثقافي الاسلامي العراقي يجده محاطاً بمشاكل اهمها:
1. محاولة اقصاء المثقفين الاسلاميين عن الواجهات الثقافية وتهميشهم ، وقد استمرت بعض الجهات في هذه السياسة دعماً لمشاريعها الآيديولوجية أو الفئوية.
2. الاستعداء الثقافي: ونقصد به محاولة جهات معينة هي الجهات الحداثية التغريبية استعداء الثقافة الاسلامية واستعداء الدين خصوصاً من خلال تبني مشاريع ثقافية تشكيكية في الاسلام وعقائده واسسه واهمها القرآن الكريم الذي يتعرض لحملة تشكيك واثارة للشبهات ضده لاسيما بين الشباب وطلبة الجامعات والمواقع في شبكة الانترنيت العالمية من اجل نشر الالحاد النظري والالحاد العملي (العلمانية) وتغيير القيم المحافظة الاصيلة للشعب ونشر الرذيلة والسلوكيات المنحرفة. وتتم هذه التشكيكات من خلال نشر الكتب الالحادية والكتب التشكيكية والمحاضرات الفديوية لبعض المنحرفين والتي تطعن في الدين والقرآن الكريم صراحةً.
3. عدم وجود جهات اسلامية – بشكلٍ كافٍ - تتبنى دعم الثقافة الاسلامية وتنظم شؤونها الفكرية ومتطلباتها الاعلامية. فالجهود الثقافية الاسلامية في غالبيتها هي جهود فردية وغير مدعومة ولذلك فهي جهود ضئيلة قياساً الى المخزون الكبير الذي يتمتع به المثقفون الاسلاميون والذي لا يتمكنون من ابرازه والترويج له اعلامياً بسبب الضعف العام في القدرات المالية الفردية.
اذن هناك حاجة ملحة لتطوير النمط الثقافي الاسلامي الاصيل والرصين والمتناغم مع الواقع الاجتماعي في حفاظه على القيم والاخلاق ودعم النشاطات الثقافية مالياً واعلامياً من خلال ظهور منظمات المجتمع المدني المتخصصة بالثقافة والاعلام وتوفير الدعم المناسب لها.
البعد الثالث:
التحرك للتصدي ثقافياً لمشاريع التغريب والحداثة التي يراد لها ان تغير من واقعنا الثقافي وعقيدتنا الدينية بأن تقدم لنا اسلاماً حداثياً يختلف عن الاسلام المحمدي العظيم الذي اكمله الله سبحانه واتمّ به نعمته علينا ورضيه لنا ديناً.
ويمكن ان نميز عدة تيارات حداثية لكل منها سماتها ابرزها:
أ. التيار الحداثي الالحادي: وهو الذي يدعو الى نشر الالحاد والغاء الدين فهو يدعو الى نبذ القرآن الكريم والسنة النبوية واهمال الشريعة الاسلامية والانسياق كلياً خلف الحضارة الغربية بمفاهيمها ومتبنياتها الفكرية.
ب. التيار الحداثي التفسيري: الذي يدعو للحداثة من خلال اعادة تفسير آيات القرآن الكريم واعادة فهم الاحاديث النبوية الشريفة ، دون ان ينكر هذا التيار وجود الله سبحانه او نبوة رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهذا التيار يدعو الى تفسير جديد لآيات القرآن الكريم تتناغم وتطورات العصر حيث يتوهمون ان التطور العلمي والتقدم الحضاري يتعارض مع الشريعة الاسلامية !
ومن رواد هذا التيار زكي ميلاد.
ت. التيار الحداثي الجحودي: الذي يدعو لتحييد الشريعة الالهية والتخلي عن العمل بها واستبدالها بقوانين بشرية وضعية دون ان يكون هناك انكار لوجود الله سبحانه ولكنهم يجحدون نبوة رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويعتبرون ان الدين وليد مرحلته التاريخية ولا يجب ان ينتقل فكره في مرحلته لتسود بقية المراحل والاجيال الانسانية التالية !
ومن ابرز رواد هذا التيار عبد الكريم سروش في ايران.
ومن من ابرز المشاريع الحداثية التغريبية التي يغررون بها الناس هي:
أ. دعوتهم لتطوير نظام المرجعية الدينية ليكون مواكباً للعصر وفقاً لفكرهم وتصورهم ! ودعوتهم لربط المرجعية الدينية مع الجامعات والمنظمات الثقافية وتحديث المناهج الدينية وفرض تدريس اللغات الاجنبية فيها ! وبذلك تفقد المرجعية الدينية خصوصيتها الفكرية والادارية وتصبح معرضاً لرياح التغريب تحت مسميات التقدم والحداثة والتطور.
ان حديثهم عن تكامل ما اطلقوا عليه ثلاثي: (الجامع والجامعة والجماعة) حيث يمثل "الجامع" مركز الدراسة الدينية او المدرسة الدينية او الحوزة الدينية وتمثل الجامعة مركز الدراسة العلمية والانسانية وتمثل الجماعة المجتمع ، هو تكامل صحيح ولكن ليس بتبادل متساوي للتأثير والتأثر لأن تساوي التأثير والتأثر بين هذه المرتكزات الثلاثة يخلخل عملية الفهم الديني ، وهو ما حصل في العقود الماضية في بعض مفاصل الامة الاسلامية وانتج التأثر بالعلمانية والحداثة ، فيجب ان تكون علاقة "الجامع" علاقة التأثير بالجامعة والجماعة وليس التأثر بهما حتى نضمن عدم اختراقه من جهة وعدم تاثره بأفكار بعيدة عن الدين باعتبار "الجامع" هو الجهة الممثلة للدين والحريصة على بقائه وديمومته وتبليغه بانقى صوره. ولذلك فالعلاقة بين "الجامع" والجامعة من جهة والجماعة من جهة اخرى هي علاقة ذات اتجاه واحد هو اتجاه تأثير الجامع" بهما وعدم تاثره بهما. واما العلاقة بين الجامعة والجماعة فهي علاقة تبادلية التاثير والتأثر بلا اشكال.
ب. تغيير منافذ انفاق الاموال الشرعية ليتم صرفها وفق رؤى مدنية عير مبنية على الحرمة والتكليف الشرعي !
ت. استخدام مصطلح الاجتهاد ليكون وسيلة الحداثة في اختراق الشريعة الاسلامية بعد اعطائه ابعاد جديدة وطرق مغايرة لطرق الاجتهاد الشرعية ، زاعمين امكانية أن يكون الاجتهاد عند المسلمين مماثل للحداثة في الغرب بمعنى ان يتم ايجاد افكار حداثية بصبغة شرعية اسلامية من خلال دعوى الاجتهاد وان بابه مفتوح وفهم الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة متاح لكل المسلمين.
ث. استخدام الرأي في تفسير الايات القرآنية بعد ان يصبغوه بإطار حداثي زاعمين استخدام بعض العلوم الحديثة كالهيرمنيوطيقا والالسنيات في التفسير ! وهو ما يثير فوضى تفسيرية عارمة لأن كل شخص يمكنه ان يفهم النص القرآنية وفق رأيه الشخصي وذوقه الفكري بعيداً عن القواعد التفسيرية الرصينة وبشكل مختلف عن الآخر ولا سيما مع مزاعم استخدام الهيرمنيوطيقا التي تعتمد بالاساس على ثقافة الانسان ومداركه وهي من المتغيرات من شخص لآخر.
ج. دعوة الحداثيين لتأسيس مفاهيم دينية مبنية على العقلانية وليس على الوحي على حد زعمهم ، طبعاً هم لا يقصدون بالعقلانية ما يصدر عن العقل من قواعد منطقية راسخة بل يقصدون بالدين الصادر عن العقلانية ان يكون الدين معقولاً وفقاً لآرائهم وهم لذلك يجزمون بان الامور الميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة) هي امور غير معقولة لمجرد انهم لا يحسون بها فهم يعتمدون على المذهب التجريبي الذي نقضه فلاسفة المسلمين وبينوا خطأ اعتماده وحده بعيداً عن القواعد العقلية الاساسية كقاعدة العلية وقاعدة عدم اجتماع النقيضين ، وابرز ما قدمه المسلمون في توضيح بطلان اعتماد المذهب التجريبي وحده هو ما كتبه فيلسوف العصر السيد محمد باقر الصدر في كتابه الشهير ( فلسفتنـــا ).
وهناك دعوة اخرى تتفرع من دعوة الحداثيين هذه وهي قول بعضهم ان الاسلام يجب ان يتركب من الاصالة والتجديد معاً فالاصالة يعتمدون بها على الوحي والتجديد يعتمدون به على العقل !! ومعنى ذلك اذا اردنا ان نفكر بصورة غير متناقضة ان القضايا المعقولة هي فقط تلك القضايا المستحدثة التي لم يرد لها اصل في الدين سابقاً اي لم يرد لها ذكر في "الاصالة". اما اذا ارادوا ان يلتقطوا من الاصالة بعضها ويستبدلون بعضها بأفكار تجديدية حداثية يزعمون عقلانيتها فهذا المنهج فوضوي ولا يغني الفكر الانساني. مثلاً رجم الزاني هو من الامور الاصيلة في الدين بينما هم يريدون استبدالها بمفوم الحرية الشخصية وعدم معاقبة الزاني ويزعمون ان هذه الحرية الشخصية مبنية على العقلانية ! فمتى كان الانفلات الاخلاقي قضية عقلانية !؟ ولماذا يقحمون دور العقلانية في قضايا الوحي فيما يفترض ان العقلانية تعمل في منطقة الفراغ او في القضايا المستحدثة والجديدة التي لم يرد فيها تشريع مبني على الوحي على حد تعبيرهم. فالحداثيون لا يمكن ان يقبلوا بتبني منهج غير المنهج الالتقاطي ليأسسوا ديناً جديداً بشري ممسوخ من الدين الالهي الذي شرعه الله سبحانه للانسانية.
د. يروِّج الحداثيون الى ان الغرب هو صاحب الحضارة ولذلك يجب على الامة الاسلامية ان تقتدي بخطاه المعرفية والحداثية ! وهم بذلك لا يميزون بين مفهوم الحضارة ومفهوم التطور التقني. فالغرب ليس فيه من سمات التحضر سوى القليل ، والكثير من سماته هي مطبات غير متحضرة مثل "الثورة الجنسية" التي اجتاحت العالم الغربي في ستينيات القرن العشرين الميلادي وما تلاها والتي ما زالت تلقي بظلالها على سلوك الافراد في المجتمعات الغربية ، ومثل تسارعهم نحو تشريع زواج المثليين ، ومثل امتناع بعض دولهم الغربية عن تجريم زنى المحارم واعتبار ذلك من الحريات الشخصية اذا تم برضى الطرفين ! وأي حضارة تلك التي يمتلكها الغرب وهم يبرعون في التعري على المستوى الثقافي والاجتماعي والفني ! يقول وول ديورانت في قصة الحضارة: (الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها) ، فلنحلل هذه العناصر الاربعة لنرى هل فيها ما يستحق ان يمثل حضارة في الغرب او ما يستحق للامة الاسلامية ان تترك دينها من اجله !! فبالنسبة للعنصر الاول عنصر الموارد الاقتصادية نراه يرتبط بالمرحلة الحالية التي تعيشها اوربا وهي مرحلة ما بعد الحداثة حيث تضمحل قيمة الانسان العليا ومحوريته للكون لتحل محلها قيمة المنفعة الاقتصادية والحاجة الجسدية ، فالاولوية الان للمنافع الاقتصادية وتلبيات الشهوات الجسدية ، والموارد الاقتصادية مرتبطة بعامل المنفعة ومسخّرة من اجلها. واما العنصر الثاني عنصر النظم السياسية ، فهل النظام السياسي هو وسيلة ام غاية لتحقيق السلم والعدالة والمساواة بين الناس ؟! وهل الانظمة الديمقراطية في الغرب هي انظمة عادلة وتعمل على نشر المساواة بين الناس ؟! اليس الغرب هو من دعم تأسيس الكيان الصهيوني سياسياً واقتصادياً بصورة علنية وساند اغتصابه للاراضي الفلسطينية سنة 1948م ثم احتلال المتبقي منها سنة 1967م ! اليس الغرب هو الذي يغض النظر عن امتلاك الكيان الصهيوني للسلاح النووي وعدم توقيعه على معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية في حين يترصد للجمهورية الاسلامية في ايران نشاطها النووي السلمي ويحاول عرقلة كل مشاريعها النووية السلمية تحت ذريعة الخوف من امتلاك قنبلة نووية !
اليس النظام السياسي الغربي هو اول من استخدم القنبلة النووية واباد مدينتين كاملتين بدم بارد ويمتنع حتى اليوم عن ادانة استخدام القنبلتين النوويتين في هيروشيما وناكازاكي !؟
اليس النظام السياسي الغربي هو الذي يشرع القوانين المجحفة ضد الاسلام مثل منع الخمار في الاماكن العامة ومنع الرموز الدينية في المدارس ومنع بناء المآذن والمساجد في بعض الدول الغربية.
اليس النظام السياسي الغربي هو الذي يشرع القوانين لزواج المثليين وزنى المحارم والتعري !
اما بخصوص عنصر التقاليد الخلقية فمن الواضح ان المجتمع الاوربي الحالي ليس فيه مضمون اخلاقي ، فالحداثة وما بعدها تعتبر فائدة الانسان ومصلحته هي العامل المكون لأخلاقياته ، واخلاقيات رأس المال هي السائدة عندهم.
واما بخصوص العنصر الرابع عنصر العلوم والفنون فهو عنصر مشوه في الغرب اذ تجد ان الفنون الانسانية مخترقة بالتعري والابتذال والانحراف الاخلاقي والبعد عن الدين والسلوك القويم. انه فن هابط في جانب كبير منه.
فهذه هي العناصر الحضارية التي يبشرنا بعض الحداثيين العرب باننا يجب ان نقتدي بها ونستلهم منها حضارتنا التي نريد ان نبنيها بدلاً من بناءا على قواعدنا الاسلامية الرصينة بابعادها الانسانية والاخلاق الفاضلة وقيم العدالة والمساواة. فهل الحضارة الاوربية والغربية اليوم بعيدة عن الخوف والقلق ؟ الا يشكل ارتفاع مستوى الجريمة من قتل وتسليب وسرقات واغتصاب وادمان على الخمور والمخدرات وشيوع الحرية الجنسية في مختلف مرافق الحياة هاجساً يومياً للمجتمع ! الا تثير الازمات الالاقتصادية وارتفاع مستوى الفقر والمظاهرات التي خرجت سنة 2011م في العشرات من العواصم الغربية في اوربا وامريكا والتي اطلق عليها اسم مظاهرات (احتلوا وول ستريت) الا تثير المخاوف والقلق من المستقبل في الغرب ! الا يشكل تقهقر النمو السكاني في العديد من الدول الاوربية مما اضطر تلك الدول الى فتح ابوابها للاجئين لتوطينهم واكسابهم الجنسية مخاوف التغيير الديمغرافي للسكان هناك وهو الامر الذي ادى الى ظهور حركات عنصرية مناهضة للاسلام الذي ينتشر في الغرب بفعل الهجرات والتوطين ؟! اليست هواجس الوحدة في الشيخوخة والتفكك العائلي وغياب قيمة الاسرة هي من الهواجس اليومية للفرد في الغرب وتشكل جزءاً لا يتجزا من ازمته الفكرية اليومية !
فهل المجتمعات الغربية الاوربية والامريكية مجتمعات مستقرة ام أنَّها مجتمعات مليئة بمشاعر الخوف والخطر وعدم الاستقرار والمجهول الغامض ، وهل هذه السمات يمكن ان تنتج حضارة تتألق في سماء الانسانية ام انها تبقى عاجزة عن ارتقاء سلّم المجد والتحضر !
هـ. تبتدع الحداثة للمثقف مقهوماً وضعن محدداته بصورة تجعل منه انساناً غير منتمي الى احد !! فالحداثيون يعرّفون المثقف بأنه "الذي ينتسب إلى ما هو إنساني, لأنه لا يتقيد في تفكيره وتأملاته ونظراته بعقيدة أو دين يفرض عليه قيداً أو شرطاً يحد من فكره ، وحسب هذه الرؤية فان المثقف هو صاحب نزعة نقدية وفردية وحرة".
ان المشاكل التي تهدد الثقافة الاسلامية الحضارية في العراق مشاكل كبيرة وخطيرة ويجب التحرك الجاد للتصدي لها وايجاد الحلول لها. فمن المهم ان يكون هناك حراك ثقافي اكثر جدية يقوده التيار الاسلامي من اجل ان تكون الثقافة الاسلامية جزءاً اصيلاً من ثقافة المجتمع ولاسيما الشباب وطلبة الجامعات. ومن الضروري ان يتضامن المؤمنون المثقفون لينهضوا بالواقع الثقافي العراقي من خلال اقامة مشاريع ثقافية فردية وجماعية تلبي الطموحات وتغني الساحة الثقافية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat