صفحة الكاتب : هشام الهبيشان

السعودي أمام اختيار صعب بين التركي والمصري ...وبالنهاية سيكون محكوم بتوجهات المصري أو التركي !؟
هشام الهبيشان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يبدو أن الإعلام العربي على مختلف وتوجهاته ، مازال يعاني من عبثية التقاط الاخبار وترويجها ،بالاضافة الى أسلوب عبثي بتحليلها وبناء الافكار حولها، فبروبوغندا الإعلام العربي ، بأت يشوبها بالفترة الاخيرة الكثير من التناقضات، وكأن الاعلام العربي مغيب عن حقائق الواقع المعاش، فالحديث اليوم عن مشروع تقارب مصري - تركي ، تدعمه وتديره السعودية، هو حديث أقرب إلى الهزلية منه إلى الواقعية، فالناظر بسهولة إلى طبيعة تشعب الخلافات بين النظامين المصري والتركي ابعادآ وخلفيات سيصل بسهولة إلى نتيجة واحدة ومفادها "أنه من المستحيل بهذه المرحلة تحديدآ حصول تقارب بين النظامين المصري والتركي '، لأسباب كثيرة سنعرج عليها ضمن سياق هذا المقال، بالمحصلة فمهما كانت المخاطر التي تواجه كلا النظامين أقليميآ ودوليآ، فلا يمكن أبدآ الحديث عن فرص تقارب بين كلا النظامين ، فكلا النظامين لديه مشروع، وكلاهما يسعى لبناء نفسه كقوة أقليمية ، وكل طرف فيهما له ثأر طويل مع الأخر ، ومن هذا الباب لايمكن أبدآ تعميم مفهوم التقارب على كلا النظامين بهذه المرحلة تحديدآ.

فحقائق الواقع المعاش ، تؤكد أن هناك أكثر من ساحة أشتباك مصري - تركي، ليس أولها بليبيا ولا اخرها بقطاع غزة، كما أنه لايمكن أنكار بأي حال من الاحوال حقيقة أن تركيا مازالت تدعم وبقوة وبالشراكة مع أخوان مصر مساعي ضرب استقرار الداخل المصري، وتدعم بشكل علني مشروع السعي الاخواني لأسقاط النظام المصري، فتركيا ودوائرها الرسمية ما تركت مناسبة دولية ولا محفل اقليمي ولاحدث محلي، الا وكررت اسطوانتها المشروخة والتي تصف فيها النظام المصري أنه نظام انقلابي ونظام غير شرعي وو..ألخ، من سلسلة الاتهامات التي يطلقها النظام التركي ومازال بحق النظام المصري، وعلى المقلب الاخر فالنظام المصري الرسمي مازال ينظر إلى النظام التركي بأنه نظام عدو لمصر بل تم وضعه بخانة ألد الاعداء للنظام المصري وللشعب المصري ،ووسائل الاعلام المصرية الرسمية وغير الرسمية مازالت تتحدث بشكل علني صبح مساء، عن دور تركيا الساعي لضرب استقرار الداخل المصري ،بل وكان لوسائل الاعلام المصرية دور فاعل كذلك بشن حملات إعلامية تهاجم من خلالها النظام التركي.

وهنا فعندما يتم الحديث عن تركيا ، فيجب أن لايغيب عن اذهاننا دور قطر حليف تركيا الابرز عربيآ، فهل هناك بالاصل توافق قطري -مصري، حتى يتم تعميم تجربة هذا التوافق على الحالة التركية -المصرية، وهذا ما يدفعنا ايضآ للتساؤل هنا عن المبادرة التي أطلقتها السعودية ومن خلف الكواليس ، لتعزيز نقاط التقارب بين الدولتين المصرية والقطرية،والتي فشلت مساعيها بشكل كامل  ،فالايام القليلة الماضية وصلت بها حدة التصعيد بين كل من الدولتين المصرية والقطرية  ومن خلف الكواليس إلى درجة الاشتباك المباشر سياسيآ ودبلوماسيآ واعلاميآ وحتى امنيآ، فمصر أتهمت علانية قطر بأنها تدعم الارهاب وهي تستعد اليوم لمحاكمة رئيسها المعزول "محمد مرسي – بتهمة التخابر مع قطر "، ووصلت حدة التصعيد والاشتباك بينهما إلى درجة غير مسبوقة فقد اصبحت الساحة الليبية المنقسمة على نفسها، مسرحآ للأشتباك الامني والسياسي والإعلامي بين كلا الدولتين، وكادت هذه العلاقة المتوترة بين الدولتين أن تطيح بعلاقات مصر مع دول مجلس التعاون الخليجي ككل ، بعد ان خرجت لاكثر من مرة تصريحات إعلامية رسمية باسم مجلس التعاون الخليجي ، تدين الموقف المصري الذي اتهم قطر لأكثر من مرة بدعم الارهاب، لولا الصحوة المبكرة الاماراتية، التي أستطاعت انقاذ الموقف قبل تأزمه بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر.

وبعيدآ عن ساحات الاشتباك القطرية- المصرية المتعددة الوجوه والاشكال، فحقائق الواقع المعاش تؤكد بما لايقبل الشك، أن الحديث عن تقارب مصري -تركي، بهذه المرحلة هو حديث عبثي أيضآ، فتركيا تنظر للنظام المصري بأنه نظام قد حطم مشروعها الساعي لاحتواء المنطقة العربية تحت عباءة الاخوان المسلميين حلفاء الأتراك الرئيسيين بالمنطقة العربية، كما ينظر النظام المصري بدوره للنظام التركي على أنه نظام يسعى ويعمل لاسقاطه، من خلال تحريك جذور الفوضى بالداخل المصري، ودعم اخوان مصر الساعيين وبقوة لاسقاط النظام المصري ،فقضية الخلافات بين مصر وتركيا، هي قضية معقدة وشائكة جدآ ومن الصعب الوصول لحلول لها بالشيء اليسير.

السعوديين بدورهم، يعون جيدآ حجم الخلافات المصرية -التركية، ويعلمون جيدآ أنه من الصعوبة بهذه المرحلة تحديدآ الحديث عن تقارب مصري - تركي، ويعلمون أن كل جهودهم ستكون حهود عبثية لافائدة منها، فالمصريين لن يقدمو أبدآ أي تنازلات للأتراك بالداخل المصري من خلال اطلاق يد اخوان مصر من جديد بالداخل المصري، والأتراك لن يقبلوا أن يقدموا أي تنازل عن خطابهم الرسمي المهاجم بشكل علني للنظام المصري دون تقديم تنازلات من مصر ،والواضح أن ساحات الاشتباك داخل وخارج مصر بين الاتراك والمصريين ستزيد حدتها بالقادم من الايام لعدة اعتبارات ومتغيرات إقليمية بالمنطقة، وهذا مايدفع البعض للتساؤل أنه أذا كانت دوائر صنع القرار السعودي تعلم بكل هذه المحددات التي تعيق فرص تحقيق تقارب ولو شكلي وإعلامي بين أنقرة والقاهرة ، فلماذا أذآ كل هذه المساعي والجهود السعودية ؟؟.

 

 

 

هنا يمكن القول أن السعودية بعد مرحلة الملك عبدالله بن العزيز، وبعد وصول طاقم حكم مختلف لسدة الحكم السعودي برؤية مغايرة نوعآ ما لرؤية طاقم الحكم السابق، نتيجة لعدة متغيرات إقليمية ودولية، فهذه المتغيرات بمجملها، دفعت طاقم الحكم الجديد ، للبحث عن خيارات جديدة يستطيع من خلالها بناء وتحديد رؤيته المستقبلية لطبيعة وكيفية التحكم بادارة ملفاته الداخلية والخارجية، وهنا لايمكن أبدآ أنكار حقيقة ان الدولة السعودية ونظامها الرسمي بهذه الفترة الانتقالية تحديدآ تمر بأزمة حقيقية، فالحرب المتعسرة على الدولة اليمنية والأزمة البحرينية وتمدد الفكر المتطرف بالداخل السعودي تلقي بظلالها بشكل واسع على ملف الامن الداخلي السعودي، وحقيقة انهيار بنك الاهداف السعودي في كل من سورية والعراق وليبيا تضع هي الاخرى الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة ادارة الملفات الخارجية السعودية ؟؟، وبالاتجاه الاخر يبدو ان واشنطن قد قررت نوعآ ما تعديل ميزان تحالفاتها بالمنطقة من خلال ايجاد علاقة توازن امريكية جديدة مع كل قوى الاقليم بما فيها "إيران" ، وهذا يظهر جليآ من خلال مؤشرات التفاهم الواضحة بين واشنطن وطهران حول ملف ايران النووي، هذه الملفات بمجملها دفعت النظام السعودي الجديد للبحث عن تحالفات اقليمية جديدة، تستطيع أن توفر له مرحليآ نوعآ من الحماية من متغيرات المنطقة، وعلى الفور التقط الأتراك هذه الاشارة وبالفعل وجد الرئيس التركي أردوغان فرصة ثمينة للخروج من عزلته الدولية والاقليمية، وفرصة أضافية لتوسيع نطاق نفوذه الاقليمي بعد فشل رهانه بمصر وسورية.

السعوديين وجدوا بمبادرة اردوغان نحوهم فرصة لتعزيز دورهم بالإقليم وضمان حماية لهم، ولكن هذا التقارب السعودي - التركي ، أزعج المصريين كثيرآ، وشعروا أن هناك مؤامرة ما تحاك ضدهم، السعوديين سريعآ ما أستدركوا هذا الخطأ الاستراتيجي،، فهم لايريدون أن يكسبوا شريكآ ليخسروا أخر ، ومن هنا قرروا أن يقدموا مبادرة حسن نوايا للمصريين كما للأتراك ،وبدأ العمل على خطوط متساوية متشعبة العلاقات، بمحاولة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الأتراك والمصريين، فقيام حلف تركي -سعودي -مصري بالمنطقة سيكون له وقع ثقيل على دوائر صنع القرار الاقليمية والدولية ، وهذا ما تبحث عنه الرياض الان، لمواجهة تحديات الداخل السعودي وتحديات ومتغيرات الاقليم، ولكن السؤال هل بامكان الرياض أن تصل لهذه المعادلة بسهولة ؟؟ ، لا أعتقد ذلك بالمطلق، فحجم الخلافات التركية -المصرية وتشعبها، ينفي بشكل قاطع امكانية بناء حلف مصري - سعودي - تركي.

ختامآ ، أن امكانيات ومساعي بناء توافقات إقليمية تؤسس لبناء تحالفات إقليمية ذات طابع جديد، بالتأكيد ستواجه العديد من التحديات، وهذا ما ينذر بالتأكيد على أن هناك متغيرات إقليمية قادمة، ستعمل على تغيير جذري بقواعد الاشتباك الإقليمية، وستعيد بشكل واسع تشكيل اقطاب الاحلاف الجديدة بالمنطقة ، مما يعني أن المنطقة برمتها مقبلة على تغيرات جيو سياسية كبرى، وما السعي السعودي الاخير الهادف إلى تشكيل حلف اقليمي واسع، الا دليل على استشعار السعوديين كما غيرهم لخطورة المرحلة المقبلة ،ولكن هل سينجح هذا المسعى السعودي ؟؟ ، وهنا أعيد نفس الاجابة للمرة الثالثة، بأن هذا المسعى كتب عليه الفشل قبل أن يتم الحديث فيه، وهذا ما سيدفع السعوديين إلى البحث عن خيارات بديلة ، قد تدفع السعوديين إلى خيارات صعبة، فالسعودية اليوم مخيرة بين حلف تركي – سعودي"تحكمه التوجهات التركية " ، أو حلف مصري –سعودي "تحكمه التوجهات المصرية "،ولا يوجد خيار ثالث امام السعوديين ، فأي الطرق سيختار السعوديين، مع أن كل الطرق عوجاء امام السعوديين،ولكنهم مجبرون على الاختيار لأنهم يعيشون بصراع مع الوقت.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هشام الهبيشان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/07



كتابة تعليق لموضوع : السعودي أمام اختيار صعب بين التركي والمصري ...وبالنهاية سيكون محكوم بتوجهات المصري أو التركي !؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net