السياسة التركية اتجاه العراق
د . حارث حسن
د . حارث حسن
أصبح واضحاً ان تركيا تقود محوراً اقليمياً يضم قطر والاخوان المسلمين، وبموجبه يمكن تفسير العديد من مواقف حكومة اردوغان في ساحات متعددة كالعراق وسوريا ومصر وليبيا، حيث دخلت في تنافس – يتخلله التنسيق احياناً- مع محور تقوده السعودية وأحد عناصره الايديولوجية هو السلفية غير الجهادية، والمحور الشيعي الاقليمي الذي تقوده ايران.
لكن مازالت هناك حاجة لتسليط المزيد من الضوء على دافع مهم آخر في السياسة التركية، ربما يكون أكثر اهمية وجوهرية من دافع التحالف الايديولوجي، واعني به سعي تركيا الى تأمين حاجاتها من الطاقة والى ان تصبح الممر المتحكم بتدفقات الغاز والنفط من الشرق الاوسط الى اوربا.
لقد حقق الاقتصاد التركي نمواً متواصلا خلال العقد الماضي، لتحتل تركيا مركز سادس أكبر اقتصاد في اوربا والمركز السادس عشر على مستوى الاقتصاديات العالمية. لكن منذ سنوات، أخذت تركيا تتطلع الى تأمين تجهيزات مستدامة من الطاقة واستغلال هشاشة الوضع في المنطقة لخلق منطقة نفوذ الى الجنوب من تركيا تشمل الموصل وكردستان وشمال سوريا، وتشييد انابيب نفط وغاز جديدة تبني مكانة تركيا كممر الطاقة الرئيسي الى اوربا، مما يعزز من قدرتها التساومية مع كل من اوربا وروسيا.
كنت قد اقترحت في مقالة سابقة مقاربة موضوع سقوط الموصل بيد تنظيم داعش من زاوية الصراع على مصادر الطاقة في المنطقة، دون ان ازعم ان ذلك هو التفسير الوحيد والنهائي او اقلل من شان العوامل الاخرى. هذا جزء مما ورد في المقالة:
"في نهاية العام 2012، تواترت أنباء عن أن المالكي أبلغ المسؤولين الأميركيين أنه قد يضطر لاستخدام القوة ضد محافظ الموصل، أثيل النجيفي، الذي كان يسعى إلى توقيع عقود مع شركات نفط دولية للاستثمار في حقول النفط، خصوصاً أنّ الأخير كان يشير إلى اكتشافات نفطية جديدة ستوفر الكثير من الموارد للموصل بمعزل عن الحكومة الاتحادية. ويبدو أن النجيفي كان ينسق مع حكومة إقليم كردستان ومع تركيا، التي تمثل الدّاعم الإقليمي الرئيسي له، لغرض السير باتجاه الاستقلال النفطي عن بغداد، بينما كان الأتراك يهدفون إلى دمج الموصل في مجال نفوذهم ليشمل كل شمال العراق، بعد تحسن علاقاتهم مع كردستان بل وإسهامهم الكبير في بناء أنبوب نفطي للإقليم مستقل عن بغداد. في المنظور التركي، فإنّ كردستان والموصل ستتحولان مستقبلاً إلى منطقة نفوذ تركية خالصة ومصدر الطّاقة الرئيسي للاقتصاد التركي.
وفي خطوة غايتها إفشال هذا السيناريو، قام المالكي باستصدار قرار عبر مجلس الوزراء بتقسيم نينوى إلى ثلاث محافظات، بإقامة محافظتين جديدتين في "تلعفر" و "سهل نينوى". وقد اعترض النجيفي على هذه الخطوة التي سبقتها الأحداث قبل أن تترسخ وتتحول إلى قانون، حين احتل "داعش" الموصل وكل محافظة نينوى. المعلومات عن محاولات النجيفي لإعلان إقليم نينوى من جانب واحد ظلت تتواتر، وقابلها شك من المالكي في أن النجيفي ينفذ سيناريو تركياً لتقويض سلطة بغداد.وقد أدّى استمرار الصراع بين الجانبين إلى تخريب أيّ خطوات جدية للتعاون في حفظ أمن الموصل والتصدي لمحاولات "داعش" اختراقه، لينتهي الأمر إلى خلق فراغ كبير بسبب عدم الثقة بالقوات الأمنية التي أرسلتها بغداد للمحافظة، وعدم ثقة بغداد بتوجهات حكومة المحافظة.. ومن هذا الفراغ نفذ "داعش" ببضع مئات من المقاتلين في ما كان يعتبره غزوة للثأر لأحد قادته، ليجد أن ثاني أكبر مدينة في العراق قد أصبحت فريسة سهلة بسبب فراغ السلطة وصراع النجيفي – المالكي."
.
.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat