آية الله عیسی قاسم: التكفير قضاء على الإسلام وعلى الأمة ألا تصادق التكفير
نص خطبة الجمعة السياسية لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز – 5 ديسمبر 2014م
من أحوال الأمم:
سبق كلامٌ في عوامل تقدّم الأمم، وأنه لا تقدّم كما ينبغي وعلى الحقيقة من دون القيادة الصالحة، والعامل الثاني لهذا التقدّم هو وحدة الكلمة، تقدّم الأمة التقدّم المتكامل وفي كل مسارات البناء الصالح النافع الرشيد محتاجٌ بالضرورة إلى أن تعيش الأمة وحدة الكلمة، وألاّ يكون تباعدٌ بين مكوّناتها، وألاّ تباعد بين مكوّناتها الآراء والنزعات والمصالح المتفرقة، وألاّ تفقد الجامع الذي يحميها من الإقتتال، ويقيها من الاحتراب بعد الاحتراب، والفتنة المهلكة بعد الفتنة.
وما كان للنموذج الأعلى للأمم الصالحة في الأرض، والذي تمثل في الأمة الإسلامية زمن حاكمية الرسول الأعظم “صلى الله عليه وآله” لها، ما كان له أن يكون لو أبتليت الأمة في داخلها بألوان التمزقات وسادتها فوضى الحروب البينية وكانت قبائل أو أحزاباً أو طوائف متقاتلة.
ما كانت قيادة الرسول الأعظم “صلى الله عليه وآله” وهي القيادة القمّة التي لا توازيها قيادة، ما كانت تلك القيادة العملاقة لتكفي لإيجاد الأمة الإسلامية القوّية الشامخة، لو كانت تلك الأمة طوائف متنازعة وأحزاباً متقاتلة.
ووحدة الأمة وكما سبق، لا تكون بلا تمحورٍ منها حول فكرةٍ بنّاءة أصيلة صالحة، ولقد كان تمحوّر هذه الأمة أيامه “صلى الله عليه وآله” حول أعظم رؤيةٍ وأصلح فكرةٍ وأحقّ مبدأ، وحول أعظم قيادة، وعندما كان تمحوّرها حول الإسلام والرسول وهما حبل الله المتين، بذلك كانت تلك الأمة العظيمة الشامخة العملاقة.
يقول الكتاب العزيز: “وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخواناً، وكنتم على شفى حفرةٍ من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلّكم تهتدون”.
ما كان أمام الأمة العربية يوم ذاك إلا نار دنياً ونار آخرة، لولا أن أنقذها الله بالإسلام والرسول “صلى الله عليه وآله وسلّم”.
تلك الأمة أناسٌ فرّقتهم الأفكار المتعددة الساقطة، والأهواء الأرضية السافلة، والعصبيات الجاهلية المقيتة، فأوهنتهم وتخلّفت بهم أشدّ التخلّف، ثم جمعت شتاتهم الفكرة الصالحة والرؤية الإلهية المُنقِذة، والأطروحة الرشيدة، ووحدت منهم الصفوف على هدى الله، وخلف القيادة الحكيمة القديرة من رسول الله “صلى الله عليه وآله”، وأنطلقت بهم على طريق البناء الرشيد ليكونوا من بعد ضلالهم وفرقتهم وتخلّفهم أهدى أمة، والأمة الأشدّ توحداً والأقوى والأبرز تقدّماً من بين الأمم.
وهذا ما ألتفت إليه أعداء الأمة من داخلها وخارجها قديماً وحديثاً، فأعطوا الكثير من الجهد والتفكير والتآمر على وحدة الأمة، ومن أجل تمزيق شملها، ولتتواجه قبائل وأحزاباً وقوميات ومصالح وطوائف وأقطاراً في خصومات دائمة وحروبٍ دموية طاحنة.
وقد وجدت المساعي الخبيثة لهدم وحدة الأمة وتمزيقها من التكفير وسيلة من أنجح الوسائل لتحقيق هذا الهدف، هو تكفير المسلم لأخيه المسلم على خلاف ما أنزل الله عزّ وجلّ، وجاء به الكتاب وبلّغ به الرسول “صلى الله عليه وآله”، تكفيرٌ لا يُبقي حرمة من حرمات المسلم في دائرة الإحترام، ويهدر منه كل حرماته.
وما أحدثه هذا التكفير الذي أخذ واقع الظاهرة في المجتمع المسلم ليس التباعد وخلق الفواصل الفكرية والنفسية في صفوف المسلمين وطوائفهم فحسب، بل حوّل الأمة في عددٍ كبيرٍ من أقطارها إلى أمة مذابح دموية داخلية جاهلية وأقتتال بشعٍ شنيع.
وإذا كان التكفير في أوّل ظهوره في تاريخ الأمة عن جهلٍ أو سوء نيّة فردية، فهو وليس لزمنٍ قريب فحسب تقف ورائه سياسة دولية معادية للإسلام والأمة الإسلامية.
وقد أغرت نتائج التآمر العدائي لديننا وأمتنا الأعداء، وما أمّدوا التنظيمات التي بنتها أيديهم الآثمة على أساسها وللترويج لها من قوةٍ باطشة، وثروة ممكنة، على مستوى الإنتشار الواسع لظاهرة التكفير والفاعلية المدهشة التي تمتلكها في تفسيق وحدة الأمة وجاذبيتها الهائلة لشبابٍ مغرّر بهم، وعلماء من طلاّب الدنيا والباحثين عنها، وحروبٍ جاهليةٍ موقعةٍ لأكبر الخسائر بالإسلام والمسلمين وثروة هذه الأمة، أغراهم ذلك بأن تستمر جهودهم في توسيع هذه الظاهرة والزيادة في إمتدادها.
وإذا كانت هناك ظاهرة تكفيرٍ تتخذ المذهب السني منطلقاً لها متحدثةً باسمه، مدّعية كذباً بأنها الممثل الحقيقي له دون من عداها ممن ينتسبون لهذا المذهب الإسلامي الكريم، فإنه صار في نظر الأعداء أن لابد من ظاهرة تكفيرٍ تتخذ المذهب الشيعي منطلقاً لها وتتحدث باسمه، وتدّعي أنها الممثل الحقيقي لهذا المذهب الإسلامي الشامخ كذلك.
والعمل جادٌ من أعداء الإسلام المتآمرين على الأمة، على تكوين هذه الظاهرة ودعمها وتغذيتها، وإيجاد الظاهرة الأخيرة من منطلق المذهب الشيعي، هذه الظاهرة العمل جادٌ من أعداء الإسلام المتآمرين على الأمة على تكوينها ودعمها وتغذيتها وإيجاد التنظيمات المتكفّلة برعايتها والقيام بها أو بنشرها والإخلاص لها وتعميمها، وكذلك تجييش الجيوش من أجلها.
وفي كلا التكفيرين قضاء على الإسلام والأمة الإسلامية، والعدواة من هذا التكفير أو ذلك التكفير ليس لهذه الطائفة بخصوصها، وليس لتلك الطائفة بخصوصها، التكفير السني عداوته للسني والشيعي، للإسلام كلّه، والتكفير الشيعي عداوته للسني والشيعي، للإسلام كلّه، ولذلك كان على الأمة الإسلامية ألاّ تصادق التكفير في خطّه السني ولا التكفير في خطّه الشيعي على الإطلاق.
النهایة
المصدر: فجر البحرین
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat