صفحة الكاتب : خيري القروي

عبد الرزاق عبد الواحد من رحاب الإمام الحسين ... إلى رثاء الطاغية صدام حسين ... ؟!
خيري القروي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشاعر هو أفضل من يستطيع التلاعب بالألفاظ , وقلب الحقائق رأسا على عقب , أفضل من يستطيع اللعب بالكلمات , لتزيين وجه القبيح وتشويه وجه الجميل , وتأثير الشعر يشبه تأثير السحر ولذلك قيل ( ان لمن الشعر لسحر) والفنون جميعها ممكن وصفها بالإعمال الساحرة ولذلك كان لها هذا التأثير العميق في نفوس الناس ولها الدور الكبير في صناعة الرأي العام وترسيخ المفاهيم في عقول الجماهير .
هناك ثمة رأي يقول ان أجمل الشعر أكذبه وليس أصدقه , ولعل هذا الرأي هو الذي وقع تحت تأثيره الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد وهو يكتب قصيدته العصماء في رثاء الطاغية صدام حسين جاعلا إياه في مصاف الإبطال الذي يجب ان يخلدهم التاريخ ويكتب أسمائهم بأحرف من نور , وهو وصف يخالف الواقع تماما ويتضاد مع الحقيقة التي يعرفها الناس جميعا كتضاد النور مع الظلام .
ان من كتب قصيدة رائعة ومؤثرة كقصيدة (في رحاب الحسين) ليس من المعقول ان يتردى الى الهاوية ويكتب قصيدة في رثاء يزيد عصره صدام حسين , فما الفارق بين يزيد الذي قتل الإمام الحسين , وصدام الذي قتل حسين عصره (محمد باقر الصدر) . والمعقول هو ان ينتفض الشاعر ضد الطاغية انتفاضة الحر الرياحي حينما اختار القتل بعزة وكرامة على ان يعيش عبدا ذليلا مع الظالمين. 
تعتبر قصيدة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (في رحاب الحسين) من روائع الشعر العربي الحديث بقض النظر عن رأينا في شخص الشاعر ومواقفه وصلته بنظام صدام حسين حين اختار الوقوف الى جانب الجلاد وليس الى جانب الضحية .والسؤال المطروح هل كان الشاعر مؤمنا بالمبادئ التي ثار من اجلها الإمام الحسين (العدل ..الحرية ..المساواة..مواجهة الظالم ونصرة المظلومين..قول كلمة الحق مهما كان الثمن ومهما كانت العواقب) . هذه هي العبرة التي يستخلصها كل معجب وكل متأثر بنهضة الإمام الحسين بعد ان اصبح الإمام الحسين راية لكل الثائرين على الظلم ورمزا للأحرار الرافضين لقيود الذل والعبودية , ورمزا لصراع الخير مع الشر , صراع النور مع الظلام .هذا هو الحسين وهذه هي معاني ثورته.. 
فما معنى ان يكتب الشاعر اجمل قصيدة في حق الإمام الحسين ولا يكون لتلك القصيدة معنى في قلب الشاعر او يكون لها ظلا على حياته وسلوكه وتصرفاته , هل كان الشاعر مؤمنا بالقيم والمبادئ التي من اجلها تفجرت تلك الثورة ..؟!
لو كان الجواب بالإيجاب لرأينا الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد مناصرا للأحرار من أبناء شعبه  ضد من أراد استعبادهم وإذلالهم وإهدار كرامتهم وسلب حريتهم وسوقهم كالمواشي الى ساحات حروب همجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل .   
حينما كان أبناء الشعب العراقي يموتون بعشرات الآلاف على مذبح شهوات الطاغية , يقتلون, ويسجنون , وينفون , ويشردون إلى أقصى بقاع الأرض , وذنبهم الوحيد هو انهم يحلمون بفك قيودهم وفتح صدورهم لاستنشاق ولو نسمة واحدة من نسائم الحرية , هل تحرك ضمير الشاعر من اجل هؤلاء الناس المظلومين , وقال كلمة (لا) الرافضة للظلم مثلما قالها الإمام الحسين الذي مدحه بقصيدته الرائعة , ومثلما قالها الكثير من الشعراء والعلماء والفنانين والمثقفين العراقيين ودفعوا ثمن ذلك غاليا قتلا وسجنا وتعذيبا وتشريدا وحرمانا ..؟!
 ولو وقف الشاعر موقف الصامت لاعتبرنا صمته احتجاجا على الواقع ولعذرناه , ولكنه لم يفعل ذلك , بل ارتضى لنفسه ان يكون بوقا من أبواق النظام الدكتاتوري الحاكم , وأداة من أدوات الدعاية الرخيصة لأبشع نظام حكم في العصر الحديث . ولو اعتذر الشاعر للشعب العراقي بعد زوال النظام الحاكم , اعتذر عن مواقفه السابقة , وقلب صفحة جديدة , لاحتسبنا ذلك فضيلة له , ولكنه لم يفعل , بل فعل ما هو ادهي وأمر , فعل ما يدعوا الى الحيرة والعجب 
وهو بكائه على فرعون زمانه ورثائه بقصيدة عصماء جاعلا منه بطلا من الإبطال وعظيما من العظماء وشهيدا يستحق الثناء والخلود ..؟!
لا أظن ان الشاعر كان يجهل حقيقة صدام حسين وهو من القريبين منه والمعاصرين له ..هو يعرف جيدا من هو صدام حسين مثلما يعرفها الشعب العراقي ويعرفها العالم كله , ولكنه تجاهل هذه الحقيقة تماما وقدم لنا وللعالم مرثيته التي نجح في صياغتها فنيا وفشل في تسويقها إنسانيا , لأنه وصف لنا ملاكا سماه صدام حسين , ولا ادري كيف سمح لنفسه بان يجمع ما بين المتناقضات التي لا يمكن أن تجتمع أبدا , كيف يجتمع النور مع الظلام ..الخير مع الشر ..الفضيلة مع الرذيلة ..؟!
ان هذا الإنسان الذي وصفه الشاعر ليس هو صدام حسين الذي يعرفه الشعب العراقي تمام المعرفة حتى أصبح يتقزز من هذيانه اليومي المفروض سماعه طيلة عقود من الزمن , وحرم الناس من سماع أي صوت آخر غير صوته البغيض حتى أصبح نصب الستلايت لسماع الصوت الآخر جريمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام وحرم الإنسان العراقي من اقتناء الموبايل الذي اقتنته حتى (الرعيان) في بلدان مجاورة , وساوى بين مدن العراق بان جعل في كل مدينة مقصلة وسجن ومقبرة جماعية ..!
صدام حسين الموصوف في هذه القصيدة لا وجود له في أذهان العراقيين , انه من اختراع مخيلة شاعر ربط تاريخه الأدبي بتاريخ النظام الحاكم وحينما سقط النظام لم يستوعب ذلك ولم يصدقه وهو ليس مستعدا للاعتراف بأنه كان على خطأ , ليست لديه الروح الرياضية للاعتراف بالخسائر الفادحة التي لحقت به جراء سقوط النظام , ولا خروج له من هذا المأزق الذي أوقع نفسه فيه إلا بتبرئة صدام من مساوئه وإبدالها بمحاسن ليست فيه , أي انه وجد نفسه مضطرا لعكس الحقائق من اجل تبرير مواقفه وعدم إلغاء تاريخه . فبدا موقفه غريبا , فهو كمن يريد ان يقول للناس ان الشمس مشرقة وهم في ظلام الليل او ان الظلام مخيم وهم في وضح النهار .
وهذه ليست محنة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد فقط , بل هي محنة كل الذين سايروا الظلمة من اجل تحقيق مصالحهم الذاتية واستغل هؤلاء الظلمة نقطة الضعف هذه في داخل الإنسان محاولين ربط مصالح الناس بمصلحة النظام الحاكم حتى إذا ما تعرض للخطر هب الناس ليس للدفاع عن الحاكم الظالم بل للدفاع عن مصالحهم هم وليس عن أي شيء آ خر ..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خيري القروي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/04



كتابة تعليق لموضوع : عبد الرزاق عبد الواحد من رحاب الإمام الحسين ... إلى رثاء الطاغية صدام حسين ... ؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : حميد ، في 2017/06/20 .

كيف تصف محمد باقرالصدر بانه حسين العصر
انت لا تفهم شيئا على الاطلاق .





حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net