بسم الله الرحمن الرحيم
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى{128}
تسلط الآية الكريمة الضوء على التذكير بأحوال الامم السابقة ( أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ) , يتبين لكم يا اهل مكة , ( كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ ) , كثرة الاقوام التي اهلكها الله تعالى , بسبب كفرهم وتكذيبهم لرسلهم وانبياءهم , ( يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ) , حيث يمرون على مساكنهم , ويشاهدوا ويقفوا على اثار هلاكهم , ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ) , كفى بذلك عبرة وعظة , ( لِّأُوْلِي النُّهَى ) , اصحاب العقول الراجحة , يتناهون عن المنكر وكل قبيح من فعل او قول , عقيدة او مبدأ ... الخ .
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى{129}
تبين الآية الكريمة ( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ) , بتأخير عذاب هذه الامة الى يوم القيامة , ( لَكَانَ لِزَاماً ) , للزم وقوع الهلاك عليهم , كما لزم هلاك الاقوام السابقة , كعاد وثمود وغيرهم , ( وَأَجَلٌ مُسَمًّى ) , يختلف فيها المفسرون , كونها نهاية الاعمار , ام موعدا لحلول العذاب .
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى{130}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" في محورين :
1- ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) : يوصي النص المبارك النبي الكريم محمد "ص واله" بالصبر على يقوله الكفار .
2- ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ) : يذكر النص المبارك اهم الاوقات للصلاة او التسبيح .
ثم تختتم بــ ( لَعَلَّكَ تَرْضَى ) , طمعا في نوال الاجر والثواب , ما يسرك ويرضيك .
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى{131}
القرآن الكريم في سياقة يخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" والمعني اما كافة الناس او كافة المسلمين , ففي الآية الكريمة خطابا مباشرا له "ص واله" يبدأ بالنهي ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ) , نظرهما , ( إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ ) , استحسانا وتمني مثله , ( أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ ) , اصنافا من الكفار , ( زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا ) , بهجتها وزينتها , ( لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ) , يبين النص المبارك الغاية من ذلك وهي الاختبار , ( وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) , ما عند الله اكثر وادوم بقاءا .
( عن الصادق عليه السلام لما نزلت هذه الآية أستوى رسول الله جالسا ثم قال من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس طال همه ولم يشف غيظه ومن لم يعرف أن لله عليه نعمة الا في مطعم ومشرب قصر أجله ودنا عذابه ) . "تفسير القمي" .
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى{132}
يستمر الخطاب الالهي للنبي الكريم محمد "ص واله" ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ) , ادائها في اوقاتها والمحافظة عليها , ( وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) , الطاعات واداء الفروض والمحافظة عليها يستلزم الصبر , ( لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ) , لا نكلفك رزقك ورزق اهلك , الله تعالى تكفل بذلك , ( وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) , اما العاقبة المحمودة "الجنة" فلأهل التقوى .
( عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال أمر الله نبيه أن يخص أهل بيته وأهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست لغيرهم فأمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى{133}
تروي الآية الكريمة عن الكفار قولهم ( وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ ) , هلا جاءنا بعلامة او بينة او دليل تدل وتصادق وتؤكد صدقه في ادعاءه للنبوة , ( أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ) , تضمن النص المبارك ردا على مقالتهم تلك , والصحف الاولى التوراة والانجيل وغيرهما , زبدة ما فيهما من عقائد واحكام قد اشتمل عليه القرآن الكريم .
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى{134}
تبين الآية الكريمة ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ ) , ولو ان الله تعالى اهلكهم بعذاب قبل بعثته "ص واله" , ( لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ) , لقالوا عندئذ , ربنا هلا ارسلت لنا رسولنا يدلنا عليك ويرشدنا الى طريقك القويم , ( فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ) , فنتبع ما يأتي به الرسول من عندك من حجج ودلائل وبراهين , ( مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ) , من قبل ان نتعرض للذل بالقتل والسبي في الدنيا , ونخزى او ننال الخزي في الاخرة .
قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى{135}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ ) , قل لهم يا محمد , ( كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ) , كل منتظر ما ستؤول اليه عاقبة امره , ( فَتَرَبَّصُوا ) , فانتظروا عاقبة امركم , ( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ ) , المستقيم , الوسط , ( وَمَنِ اهْتَدَى ) , ومن اهتدى من الضلال , نحن وما نحن عليه , ام انتم وما انتم قائمون عليه .
( في حديث قيل ومن الولي يا رسول الله قال وليكم في هذا الزمان أنا ومن بعدي وصيي ومن بعد وصيي لكل زمان حجج الله لكيلا تقولون كما قال الضلال من قبلكم فارقهم نبيهم ربنا لولا أرسلت الآية وإنما كان تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات وهم الأوصياء فأجابهم الله قل كل متربص الآية وإنما كان تربصهم أن قالوا نحن في سعة من معرفة الأوصياء حتى يعلن إمام علمه ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat