أمريكا لا عتاب معها !
علي جابر الفتلاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي جابر الفتلاوي

أمريكا تريد من التحالف الوطني أن يكون مستسلما لينهش لحمه الآخرون ، عندما نسمع بشروط القائمة السنية التي تريد 40 % من تشكيلة الحكومة ، والكرد 25 % والأقليات 5 % ،والتحالف المسكين يبقى له 30 % .
هل ترى أمريكا التي تتكلم باسم السنة اليوم أنّهم الأغلبية والشيعة هم الأقلية ؟
أرى النسب التي يطرحها الكرد والسنة هي المطلوبة من أمريكا والسعودية وتركيا وقطر وبقية دول الشر الطائفية في المنطقة ، وأنّ الهجمة التي تقودها أمريكا على شيعة العراق التي بدأت بإزاحة المالكي عن استحقاقه الإنتخابي ، سببها التحالف الوطني الذي ظهرالصراع واضحا بين مكوناته فبدا إلى الآخرين ضعيفا وهو يمزق أوراقه القوية بيديه ، يبدو أنّ الخطة الأمريكية تسير في إتجاهها المرسوم ، فهل سيعي التحالف الوطني هذه الحقيقة ؟
يؤسفني أنّ أطرح اسم الشيعة والسنة والكرد والأقليات بدل القول الشعب العراقي لكن هذا ما تريده أمريكا ، وجعلته أمرا واقعا يتداوله جميع الأطراف ، بل ويعملون على تأصيله تمهيدا لتقسيم العراق حسب المشروع الأمريكي الذي تؤيده دول الشر في المنطقة الداعمة لإسرائيل ، ويؤيده الكرد وبعض السياسيين المحسوبين على المكون السني المدعومين من دول الشر الطائفية ، وربما يؤيده بعض السياسيين الشيعة لأغراض شخصية ومصلحية ، ويبدو لي أنْ لا خلاص من هذا الطرح الطائفي والقومي المفرّق للشعب العراقي ، لأنّ بعض السياسين من جميع الأطراف يتناغمون معه بحجة الفيدرالية ، لكن هل يعلم هؤلاء السياسيون أنهم أصبحوا جزءا من مشروع تقسيم العراق الذي تطالب به أمريكا اليوم بقوة ؟
لا عتب مع أمريكا ، لأنها فاقدة للغيرة والقيم والمبادئ والإنسانية ، ولا تتحرك إلّا وفق مصلحتها والمصلحة الصهيونية ، والكل شاهد حالة الفرح الأمريكية بعد أنْ كلف رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم رسميا الدكتور حيدر العبادي لتشكيل الحكومة ، ليس أمريكا فحسب بل ظهرت إلى العلن موجة من الفرح العارم من قبل أعداء العراق وأعداء العملية السياسية في داخل العراق وخارجه ، ليس حبا في العراق وشعبه ، بل لأنهم تخلصوا من المالكي ، كذلك ملأ الفرح نفوس بعض السياسيين المنافسين للمالكي ، الذي لفت الإنتباه في موجة الفرح هذه أنها ضمت دعاة الخير والشر ، دعاة الشر لأن المالكي كان سدّا مانعا بوجه مخططاتهم ومشاريعهم التخريبية التي يريدون تنفيذها في العراق ، ودعاة الخير من السياسيين لأنّ المالكي كان منافسا قويا للبعض منهم ، سيما وأنّ هؤلاء السياسيين طامحون في الحصول على امتيازات ومكاسب خارج السياقات الدستورية والاستحقاق الإنتخابي أما المتخوف الآخر من أهل الخير، فمن باب الحرص على العراق من ردّة فعل الأعداء لو بقي المالكي متمسكا باستحقاقه ، خاصة بعد تسليم الموصل إلى داعش بالتعاون بين أعداء العراق في الخارج وأصدقائهم في الداخل .
الدول الطائفية المعادية للعراق تفاهمت مع أوباما لمنع المالكي عن استحقاقه الإنتخابي ، وبدأ نشاطهم المعادي هذا منذ إعلان نتائج الإنتخابات الأخيرة للبرلمان بالتنسيق مع أطراف سياسية عراقية ، واتفقت هذه الأطراف على إيجاد بديل للمالكي مهما كلف الثمن ، فكان تسليم الموصل إلى داعش جزءا من هذا السيناريو ، والهدف النهائي لأمريكا وحلفائها من تغيير المالكي ، هو إزالة العقبة الكبيرة في تحقيق هدف تقسيم العراق إلى فيدراليات ثلاث على أساس قومي أو طائفي ، وهذه رغبة الصهيونية الدولية ، والعراق جزء من مشروع تقسيم دول المنطقة إلى دويلات صغيرة متناحرة خاصة تلك المحسوبة على صف المقاومة.
المحور المعادي للعراق عرف إنّ المالكي من أشد المعارضين لمشروع التقسيم على أساس طائفي أو عرقي أو مناطقي تحت مسمى الفيدرالية ، عليه لابد من التخلص منه بأي وسيلة أو ثمن ، بالتعاون مع أطراف داخلية وإقليمية ، ولا عتب على أمريكا عندما تتآمرعلى العراق لكن العتب على بعض السياسين العراقيين الذين يتعاونون معها لخدمة هدفها في تقسيم العراق ، تلبية لرغبة إسرائيل والدول الطائفية المتعاونة معها ، دخل أوباما على خط الأزمة بقوة ، وأخذ يطالب بسرعة تشكيل الحكومة من قبل المكلف حيدر العبادي ، ولكن بشرط التنازلات التي يريدها أوباما ومحور دول الشر في المنطقة ، على ضوء ذلك أعلن الكرد شروطهم ، وكذلك السياسيون المحسوبون على المكون السني حلفاء السعودية وقطر وتركيا ، أعلنوا شروطهم وهم يعلمون أنّ قسما منها خارق للدستور والسيادة الوطنية ، وبعضها من إختصاص البرلمان ولا علاقة للسلطة التنفيذية بهذه الشروط التعجيزية ، وفي 31 آب بشّر العبادي بموافقة الكتل على البرنامج الحكومي ، وأعلن أنه سيتم أعلان التشكيلة الحكومية نهاية الأسبوع .
المواقف الأمريكية تأتي استجابة لطلبات دول النفط العربي التي تدفع بسخاء إلى أمريكا لاستمرار ضمان الدعم لنظمها الوراثية المتهرئة من جهة ، ولاستمرارالدعم لمواقفها المتقاطعة مع تطلعات شعوبها في الحرية والديمقراطية ، ومواقفها للتدخل في شؤون الدول المجاورة من جهة أخرى ، وليس هذا فقط بل تدفع السعودية وقطر ملايين الدولارات للسياسيين بشكل شخصي وخفي لشراء المواقف ، لقد صعقت السعودية وقطروتركيا والأردن ودول أخرى تقع ضمن دائرة النفوذ الأمريكي عندما أعلن عن الفوز الساحق لدولة القانون في الإنتخابات الأخيرة ، وصعقت أكثرعندما رشحت دولة القانون نوري المالكي لدورة جديدة ، الأمرالذي دفع الدول الطائفية وأمريكا لمساندة السياسيين العراقيين العاملين ضمن محورهذه الدول المعادية للعملية السياسية ، ودعمهم من أجل إفشال ترشيح المالكي وحجبه عن استحقاقه الإنتخابي تحت شعار ( المقبولية الوطنية ) ، التي تتكلم عنها الدول المعادية ، ويتكلم عنها السياسيون التابعون لمحور هذه الدول ، ويتكلم عنها أيضا السياسيون الطامحون بمكاسب خارج الإستحقاق الإنتخابي .
إنّ المقبولية الوطنية لا تتحقق من خلال الهوس والتهريج الإعلامي ، بل بالآليات الديمقراطية التي تلزم رئيس الجمهورية تكليف ممثل الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة بعدها يطرح أسم المكلف مع الوزراء للتصويت في البرلمان ضمن المدة الدستورية فإنْ فشل المكلف في الحصول على نسبة النصف زائدا واحد أو أكثر ، هذا يعني أنّ المكلف لم يحصل على المقبولية الوطنية ، ويجب استبداله في هذه الحالة بمرشح آخر ، وعليه أنْ يحصل على المقبولية الوطنية أيضا من خلال التصويت داخل قبة البرلمان ضمن المدة الدستورية .
أدرك المالكي حجم المؤامرة ، وانطلاقا من مسؤوليته الوطنية وحرصا على العراق ومن أجل غلق الباب أمام أعداء العراق في إثارة المشاكل ، وكون المكلف الدكتور العبادي من نفس الكتلة ، وكلاهما من مدرسة واحدة وأستاذهما واحد ، انسحب المالكي من الترشيح وتنازل عن حقه الدستوري لأحد أفراد البيت ، فجاء تكليف العبادي بديلا عن المالكي أعادة لشعور الإطمئنان إلى الشعب العراقي ، لأن العبادي والمالكي ينهلان من منهل واحد وكلاهما لا يختلفان إلا في شيء واحد على قول أحد الفضلاء ( فأحدهما طويل القامة والآخر قصير ) ، عليه نتمنى للدكتور العبادي النجاح في مهمته لخدمة شعبه ووطنه العراق .
أما الموقف الأمريكي فقد جاء متوافقا لصحيات حجب المالكي عن استحقاقه الانتخابي ، واستخدم أوباما أسلوب التهديد المبطن في حالة عدم استبدال المالكي بمرشح آخر ، في تقديري كان المشروع تكليف شخصية من التحالف الوطني من خارج كتلة دولة القانون لكن إصرار كتلة دولة القانون بقيادة نوري المالكي على استحقاقها الإنتخابي حال دون ذهاب الإستحقاق خارج الكتلة ، ومع هذا لا زال البعض من السياسيين يراهن حتى بعد التكليف لأفشال تكليف العبادي من خلال طرح الشروط التعجيزية .
في تصريح لأوباما إلى الإعلام بعد تسليم الموصل إلى داعش ، قال عبارته الوقحة التي تضمر تهديدا إلى العراق : (( إحذروا انهيار البيت )) .
بعدها أطلق أوباما سيلا من التصريحات التهديدية التي يضغط فيها باتجاه إسقاط الحق الإنتخابي لدولة القانون ، وجاء التهديد الأمريكي المبطن متوافقا مع الشروط المسبقة لبعض الكتل السياسية الكردية والعربية المحسوبة على السعودية وقطر وتركيا ، وازدادت نبرة التهديد بعد تداعيات احتلال الموصل من داعش ، إذ أعلن أوباما صراحة تدخله في عملية تشكيل الحكومة ، وظهر التدخل الأمريكي العلني في شؤون العراق الداخلية عندما طلب بايدن تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات على أساس الطائفة والقومية ، ونستوحي من تصريحات أوباما وبقية المسؤولين ، أنّ أمريكا على علم بدخول داعش إلى الموصل ، بل هي وحلفاؤها من دول المنطقة والسياسيون داخل العراق التابعون لهم ، سهلوا وساعدوا على دخول داعش إلى الموصل ، والمراقب والمتابع يرى أوباما هذه الأيام ناطقا باسم سنة العراق ، وفي الحقيقة هو يتكلم نيابة عن السياسيين المحسوبين على المكون السني والتابعين للمحورالسعودي القطري التركي ، والذين قسم منهم مطلوبون للقضاء العراقي مثل طارق الهاشمي والدايني والعيساوي وغيرهم .
وقد أعلن أوباما صراحة عن موقفه المنحاز هذا في لقائه مع الصحفي الأمريكي (توماس فريدمان) عندما قال أنه لم يساند الحكومة العراقية بمجرد دخول ( داعش ) إلى إلعراق لأنّ ذلك كان (( سيخفف الضغط على نوري المالكي والشيعة الآخرين للتفكير بأنه ليس علينا في واقع الأمر أن نقدم تنازلات )) هذا الكلام الصريح والواضح يجيب على كثير من تساؤلات العراقيين ، منها عن سبب سكوت أمريكا عندما دخلت داعش الموصل ، وهي التي تتحرك على مرآى الأقمار الصناعية الأمريكية ، وهذا يعني أنّ داعش هي إحدى أوراق الضغط الأمريكية على الحكومة العراقية والهدف الحصول على(تنازلات) !
يا ترى ما هي التنازلات التي تطالب بها أمريكا ؟ ولمن تقدم هذه التنازلات ؟
هذه التساؤلات أجاب عنها أوباما ، عندما تكلم نيابة عن السياسيين العراقيين المحسوبين على المكون السني التابعين للمحور الأمريكي السعودي القطري التركي على وجه التحديد ، علما إنّ هؤلاء السياسيين لا يمثلون السنة الوطنيين الحريصين على العراق وعلى مصلحة شعبه ، بل يمثلون خط طارق الهاشمي والدايني والعلواني والضاري والعيساوي الطائفي ، وكلهم مطلوبون للقضاء العراقي بتهمة الإرهاب ، وفي آخر حديث لأوباما 28 / 8 / 2014 م قالها صريحة :
( إنّ أبناء المكون السني في العراق يشعرون وكأنه لا توجد حكومة تهتم بهم ) ويقصد السياسيين المتعاونين معه المحسوبين على المكون السني ، والذين يستوحون مواقفهم من الدول الطائفية في المنطقة التي تتدخل في شؤون العراق وشؤون دول المنطقة ، خاصة تلك التي تعيش مايسمى أحداث ( الربيع العربي ) الذي تحول إلى كابوس رعب لشعوب هذه الدول .
شدد أوباما (على ضرورة أن يشعر السنة أنهم ممثلون بحكومة فاعلة ) وأضاف (إننا قادرون على اجتثاث داعش في العراق ولكن المشكلة بالأساس داخلية) وقال:
( عند دخول مسلحي تنظيم داعش إلى مدينة الموصل كانت هناك مشاكل كبيرة واتصلنا بالحكومة العراقية ألا أن رئيس الوزراء نوري المالكي لم يستجب أو يقر بوجود مشاكل في المناطق السنية) يقصد من يمثل المجموعات الإرهابية من السنة نلاحظ أوباما يتحدث عن السنة ، وكأنه سني أكثر من السنة ، ولا نعني المكون السني لأن السنة العراقيين الشرفاء يرفضون أن يتكلم أوباما نيابة عنهم أو يتكلم باسمهم ، بل يتكلم أوباما نيابة عن السياسيين السنة التابعين للمحور السعودي القطري التركي ، بمن فيهم المتورطون بالإرهاب والهاربون من القضاء العراقي ولهجة أوباما في الحديث لا تختلف عن لهجة طارق الهاشمي أو الضاري أو العيساوي أوغيرهم ممن تورطوا بجرائم الإرهاب ضد أبناء الشعب العراقي والشعب يعرف إنّ هؤلاء السياسيين السنة المتورطين بالإرهاب هم استمرار لخط داعش ، وأوباما عندما يتكلم عن الخط السني لا يختلف كلامه عن كلام السعودية أو قطر أو تركيا ، وسبق أن ذكرنا أنّ المواقف الأمريكية هي صدى لمواقف أمراء النفط العربي .
لقد برز أوباما بعد الإنتخابات العراقية كطرف معادي للشعب العراقي ، منحاز لدعاة الإنفصال والتقسيم والطائفية ، ومنحاز للخط السياسي البعثي والفصائل الإرهابية ، المدعوم من محوردول الشر في المنطقة ، وأخذ يتكلم باسمهم وكأنه واحد منهم ، وانتساب هؤلاء إلى المكون السني لا يعني أنّ المكون مسؤول عن أفعالهم ، بل نعتبر المكون السني أحد ضحايا أرهاب هؤلاء المدعومين من أمريكا والسعودية وقطر وتركيا وبقية دول محور الشر .
هذا هو الموقف الأمريكي المنحازلجانب قوى الشر بشكل عملي ومفضوح ، وهذه هي الحرباوية الأمريكية المستوحاة من مواقف شيوخ دولارات النفط الخليجي المدفوع ثمنها سلفا ، والمستوحاة أيضا من النصائح الصهيونية ، وخير مثال على ازدواجية الموقف الأمريكي موقفها من داعش عندما غيرت وجهتها من بغداد باتجاه أربيل ، إذ تحرك أوباما بسرعة ومنع تقدم صنيعتهم ووحشهم داعش نحو أربيل عاصمة المصالح الأمريكية حسب ادعائه ، في حين وقفت أمريكا متفرجة عندما دخلت داعش الموصل ، بل أطلق أوباما سيلا من التصريحات ضد الحكومة العراقية ليس هذا فحسب ، بل رأينا أمريكا متلكئة في تسليم الأسلحة التي اشتراها العراق منها باتفاقيات رسمية .
بعد كل هذه الشواهد ، ربّ سائل يسأل هل أمريكا تستحق أن تعاتب عندما تقوم بهذه المواقف المزدوجة ؟
الجواب لا عتاب مع أمريكا ، لأن العتاب لمن يمتلك الغيرة والإنسانية والقيم ، وهذه المعايير كلها مفقودة في السياسية الأمريكية !
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat