يتحقق إضطراب مقصود في تأزيم العلاقة ما بين الدين والمذهب , مما يؤدي إلى إنحرافات سلوكية وتداعيات ضارة بالمذهب والدين.
وكل دين فيه مذاهب أو مدارس وتشعبات متعددة , ولا يخلو أي دين من ذلك , وخصوصا الأديان السماوية الثلاثة , أما غيرها من الأديان ففيها من التفرعات والتعددات ما لا يخطر على بال.
وتشعب الدين الواحد ومسارات المذهبية فيه , ليست جديدة , وإنما هي معروفة في الأديان القديمة , في سومر وأكد وآشور وبابل , وفي الديانات المصرية , وغيرها من ديانات الأرض السالفة.
ولا يزال هذا السلوك مرافقا لأي منطلق عقائدي وإجتماعي , فالأحزاب تتفرع أو كما يقال تحصل فيها إنشقاقات , والعائلة الواحدة تتفرع , والعشيرة كذلك ولهذا فيها الأفخاذ وغيرها من المسميات.
والأرض الواحدة تعددت وتنوعت جغرافيا , وأصبحنا نعيش في قارات وأوطان , والوطن تعدد ما فيه بتقسيمات إدارية متنوعة.
تلك حالة سلوكية خلقية لا تشمل البشر وحسب وإنما جميع المخلوقات الأرضية , وربما تكون قانون كوني وثابت وجودي , يتحكم بإرادة الديمومة والتواصل والبقاء المحكم المنضبط , وفقا لنواميس نعرف بعضها ولا نعرف الكثير منها.
ولهذا فأن تفرع الأديان إلى مذاهب سلوك طبيعي , وضروري لإستمرار الدين , والمذهب في حقيقته مدرسة ورؤية وإقتراب وفقا لوعي وإدراك معين , ينطلق من فرد أو مجموعة أفراد , ويتم البناء عليه وتطويره والبحث في معانية ومنظاره , وآليات تفاعله وفهمه ضمن منظومة الدين الذي أوجدته.
ويكاد جميع أئمة المذاهب والمدارس الدينية , يتفقون على أن المذهب عبارة عن عمود من أعمدة الدين الذي يكون خيمتها جميعا.
ولا يمكن للمذهب أن يكون خيمة لوحده , لأنه سيضيع في متاهات التلاحي والخسران , أي أن المذهب لا يمكنه أن يكون دينا , وإنما تعبيرا عن الدين وفقا لمنظار ورؤية ذات معايير وضوابط وأدلة وبراهين.
والمذهب طريق لدين وليس دين , وسبيل لمعرفة الدين , والتفاعل الصادق مع جوهر القيم والمفاهيم الأساسية للدين.
وفي مجتمعاتنا يتحقق إنحراف وتشويه لمعنى المذهب والدين.
فترى الناس تتمترس في مذاهبها , وتحسب أنها صاحبة الحقيقة المطلقة وغيرها على ضلال وإنحراف , مما دفع إلى سلوكيات لا تمت بصلة للدين, من تكفير وتضليل ورجم بالغيب وتدمير للبلاد والعباد.
وتم الإستثمار في هذه الإنحرافات الفكرية والتعبيرية عن هذه المدرسة أو تلك , وفقا لمجتزءاتٍ تعمي الناس عن رؤية المفاتيح الأساسية للدين , وتدفعها إلى الغلو والتطرف والقيام بأعمال السوء النكراء , وهي تدّعي الدين.
والآخرون من غير الدين لا يفهمون , إلا أن هذا يمثل الدين , وأن الدين آثم لأن أبناءه يتقاتلون ويدمرون ويخربون , وكأنهم لا يؤمنون بالرحمة والمحبة والألفة والسلام والتسامح.
وهذا يعطي صورة سلبية عن الدين ويحقق العدوانية عليه , وهو يقول ويبشر بأن أبناء الدين هم أعداء دينهم فكيف بالذين ليسوا بالمنتمين لهذا الدين.
أي أن التفاعلات الجارية بسبب الإنحرافات الإدراكية العقائدية , يتم توظيفها لإعطاء المبررات والتسويغات اللازمة للإنقضاض على الدين.
فهل من صراط مبين , ورؤية واضحة , وإرادة توحيدية , تعبّر عن معاني الوحدانية والرحمة والرسالة الإنسانية للدين , بعيدا عن السلوك المتصاغر المتجاهل لقيم ومبادي الدين العريقة السمحاء التي جاءت لهداية بني البشر كافة؟!!
وهل سنرعوي ونتعلم أن المذهب قوة للدين وليس دينا يهدم الدين!!

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!