بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً{61}
الاية الكريمة تسلط الضوء على ثلاثة امور :
1- خلق ادم (ع) : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ) .
2- طاعة الملائكة (ع) للامر الالهي : ( فَسَجَدُواْ ) .
3- عصيان ابليس اللعين للامر الالهي : ( قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) , وهنا اللعين يرفض الامتثال للامر الالهي معللا السبب ( أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) , فيرى لنفسه الافضلية .
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً{62}
تنقل الاية الكريمة كلام ابليس اللعين ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) , اخبرني ان هذا الذي فضلته عليّ وامرتني بالسجود له , لم فضلته عليّ وانا خير منه ؟ , ( لَئِنْ ) , لام قسم , ( أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) , يقسم اللعين انه لو قدر الله تعالى له البقاء الى يوم القيامة فأنه ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ) , لاستأصلن ذريته بالاغواء والانحراف , لكن ليس جميعهم بل ( إَلاَّ قَلِيلاً ) , وهؤلاء القليل هم المؤمنون الخلص ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) .
قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً{63}
تروي الاية الكريمة رد الباري عز وجل على ابليس اللعين , ( قَالَ اذْهَبْ ) , فيها امرين :
1- طرد لابليس اللعين .
2- انظار له ( لعنه الله) الى يوم القيامة , فيحول بينه وبين ما سولت له نفسه .
ثم تستمر الاية الكريمة في البيان ( فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ ) , يبين النص المبارك ان جزاءه ( لعنه الله) وجزاء اتباعه ( جَهَنَّمَ ) وهي مصيرهم المحتوم , ( جَزَاء مَّوْفُوراً ) , معدّ موفر كاملا .
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً{64}
تستمر الاية الكريمة بنقل الرد الالهي على ابليس اللعين :
1- ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) : استخف من تمكنت من استخفافه بالاصوات الداعية للفساد كالغناء والمزامير ... الخ .
2- ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) : ( وَأَجْلِبْ ) من الجلبة , اي صح عليهم , ( بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) , بفرسان ومشاة الشياطين اتباعك , حيث ان لابليس اللعين اعوانا من الشياطين , يعينوه على اغواء الناس .
3- ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ) : الاموال المحرمة , والاولاد غير الشرعيين او ذوي سوء الخلق , وايضا تكون مشاركة الشيطان اللعين لابن ادم في كل ما لم يسم في اوله , كالاكل والجماع ... الخ .
4- ( وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ) : ( وَعِدْهُمْ ) , الوعود الشيطانية التي يمني بها انصاره واتباعه كثيرة منها ان لا بعث ولا جزاء , وايضا تأخير التوبة لطول الامل ... الخ , ( وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ) , كل وعود الشيطان مزيفة , غير صحيحة ولا سليمة , ولا امل فيها , ولا اعتبار لها , والغرور هنا هو تزيين الاخطاء بما يوهم انها صواب .
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً{65}
تبين الاية الكريمة مقررة ( إِنَّ عِبَادِي ) , اضاف الباري جل وعلا العباد الى نفسه , وهي ردا على ما قاله اللعين {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }الحجر40 , ( لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) , ليس لك عليهم من سلطة او قوة , وليس لك نفوذا عليهم , كي تتمكن من التغرير بهم , ( وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ) , كفى به جل وعلا حافظا لهم منك ومن شرك و من كيد اتباعك واعوانك .
رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً{66}
تستمر الاية الكريمة في البيان والتذكير ( رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ ) , يسخر ويهيأ الاسباب التي تمكن السفن من الجريان في البحر , ( لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ) , بالتجارة والسفر لقضاء الحوائج ... الخ , ( إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) , حيث سخر واعدّ وهيأ لكم كل ما تحتاجون عليه , في كل الموارد التي تتعسر عليكم .
وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً{67}
تبين الاية الكريمة ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ) , كعاصفة هوجاء , وخفتم الغرق , ( ضَلَّ مَن تَدْعُونَ ) , تاه وابتعد عنكم كل ما كنتم تدعونه في الرخاء , ( إِلاَّ إِيَّاهُ ) , فلا ترجون النجاة الا منه جل وعلا , فتفزعون اليه بالدعاء , ( فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ) , تركتم واعرضتم عن توحيده جل وعلا , وعدتم الى الكفر بالنعمة , ( وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً ) , النص المبارك في مورد تعليل الاعراض عن التوحيد , فيبين ان الانسان كثير الجحد لنعم المنعم جل وعلا .
أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً{68}
تبين الاية الكريمة موضحة ( أَفَأَمِنتُمْ ) , نجوتم من الغرق , فأمنتم :
1- ( أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ) : شعرتم بالامان عند وصولكم البر , ونسيتم او تناسيتم انه جل وعلا قادر على ان يضربكم بالخسف , كما خسف بالذين من قبلكم .
2- ( أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ) : او امنتم ان يسلط عليكم الحاصب وهي الريح التي ترمي الحصى , كما فعل بقوم لوط (ع) .
بعد ان بينت الاية الكريمة جانبين من موارد العذاب الالهي اختتمت بــ ( ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً ) , في حالة النجاة الاولى من الخطر , لا يعني الامان والاستقرار , فهو جل وعلا قادر ان يسلط عليكم انتقاما وعذابا اخر , من حيث احتسبتم او من حيث لم تحتسبوا , في ذلك الحين , لا تجدون حافظا وحاميا لكم .
من مجملات مضامين الاية الكريمة انها بينت ان لا امان ولا استقرار مع الكفر والجحد بنعم الله تعالى ذكره ومجده .
أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً{69}
تستمر الاية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة مضيفة ( أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى ) , ان تعودوا الى ركوب البحر مرة اخرى , ربما لنفس الاسباب او لغيرها , فحاجتكم للسفر خلاله لم تنته عند هذا الحد , بل هي مستمرة , ( فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ ) , عند ذاك , يرسل عليكم ريحا ما مرت بشيء الا وكسرته , ( فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ) , فيحل بكم الغرق , الذي فرحتم بالنجاة منه في المرة الاولى , وسبب الاغراق هو كفركم , ( ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً ) , في مثل هذه الحالة لا تجدون لكم ( تَبِيعاً ) ناصرا او مطالبا يطالب لكم بصرف تلك الريح ومنع الغرق .
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{70}
تنعطف الاية الكريمة لتضيف مبينة ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) , لهذا التكريم جوانب لا حصر لها , فنذكر منها :
1- بالعقل والعلم .
2- حسن الصورة .
3- النطق .
4- الطهارة بعد الموت . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
5- تدبير الامور .
6- التمكن من السيطرة على الموجودات , وتسخيرها لمصالحه ومنافعه .
7- القدرة على الصناعة .
8- كل الدواب تأكل بأفواهها , الا بني ادم يأكل بيديه . "تفسير البرهان ج3 السيد هاشم الحسيني البحراني" .
9- عن ابي جعفر (ع) : ( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) قال خلق كل شيء منكبا غير الانسان خلق منتصبا . "تفسير البرهان ج3 السيد هاشم الحسيني البحراني , تفسير العياشي" .
وايضا ( وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) , على البر نفسه , وايضا على الدواب والسفن , ( وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) , كافة اللذائذ مما طاب مذاقه وحسنت رائحته , ( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) , تقدم في الفقرة ( 9 ) اعلاه .
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً{71}
تنتقل الاية الكريمة لتسلط الضوء على موردين من موارد يوم القيامة :
1- ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) : من مشاهد يوم القيامة ان يدعى الناس بمن أتموا به في الحياة الدنيا , كنبي او وصي او رجلا صالحا , او حتى رجلا شقيا .
( عن الصادق عليه السلام سيدعى كل اناس بإمامهم أصحاب الشمس بالشمس وأصحاب القمر بالقمر وأصحاب النار بالنار وأصحاب الحجارة بالحجارة ) . "تفسير العياشي" .
لا يشترط بالامام المذكور ان يكون رجلا , بل قد يكون تيارا منحرفا او فكرة فاسدة , يتبعها ويطبل ويزمر لها كثيرون , وايضا قد يكون تيارا صالحا , او فكرة حسنة , يؤمن بها كثيرون ويعملون جاهدين على نشرها , طلبا لنشر الخير في الدنيا ووقوع الاجر والثواب في الاخرة .
2- ( فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) : يبين النص المبارك ان من نال صحيفة اعماله بيمينه سيكون جذلا مسرورا ( فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ ) يتهلل وجهه طربا لقراءته , ( وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) , لا تنقص من اجورهم شيئا مهما كان صغيرا , ولو كان بحجم الفتيل الذي في شق النواة , وقد ذكر هذا الموضوع بتفاصيل اكثر في سورة الحاقة الشريفة ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24} ) .
يلاحظ ان الاية الكريمة لم تذكر شيئا عن من سينال كتابه بشماله , لذلك الكثير من الاسباب , منها لا على سبيل الحصر :
أ) مراعاة للايجاز .
ب) النص المبارك في طور الحديث عن المؤمنين وسعادتهم في ذلك الموقف .
ت) طالما انهم ذكروا في اماكن اخرى في القران الكريم ومنها سورة الحاقة الشريفة فيه الكفاية ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} ) .
ث) فيما يبدو ان من يؤتى كتابه بشماله لا حاجة له ان يقرأه , فليس فيه سوى المزيد من المنغصات والويلات , وليس فيه ما يبعث السرور { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }الكهف49 .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً{61}
الاية الكريمة تسلط الضوء على ثلاثة امور :
1- خلق ادم (ع) : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ) .
2- طاعة الملائكة (ع) للامر الالهي : ( فَسَجَدُواْ ) .
3- عصيان ابليس اللعين للامر الالهي : ( قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) , وهنا اللعين يرفض الامتثال للامر الالهي معللا السبب ( أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) , فيرى لنفسه الافضلية .
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً{62}
تنقل الاية الكريمة كلام ابليس اللعين ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) , اخبرني ان هذا الذي فضلته عليّ وامرتني بالسجود له , لم فضلته عليّ وانا خير منه ؟ , ( لَئِنْ ) , لام قسم , ( أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) , يقسم اللعين انه لو قدر الله تعالى له البقاء الى يوم القيامة فأنه ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ) , لاستأصلن ذريته بالاغواء والانحراف , لكن ليس جميعهم بل ( إَلاَّ قَلِيلاً ) , وهؤلاء القليل هم المؤمنون الخلص ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) .
قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً{63}
تروي الاية الكريمة رد الباري عز وجل على ابليس اللعين , ( قَالَ اذْهَبْ ) , فيها امرين :
1- طرد لابليس اللعين .
2- انظار له ( لعنه الله) الى يوم القيامة , فيحول بينه وبين ما سولت له نفسه .
ثم تستمر الاية الكريمة في البيان ( فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ ) , يبين النص المبارك ان جزاءه ( لعنه الله) وجزاء اتباعه ( جَهَنَّمَ ) وهي مصيرهم المحتوم , ( جَزَاء مَّوْفُوراً ) , معدّ موفر كاملا .
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً{64}
تستمر الاية الكريمة بنقل الرد الالهي على ابليس اللعين :
1- ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) : استخف من تمكنت من استخفافه بالاصوات الداعية للفساد كالغناء والمزامير ... الخ .
2- ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) : ( وَأَجْلِبْ ) من الجلبة , اي صح عليهم , ( بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) , بفرسان ومشاة الشياطين اتباعك , حيث ان لابليس اللعين اعوانا من الشياطين , يعينوه على اغواء الناس .
3- ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ) : الاموال المحرمة , والاولاد غير الشرعيين او ذوي سوء الخلق , وايضا تكون مشاركة الشيطان اللعين لابن ادم في كل ما لم يسم في اوله , كالاكل والجماع ... الخ .
4- ( وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ) : ( وَعِدْهُمْ ) , الوعود الشيطانية التي يمني بها انصاره واتباعه كثيرة منها ان لا بعث ولا جزاء , وايضا تأخير التوبة لطول الامل ... الخ , ( وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ) , كل وعود الشيطان مزيفة , غير صحيحة ولا سليمة , ولا امل فيها , ولا اعتبار لها , والغرور هنا هو تزيين الاخطاء بما يوهم انها صواب .
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً{65}
تبين الاية الكريمة مقررة ( إِنَّ عِبَادِي ) , اضاف الباري جل وعلا العباد الى نفسه , وهي ردا على ما قاله اللعين {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }الحجر40 , ( لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) , ليس لك عليهم من سلطة او قوة , وليس لك نفوذا عليهم , كي تتمكن من التغرير بهم , ( وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ) , كفى به جل وعلا حافظا لهم منك ومن شرك و من كيد اتباعك واعوانك .
رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً{66}
تستمر الاية الكريمة في البيان والتذكير ( رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ ) , يسخر ويهيأ الاسباب التي تمكن السفن من الجريان في البحر , ( لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ) , بالتجارة والسفر لقضاء الحوائج ... الخ , ( إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) , حيث سخر واعدّ وهيأ لكم كل ما تحتاجون عليه , في كل الموارد التي تتعسر عليكم .
وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً{67}
تبين الاية الكريمة ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ) , كعاصفة هوجاء , وخفتم الغرق , ( ضَلَّ مَن تَدْعُونَ ) , تاه وابتعد عنكم كل ما كنتم تدعونه في الرخاء , ( إِلاَّ إِيَّاهُ ) , فلا ترجون النجاة الا منه جل وعلا , فتفزعون اليه بالدعاء , ( فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ) , تركتم واعرضتم عن توحيده جل وعلا , وعدتم الى الكفر بالنعمة , ( وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً ) , النص المبارك في مورد تعليل الاعراض عن التوحيد , فيبين ان الانسان كثير الجحد لنعم المنعم جل وعلا .
أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً{68}
تبين الاية الكريمة موضحة ( أَفَأَمِنتُمْ ) , نجوتم من الغرق , فأمنتم :
1- ( أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ) : شعرتم بالامان عند وصولكم البر , ونسيتم او تناسيتم انه جل وعلا قادر على ان يضربكم بالخسف , كما خسف بالذين من قبلكم .
2- ( أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ) : او امنتم ان يسلط عليكم الحاصب وهي الريح التي ترمي الحصى , كما فعل بقوم لوط (ع) .
بعد ان بينت الاية الكريمة جانبين من موارد العذاب الالهي اختتمت بــ ( ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً ) , في حالة النجاة الاولى من الخطر , لا يعني الامان والاستقرار , فهو جل وعلا قادر ان يسلط عليكم انتقاما وعذابا اخر , من حيث احتسبتم او من حيث لم تحتسبوا , في ذلك الحين , لا تجدون حافظا وحاميا لكم .
من مجملات مضامين الاية الكريمة انها بينت ان لا امان ولا استقرار مع الكفر والجحد بنعم الله تعالى ذكره ومجده .
أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً{69}
تستمر الاية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة مضيفة ( أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى ) , ان تعودوا الى ركوب البحر مرة اخرى , ربما لنفس الاسباب او لغيرها , فحاجتكم للسفر خلاله لم تنته عند هذا الحد , بل هي مستمرة , ( فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ ) , عند ذاك , يرسل عليكم ريحا ما مرت بشيء الا وكسرته , ( فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ) , فيحل بكم الغرق , الذي فرحتم بالنجاة منه في المرة الاولى , وسبب الاغراق هو كفركم , ( ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً ) , في مثل هذه الحالة لا تجدون لكم ( تَبِيعاً ) ناصرا او مطالبا يطالب لكم بصرف تلك الريح ومنع الغرق .
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{70}
تنعطف الاية الكريمة لتضيف مبينة ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) , لهذا التكريم جوانب لا حصر لها , فنذكر منها :
1- بالعقل والعلم .
2- حسن الصورة .
3- النطق .
4- الطهارة بعد الموت . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
5- تدبير الامور .
6- التمكن من السيطرة على الموجودات , وتسخيرها لمصالحه ومنافعه .
7- القدرة على الصناعة .
8- كل الدواب تأكل بأفواهها , الا بني ادم يأكل بيديه . "تفسير البرهان ج3 السيد هاشم الحسيني البحراني" .
9- عن ابي جعفر (ع) : ( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) قال خلق كل شيء منكبا غير الانسان خلق منتصبا . "تفسير البرهان ج3 السيد هاشم الحسيني البحراني , تفسير العياشي" .
وايضا ( وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) , على البر نفسه , وايضا على الدواب والسفن , ( وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) , كافة اللذائذ مما طاب مذاقه وحسنت رائحته , ( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) , تقدم في الفقرة ( 9 ) اعلاه .
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً{71}
تنتقل الاية الكريمة لتسلط الضوء على موردين من موارد يوم القيامة :
1- ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) : من مشاهد يوم القيامة ان يدعى الناس بمن أتموا به في الحياة الدنيا , كنبي او وصي او رجلا صالحا , او حتى رجلا شقيا .
( عن الصادق عليه السلام سيدعى كل اناس بإمامهم أصحاب الشمس بالشمس وأصحاب القمر بالقمر وأصحاب النار بالنار وأصحاب الحجارة بالحجارة ) . "تفسير العياشي" .
لا يشترط بالامام المذكور ان يكون رجلا , بل قد يكون تيارا منحرفا او فكرة فاسدة , يتبعها ويطبل ويزمر لها كثيرون , وايضا قد يكون تيارا صالحا , او فكرة حسنة , يؤمن بها كثيرون ويعملون جاهدين على نشرها , طلبا لنشر الخير في الدنيا ووقوع الاجر والثواب في الاخرة .
2- ( فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) : يبين النص المبارك ان من نال صحيفة اعماله بيمينه سيكون جذلا مسرورا ( فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ ) يتهلل وجهه طربا لقراءته , ( وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) , لا تنقص من اجورهم شيئا مهما كان صغيرا , ولو كان بحجم الفتيل الذي في شق النواة , وقد ذكر هذا الموضوع بتفاصيل اكثر في سورة الحاقة الشريفة ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24} ) .
يلاحظ ان الاية الكريمة لم تذكر شيئا عن من سينال كتابه بشماله , لذلك الكثير من الاسباب , منها لا على سبيل الحصر :
أ) مراعاة للايجاز .
ب) النص المبارك في طور الحديث عن المؤمنين وسعادتهم في ذلك الموقف .
ت) طالما انهم ذكروا في اماكن اخرى في القران الكريم ومنها سورة الحاقة الشريفة فيه الكفاية ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} ) .
ث) فيما يبدو ان من يؤتى كتابه بشماله لا حاجة له ان يقرأه , فليس فيه سوى المزيد من المنغصات والويلات , وليس فيه ما يبعث السرور { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }الكهف49 .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat