صفحة الكاتب : اسراء البيرماني

ثانية يسقط المطر قصة قصيرة
اسراء البيرماني

 - تبدين رائعة .
قالها وهو يتظاهر بضبط ساعته ثم انصرف نحو الشرفة ينظر نحو الأفق بنظرة غير مكترثة ، ينفث دخان سيكارته ببطء، اتجهت نحوه تحمل عقداً من اللؤلؤ ليحكم لها إغلاقه ، تظاهر بالاهتمام وبدأ يلبسه لها مبتسما ، فيما عادت بذاكرتها لسنوات مضت منذ أن كانت هي حبّه الأبدي الوحيد ، تتنازع السنوات فيما بينها لتخطّ سهلاً من الشعر الأبيض على رأسها منسدلاً على وجهها ، وقف أمامها بإجلال مبتسما وهو يداعب خصلات شعرها وقد انبعثت من بين أصابعه رائحة الدخان فيما أشاحت بعينيها في المكان بتجاهل ، حدثها قائلا :
-ماتزالين جميلة كما عهدتك .
- كلمات الأعياد باتت تضحكني ( قالتها وهي تشق طريقها نحو كرسي هزاز) تبعها بخطوات بطيئة ثم همس في أذنها :
- افهمي انك الفضلى .
- أتقاعس أحيانا عن أداء طقوس الطاعة لجبروتك الا أنّ شيئاً ما يجبرني .
- حبك لي الذي ما انفك يرسم أحلام فتاة في العشرين .
- حسبتك أحذق من هذا. ولدان على أعتاب التخرج و أصل اعتز به.
- أصلك هذا دفعني لأؤسس هذه المؤسسة وأنجب الولدين ، وحبّك أحكمني أن أكون معك حتى الآن .
- سرى العمر عليك بنشوة شباب ، جعلتك تغضّ بصرك عن مشاعري التي تفننت في دهسها . وأورثني صراعاً يحتدم بموت بطيء و سيل من الشعر الأبيض .
- أهكذا انا ؟ ( قالها وهو يبتسم ويجلس عند رجليها)
ظلت صامتة لم تجبه لمدة ، خيّم الصمت على المكان للحظات انشغلت فيها العيون بعتاب طويل فيما كان يداري تعابير خذلانه بابتسامة باهتة ، فأردف قائلا:
- أنكري حبي .
- لا اقدر ... لكنّك بإمكانك أن تنكر حبّك لي .
- لا اقدر!!.... تشعرين بالزهو حين تمسكين ذراعي في أي مناسبة او اجتماع عائلي ، بوجود صديقاتك وغيرهن و ...
قاطعته قائلة :
- واشعر بالبؤس حين استشعر في كلامهم و نظراتهم إحساس الشفقة لأنّ ما يدور بيننا أمامهم من انسجام ماهو إلا تمثيل .
- اعترف بأنّي سيئ لكنّك اختياري في النهاية، اختياري في كل المواقف في كل الظروف ... تحت أيّ نشوة وبأيّ حال.
- العمر يمضي والشباب انقضى، ولم افهم من شبابي معك سوى سفر طويل وغياب ، وثمّة مشاعر عابثة لا قرار لها ولا استقرار .. وبعد كل هذا تقول لي أنتِ اختياري ؟.
تختارني لأكون أمّاً لأولادك فقط لا شريكة لحياتك.
- حينما أقولها أقصدها ، إنما أنا لست سوى طائر وفيّ لوطن نقيّ أحنّ إليه مهما ابتعدت.
- أكنت عادلاً معي ؟
ظل صامتا لبرهة من الزمن ثم أجاب :
- أنصفتك في مواقف عديدة ، والدليل أنّني معك الآن وسأبقى معك زوجا محبّا و عاشقا جيدا وأباً لأولادك .
- تثقلني أفضالك فاحتار كيف أردّ الجميل .
ابتسم بوجهها ابتسامة عريضة .... أردفها بقهقة عالية ، وتبعها بتنهّدة أسف طويلة وهو يحدق بالسقف محاولا الثبات على كبريائه المعهود ، ظل صامتا لبرهة ثم أجاب :
- سامحيني .
- على ماذا؟
- على كل شي .
- أتعلم ؟! إنّ هذه هي المرة الأولى منذ عشرين عاما تطرق مسامعي هذه الكلمة .. سامحيني !!
- افهمي أنني احبك يا امرأة .
- و كبرياؤكَ ؟ و تزمتك بآرائكَ ؟ ونفسكَ؟
- قد يكون ذلك صحيحا ولكني هكذا ، ولو انكِ أحببتني حقاً لأحببتِ حبّي لكبريائي و تزمتي وجميع مساوئي ، اعتقد أنّ اعترافي بهذا هو جزء من مرونتي وعدم تزمّتي كما تظنين ، الا إنّ طبيعتي كرجل يعيش في أعالي البحار فرض عليّ أنْ أكون هكذا بعض الشيء .
- أأنت هكذا وكفى؟ ( قالتها وهي تنظر إليه بشي من الحدّة)
- آآآآآه ...
صمت لبرهة محاولا أن يستجمع الكلمات ثم نطق وهو يحدّق بها عن كثب:
- لم لا تغفرين ؟
- لو كنتَ مكاني أتغفرُ لي ؟ وجودي معك دليل غفراني .. إنّني فعلا قد غفرت .
خيم الصمت في المكان ثانية ، و فجأة بدا المطر يطرق نافذة الغرفة ومياسم حديقة المنزل، خطى خطوات بطيئة نحو النافذة يترقب وقع المطر ، ابتسم و أردف قائلا :
- أتذكرين ؟
- اذكر . واقرأ ما يدور في رأسك .
- مرت السنوات على لقائنا الأول كالبرق ، كل شي تغير إلا قلبك وجمالك ... اليوم وبعد هذه الأعوام تحملني قطرات المطر هذه لذكرياتي الجميلة معك، ما أروعك !
كنت تبدين أميرة وأنت تشقين طريقك على صارية سفينتي ، وقعتي في حبالي فاصطدتك ..
آآآآه عبق تلك الأيام لا يزال في رئتيّ .
ظلت صامتة وعيناها تحدقان في المجهول بشحوب غير معهود، وقد انسدلت يداها على جانبي الكرسي الهزاز ، ترقبها فأحس باختلاج في قلبه وتسللت إرتعاشة باردة في عروقه فحدثها :
- تبدين صامتة..؟
أدارت بك أسطوانة الذكريات لمنزل أبيك وأسوار الحديقة الضخمة التي طالما أرهقتني وأنا استرق النظر منها إليك ؟
لم تجبه وظلت صامتة فأردف قائلا بقهقة متشحرجة مرتجف :
- إياك أن تكوني فعلتها و تركتني بعدما أتيت إليك آبقاً ...
جلس أمامها واستجمع يديها ، فوجدها قد تركته الى الأبد .


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسراء البيرماني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/04/01



كتابة تعليق لموضوع : ثانية يسقط المطر قصة قصيرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net