المحبرة هي الأداة التي كانوا يضعون الحبر فيها يوم لم تكن أقلام الحبر والسوفت والجاف والرصاص قد عرفت، ولكثرة حبهم لها وتعلقهم بها كانوا يسمونها: الزنجية للونها الأسود نتيجة وجود الحبر فيها أو لأنها مصنوعة من خشب الأبنوس الأسود، وأم العطايا لأنها أداة الكتابة ونشر العلم.
في اسمها الأول قال أبو الحسن بن البال يمتدح محبرة سوداء زنجية مصنوعة من خشب الأبنوس:
وخديمة للعلم في أحشائها
مكف بجمع حلاله وحرامه
لبست رداء الليل ثم توشحت
بنجومه وتتوجت بهلاله
وقال ابو طالب بن أبي ركب:
جاءتك من غرر العلا زنجية
في حلة من حليلة تتبختر
سوداء صفراء الحلي كأنها
ليل تطرزه نجوم تزهر
أما في اسمها الثاني (أم العطايا) فقد كان أحد الشعراء قد أهدى صديقا له محبرة أرفقها بأبيات جاء فيها:
قد بعثنا إليك أم العطايا
والمنايا زنجية الإحسان
في حشاها من غير حرب حراب
وهي أمضى من نافذات الحراب
أما المداد فهو الحبر الذي يضعوه في المحبرة وكانوا حينما يستخدمونه تتلطخ أيديهم وملابسهم به. نظر جعفر بن محمد إلى فتى على ثيابه أثر مداد؛ وهو يستره، فقال له:
لا تجز عن منِ المداد فإنه
عطر الرجال وحلية الكتاب
والقصبة هي الأداة التي كانوا يستخدمونها للكتابة بعد أن يغمسوا رأسها في المحبرة. وكانوا يعدون القلم سلاح الكاتب؛ كما السيف سلاح المحارب. قال أبو الفتح البستي في ذلك:
إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم
وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتّاب مجدا ورفعة
مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
والقلم القصبة أنواع منه الرفيع والعريض والصلب واللين. كتب سليمان بن وهب بقلم صلب فاعتمد عليه اعتمادا شديدا فصرّ القلم في يده، فانشد:
إذا ما التقينا وانتضينا صوارما
يكاد يعم السامعين صريرها
تساقط في قرطاس منها بدائع
كمثل اللآليء نظمها ونثيرها
تقود أبيات البيان بفطنة
نكشف عن وجه البلاغة نورها
تظل المنايا والعطايا شوارعا
ندور بما شئنا وتمضي أمورها
إذا ما خطوب الدهر أرخت ستورها
تجلت بنا عما يسر ستورها
أما الخط فهو فن تصميم وتزويق الحروف وتجميلها أثناء الكتابة، وهو أنواع، منه ما كان في صدر الإسلام وسمي نسبة إلى المدن التي نشأ فيها، مثل: النبطي والحيري والملكي والمدني والكوفي والبصري والحجازي والفارسي والأنباري. ومن أشهر أنواعه التي لا زالت تستخدم إلى الآن: الكوفي والنسخ والثلث والرقعة والديواني والفارسي. وكان القدماء يستحسنون الخط ويعجبون به ويعدونه لوحات ذلك الزمان فنية، رأى جعفر بن يحيى خطا فاستحسنه، فقال: الخط خيط الحكمة يُنظم فيه منثورها ويُفصل فيه شذورها. ورأى أبو الضياء خطا جميلا فقال في وصفه:
إذا ما الفكر ولد حسن لفظ
وأسلمه الوجود إلى العيان
ووشاه فنمنمه جواد
فصيح في المقال بلا لسان
ترى حلل البيان منشطرات
تجلى بينها صور المعاني
لكننا مع التقدم والتحضر وانعدام التجديد وكثرة التقليد فقدنا هذا الموروث الرائع المجيد كله بل فقدنا الرغبة في التأليف والكتابة والقراءة واعتمدنا على قنوات فضائية تنقل لنا الأكاذيب والدس الذي يزرع الفتنة والبغضاء والشحناء بيننا، فتفرقنا بعد أن كانت الكتابة الشريفة وأدواتها الجميلة تجمعنا. صحيح أننا لا نحتاج اليوم إلى تلك الأدوات ولاسيما بعد أن تنوعت أدوات الكتابة لدينا، ولكننا بحاجة إلى ما كانت تجود به تلك الأدوات من حكم وعلم وشذرات النصائح التي تبعث الراحة في النفس والاطمئنان في القلب وتشيع بين صفوف الأمة الحنان والحب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat