أفكر جدًّا في "حمادة" ابن السيدة المشقّقة, أخي الولد الهامز. أقوم بتسجيل انتباهي له, يتوارى في أمه. يتعالى همسها بما يفي بملاءمة معنًى دقيقٍ للفظة: "همس"..
أقطعهما بعيني. فتضحك السيدة, ويترفع همسها خارج الحد: "كان بيقولي إنك.........."
أشرتُ لها بابتسامة فهِمتْ, بينما لم أبدِ شيئا يرغب باستفاضة الحديث.
خرجتْ جملتها من فمها بعرض مسافة أربع أسنان أمامية غير موجودة. وهي تضحك..
أصررتُ على انفلاتي من المكان, وهي تضحك, وانزوائي في وجهة الحكاية, وهي تضحك.
وتكليس انقباضي في ظل الحائط..
على وجه الحائط المقابل تسكن عين حمادة. وضحكة تائهة له. لا يعرف مبعثها.
سيدة مشققة, وولدان. أحدهما يحتفظ في مخه باللا عقل, والآخر يفتقد في حواسه الأعصاب. وهي تضحك.. وحمادة يولّي وجهه الحائط, وهي تضحك وتتشقق.
وحمادة يلقي لنا بسمات تنطلق بالفطرة لأناس يجهلهم, وهي تضحك وتتشقق وتجاريه في الفعل. وحمادة يجيب على هاتف مكسور وهميّ تصنعه يده, يأتيه صياحه من آخَرَ حقيقي في حجرةٍ بالعيادة.
وهي تضحك وتتشقق وتجاريه وتمهّد للناس.
وحمادة يهيّئ كلمات محفوظة سيئة الترابط, وهي تضحك وتتشقق وتجاريه وتمهّد... وتردد خلفه الكلمات بصدى أعلى وأخجل.
وحمادة ظالم بحنان وعنيف ومظلوم ولطيف وذاتيّ حر في أفعاله. لابد وأنه فقد قوانينه في ركن ما, أو في وسيلة مواصلات بدائية تسير بالحيوان. "الحيوان يفكر".
لا بدّ وأنه اكتشف قوانينه بخصوصية أعلى من عمومية العالم: الجاذبية للأعلى. الأشخاص السرّيين. استلام الروح في صفقة أخرى خارج الجسد. الحدود هوامش لا تعيق. الانطلاقة عبر الجدران.. والمدى..
الرؤية من زاوية قلبية. "حمادة كل العالم".
يشرد ويجيب الهاتف بالمقلوب ويتحدث بصوت مختلف ويتبعثر بشكل عشوائي, ولا يحذر, ويلقى التحيات المكررة على الموجودين وغيرهم, ويولي وجهه الحائط وهي تضحك. تضحك من المسافة الفارغة في مقدمة فمها, ضحكة عريضة.. وتتشقق, وتتجاوب, وتؤانس,
وتخجل وتهمزني مع ولدها المعاق.
وأنا لا أبدي شيئا يرغب بابتسامة متتالية, لكني أشرت بواحدة فهِمَتْ.
وتألمتُ.