صفحة الكاتب : علي بدوان

الصاعقة التي ضربت «الدماغ الإسرائيلي»
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يمكن القول إن التقديرات الفائقة لأجهزة «الاستخبارات الإسرائيلية»، لم تكن لتتوقع أبداً انفجار الغضب في الشارع المصري ورحيل رأس النظام، وانطلاقته بهذه الصورة المذهلة التي فاقت كل التقديرات والتوقعات، وأدهشت شعوب المعمورة بأسرها. فكان لسان حال حكام إسرائيل وقادتها، يقول على الدوام إن شعب مصر قد استكان، وأن كبوته ستكون طويلة وطويلة جداً.
ففي اجتماع سري جرى قبل أسبوع واحد من اندلاع شرارات الانتفاضة المصرية، عقدته لجنة الخارجية والأمن الإسرائيلية بحضور رؤساء الأذرع الأمنية المختلفة، وفي تقييم الحدث التونسي، أعلن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، الجنرال «أفيف كوخافي»، تقديرات مفادها أنه «لا داعي للقلق على استقرار النظام في مصر»، وأن «الحالة المصرية مضبوطة، وأن تكرار الحدث التونسي مستبعد في مصر، وإن كانت هناك أشكال من التمرد قد تقع». وقد جرت عملية تسريب إعلامي مقصودة لبعض وقائع ما جرى في الاجتماع المذكور، ومن قبل جهات إسرائيلية رسمية.
لكن الهام في الأمر هنا، أن لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست ومعها قادة الأذرع الأمنية، عادوا للاجتماع بعد هبوب عواصف الانتفاضة المصرية، وهم يرتعدون من سوء تقديراتهم من جانب، ومن المخاوف التي انتابتهم إزاء إمكانية نجاح الشعب المصري في إعادة مصر إلى دورها السابق في إطار العمل العربي قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام ‬1979 من جانب آخر، حيث بات من وجهة نظرهم «اتفاق السلام» مع مصر في مهب الريح، بل وقد يلقي بآثاره على معاهدة وادي عربه التي «كرست السلام» مع الأردن. ومع هذا، فإن صاعقة الانتفاضة التي أشعلها الشعب المصري، ضربت وهزت «الدماغ الإسرائيلي» بأعلى مستوياته، وشلت تفكير «القيادة الإسرائيلية» التي أصيبت بحالة من الهذيان، وهي تحاول عدم تصديق ما يحصل، وإنكار الصورة الحية التي تتناقلها وسائل الإعلام وتقنياته الجديدة.
ومن هنا وللحفاظ على الحد الأدنى من توازنها، حافظت «مراكز صنع القرار الإسرائيلي» في الأيام الأولى من انتفاضة الشعب المصري، على تجنب الحديث عن ما يجري هناك، أو حتى التعليق المختصر، مفضلة الترقب أولاً، وإعمال العقل في تخيّل ما ستؤول إليه الأوضاع في مصر ثانياً، ومنعكساتها الممكنة على البيئة الإقليمية وعلى مسار القضية الفلسطينية بشكل خاص ثالثاً، إضافة لمصير «السلام» القائم بينهما رابعاً، وانتظار التحرك الأميركي والأوربي لإنقاذ النظام المتآكل، خامساً. ولعل هناك سببا جوهريا آخر كمن وراء الصمت الإسرائيلي، في الأيام الأولى من انتفاضة شعب الكنانه بقضه وقضيضه، وقد كان القصد منه للمداراة على حالة الذعر التي دبت في أوصال «الشارع الإسرائيلي»، ومحاولة مدروسة لإخفاء التحركات والاتصالات الإسرائيلية الكثيفة، التي تمت وما زالت مع الإدارة الأميركية للاطمئنان على ما سيحدث بعيد اندلاع تلك الثورة، وبهذا الحجم الذي فاجأ الجميع بما فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية، وحتى المصرية نفسها.
لكن، مع دخول الانتفاضة الشعبية المصرية غير المسبوقة خط اللاعودة أو الرجوع إلى الوراء، ورحيل رأس النظام، كسر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصمت الذي ألزم به نفسه وحكومته، قائلاً «نتابع بيقظة الأحداث في مصر وفي المنطقة، ويتعين علينا في هذا الوقت أن نظهر المسؤولية وضبط النفس»، مضيفا أنه «يأمل أن تستمر العلاقات السلمية مع مصر». بل وسار أكثر من ذلك عبر دعوة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي للتدخل من أجل وقف تآكل النظام، أو «إعادة إنتاجه» على الأقل بـ«إعادة تبديل الطرابيش» إذا أجبر مبارك على ترك منصبه.
ومن الطبيعي أن مصر دوراً وحضوراً وتأثيرا جيواستراتيجيا، ليست «حبة صغيرة» أو بلدا هامشيا.. وفي التقدير الأميركي والإسرائيلي، فإن انتفاضة الشعب المصري تضرب في الصميم، الخطط والمصالح الأميركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط.
وانطلاقاً من ذلك، فإن ثمة حالة عالية من القلق والمخاوف في إسرائيل، إزاء عدم اليقين بشأن ما يحدث في مصر وما قد تصل إليه شرارات انتفاضتها وانتفاضة تونس التي سبقتها، وهي مخاوف بدأت أولاً بالقلق على مصير «اتفاق السلام» الذي ولد مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام ‬1979.
ان القلق الإسرائيلي من إمكانية انهيار التسوية مع مصر، يعني بالنسبة لتل أبيب عودة مصر إلى خطها القيادي كحاضنة للأسرة العربية، وهو ما قد يستولد إعادة بناء الاصطفافات في المنطقة، وعودة الصراع إلى بداياته الأولى بين المشروع التحرري العربي والمشروع الصهيوني.
فمعاهدة كامب ديفيد شكّلت نجاحاً كبيراً للسياسات الخارجية الأميركية، واختراقاً نوعياً لمسار الأحداث في المنطقة، إذ حيّدت مصر بطاقاتها وإمكانياتها وحضورها وثقلها، عن دائرة الصراع الفعلي مع المشروع الصهيوني. ومنحت الدولة الصهيونية حدوداً طويلة هادئة، بل وفتحت أمامها نوافد وأبوابا في العالمين العربي والإسلامي كانت موصدة أمامها على الدوام. وبالتالي من الطبيعي أن يندب بعض قادة إسرائيل حظهم مع انتفاضة الشعب المصري بقولهم إن «إسرائيل مَدينة كثيراً لمبارك ورجاله، لما فعلوه علناً وأيضاً بما فعلوه في الخفاء» طوال العقود الثلاث الماضية من «السلام بين البلدين».
إن احتمال انهيار معاهدة التسوية مع مصر، يشكّل الآن جوهر القلق والهلع الإسرائيلي، للأسباب التي عرضناها، مضافاً إليها مسألتان أخريان، أولاهما مسألة الغاز الطبيعي المصري المستخرج من سيناء الذي تستورده إسرائيل بأسعار زهيدة، والثانية ما يتعلق بالملاحة في قناة السويس ومضائق تيران.
 
المصدر: صحيفة البيان الاماراتية
بقلم علي بدوان
التاريخ: 03 مارس 2011 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/03



كتابة تعليق لموضوع : الصاعقة التي ضربت «الدماغ الإسرائيلي»
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net