إشكالية الحداثة في العالم العربي
علي حسين كبايسي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن إنتقال العالم العربي إلى الحداثة يتطلب تشخيص كل مجتمع على حدة رغم ما يجمع العالم العربي من مشتركات في الدين و اللغة و الامتداد الجغرافي ، ولإبراز ذلك نتخذ كل من الجزائر و مصر نموذجا لمعالجة إشكالية التخلف .
إشكالية الحداثة في الجزائر
تبدأ الحكاية بتوقيت هزيمة الجيش الانكشاري في البندقية التي دفعت بسليمان القانوني السلطان العثماني إلى تكليف كل من الأخوين البحارين عروج و خير الدين بارباروسا ( 1 ) بالسيطرة على الساحل الجزائري لتحقيق الاهداف جيو ستراتيجية التالية :
- معالجة نقطة ضعف الجيش الانكشاري الذي لا يحسن القتال إلا برا .
- تشكيل أسطول بحري قوي يسيطر به العثمانيون على البحر الأبيض المتوسط .
وما إن أحكم العثمانيون سيطرتهم على الجزائر، قُسِم المجتمع الجزائري إلى ثلاث فئات حسب توزيع هرمي أعلاه الأتراك ثم يليهم الكراغلة ، و القاعدة الهرمية هي الأهالي ، ووزعت الامتيازات السياسية و العسكرية و سلطة النفوذ على الأتراك ثم يليهم الكراغلة و شريان الاقتصاد كان بيد اليهود كعائلتي بكري و بوشناق .
توزع السكان الأتراك على المدن الساحلية و القريبة من الساحل و أحكموا السيطرة عليها بنظام إقطاعي استبدادي ، بينما الأهالي تمركز معظمهم في الأرياف و الأراضي الرعوية و الصحاري ، ولذا فالحياة الاقتصادية للأهالي إعتمدت على الرعي و المحاصيل الزراعية الرئيسية القمح و الشعير و التمر .
كلما توجه الأهالي إلى أسواق المدينة لمقايضة منتجاتهم ، كان الأتراك عند أبواب المدينة بالمرصاد لفرض الخراج لكل بضاعة يريد صاحبها الدخول إلى السوق ، من ضحية إلى أخرى أحيانا يُسمعُ الحارس التركي يصيح بكلمة " طز " ، أي يشير بالسماح للبضاعة أن تجد طريقها للسوق دون تغريم لا لسبب إلا لكونها ملح ، فكلمة طز بالتركية تعني ملح ، ماذا سيفعل الأتراك بالملح !! ، فمن أراد النكاية بشخص يقول له اشرب من ماء البحر .
الجزائر في ظل الأتراك كانت دولة محتلة لطيلة ثلاثة قرون تعيش ويلات القهر و الاستبداد و التهميش لطبقة الأهالي، ولكن اليوم الطبقة المثقفة في الجزائر ترى عكس ذلك أي أن الجزائر كانت دولة ذات سيادة في العهد العثماني!! ، فأين كان الجيش الجزائري لما اقتحم الفرنسيون سيدي فرج ، والداي حسين في ليلتها أحيا ليلة حمراء مع جارية أهديت له !! و في الصباح سلم الجزائر للفرنسيين دون عناء !! ، و الحكايات الشعبية في الموروث الشعبي لا يبرز شخصية صاحب الحذاء المعكوف إلا في صورة مستبد عاشق للمال و منتهك للحرمات !! .
إن فكرة " قابلية الاستعمار " فكرة عدمية يستحيل أن تخطر ببال أي عبقري أنجبته أمة ذات أصالة حضارية ، ولكن الوعي الجمعي لدى الجزائري ولد هذه الفكرة لغياب الأنتليجانسيا و الرصيد الحضاري ، و مفهوم الوطن والمواطنة ، و أبرزت للتاريخ البشري وجود شعوب تتقبل الاستعمار ويسهل عليها العيش تحت مظلة الأجنبي !!، وتتأقلم مع القهر و الاستبداد .
يرى أرنولد توينبي من شروط الحضارة انتقال المجتمع من الحالة الرعوية إلى الزراعة التي ينتج عنها الاستقرار و التعلق بالأرض ، و في التاريخ القديم للجزائر تنبه ماسينيسا لهذه الاشكالية التي تعيقه من بناء دولة أمازيغية أي : مملكة نوميديا فحاول أن يقيم مستعمرات فلاحية عند قسنطينة – سيرتا - عاصمة المملكة ذات الموقع الجغرافي من حيث التحصين ووفرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة إلا إنه فشل في تحويل الإنسان الأمازيغي من الرعي إلى الفلاحة ، و هذا لطبيعة الأمازيغي في عدم الاستقرار و الهيمان في ربوع أرضه ليجسد مفهوم الرجل الحر أي أمازيغ.
في الفلكور الشعبي الجزائري كثيرا ما يتغنى بشخصيات يضفي عليها طابع القداسة المتولدة من بطولاتهم و مغامراتهم ، ولكن بالتمحيص التاريخي نجد أن بعض هذه الشخصيات ما هي إلا قطاع طرق !! ، على سبيل المثال بطل أشهر أغنية لعيسى جرموني ( 2 ) .
في زمن الحواضر الإسلامية لمل كانت تشع حضارة ، كانت القوافل لما تتنقل عبر جغرافية ما يسمى الآن الجزائر تعاني من ويلات قطاع الطريق و بالمصطلح الشعبي الجزائري " الجياشة " و لا تتنفس الصعداء إلا لما تكون على مشارف سلجماسة .
إن البداوة التي لا تجتمع مع السياسة و الملك كما يرى ابن خلدون ولما تتجذر في وعي أمة يتعذر بذلك القيام بمشروع نهضوي الذي يصطدم مع ما قاله ذاك الأعرابي للرسول الكريم ( ص ) : اللهم ارحمني و محمدًا و لا ترحم معنا أحدًا ، و لا يرى في التنمية إلا البحث عن الغنيمة مع تقهقر القيم الأخلاقية أمام لغة الانتهازية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) قام خير الدين بارباروسا بإعادة بناء الأسطول العثماني ليبلغ عدد سفنه مجموع سفن أساطيل الدول المتوسطية مجتمعة .
( 2 ) أحد رموز التراث الجزائري .
إشكالية الحداثة في مصر
عاش ابن خلدون يصنع الدسائس و المكائد ويؤلب القبائل على بعضها البعض خدمة للسلطان الزياني ، ولما هاجر إلى مصر تغيرت حياته فأصبح قاضي القضاة على المذهب المالكي، وتفتقت عبقريته العلمية فألف مقدمته الشهيرة وأسس بذلك علم الاجتماع .
ما هنئ بال المعز لدين الله الفاطمي وما قرة له عين حتى استولى قائده العسكري جوهر الصقلي على مصر بقضائه على الدولة الإخشيدية ، فلولا مصر ما أمكن له القيام بدولة على غرار الدولة العباسية ، وبدورهم صنع الفاطميون الحضارة الثانية بعد الحضارة الفرعونية لأهل مصر ببنائهم القاهرة و الجامع الأزهر الشريف وحضارة بعبق إسلامي .
فمصر بموروثها الحضاري و تموقعها الجغرافي مهيأة للحداثة و الدخول إلى دولة مدنية ، وهذا ما فعله محمد علي باشا الباني الحقيقي للدولة المصرية الحديثة فيرجع إليه الفضل في بناء جيش قوي مع أسطول بحري ، و تطوير التعليم في مصر بإرسال أول بعثات إلى خارج للدراسات العليا و إنشاء معاهد عليا، وأحدث زراعة القطن وقصب السكر فكان القطن العمود الفقري للاقتصاد المصري ، ومن القصب صنع الفقير المصري العسل الأسود ليسد به رمق جوعه ،إلا أن القوى الاستعمارية أبت أن يحقق محمد علي باشا أهدافه .
القوى الاستعمارية إلى اليوم تلعب دور كابح لأي نهوض مصري ، ولكن الإشكال لا يمكن حصره فقط في القوى الاستعمارية كمؤثر خارجي ، فالمؤئرات الداخلية حاضرة بقوة ومنها :
- بعد سقوط الدولة الفاطمية على يد الأيوبيين و بهاء الدين قراقوش أغلق الجامع الأزهر وأحرقت أكبر مكتبة عالمية في ذاك العصر فالتاريخ يعيد نفسه ، كما أحرق بن العاص مكتبة الإسكندرية !! ، ما أسهل عند هؤلاء التلاعب بالموروث الإنساني ، فأسقطت الحضارة و أبيدت ، ودخلت مصر غياهب الظلمات والتي اشتدت ظلمة مع العصر المملوكي والعثماني حيث عانى الشعب المصري ويلات الاستبداد والقهر، فاستحدثت في الخطاب المصري الشعبي لغة المهانة و الاستعباد الإقطاعي ، و أصبح الشعب بلا هوية بلا انتلنجنسيا و السبب أنظمة الحكم الفاسدة القائمة على حكم العسكر .
- من الوباء الذي حل بمصر فيروس الإخوان الذي أنشأ بمصر عام 1928 و فيروس الوهابية التي حل بها مع مطلع السبعينات بعد الاتفاق الذي حدث بين كمال أدهم و أنور السادات بشراء الأزهر والسماح للوهابية باختراقه .
تنبه محمد علي باشا إلى خطر فيروس الوهابية في بداياته فأرسل ابنه إبراهيم باشا ليقضي عليه في مضجعه الدرعية ، و كانت الضربة القاضية لولا تدخل القوى الاستعمارية التي حافظت و نمت هذا الفيروس ليلعب دورا مهما في قيام الدولة الإسرائيلية وصنع الخراب في العالم العربي وإدخاله العصر الحجري .
كذلك تنبه جمال عبد الناصر لخطر الفيروسين (1) فكان لهم بالمرصاد ، ورغم ذالك لعبا دورا كبيرا في تدمير مشروعه القومي العربي ، وزاد الطين بلة حكم العسكر الذي ورثه المصريين ، موروث أُشرِب بالديكتاتورية وعبادة الحاكم ، و الاستبداد لا يصنع إلا الهزيمة ومشتقاتها النكسة والوكسة .
حاول الإخوان لما سمحت لهم الفرصة بالاستيلاء على حكم مصر عقب ثورة 25 يناير بالمباركة الغربية ، أن يقوموا بوظيفتهم الفيروسية التخريبية وتنفيذ المخططات الصهيوأمريكية (2) ، فكان الشعب لهم بالمرصاد بعد سنة من الترقب ، الوضع الاجتماعي يزداد سوءًا ولغة العنف تقرع لها الطبول ، والانحدار إلى هاوية الجحيم بدء مع المئة يوم ، ولكن غياب مشروع تنموي لدى المعارضة يتبنى طموحات وآمال الشعب المصري و المتمثلة في العداء للصهيونية ، وعدم التبعية للغرب والرجوع إلى الأصالة المصرية التي تستلهم من الأحياء المصرية القديمة التي كانت يوما حاضنة للتنوير أضعف الأمل في النهوض و الحداثة بانعدام البدائل المطلوبة ، وما يزيد المعارضة سوءا اعتمادها على سلاح إعلامي يعيش الأوهام بلغة استعلائية ترى الواقع المصري وكأنه دالاس الأمريكية بينما 60 %من المصريين يعيشون تحت خط الفقر يشربون من مياه المجاري و يشاركون الأموات سكناهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفيروسين من ابتداع ابن تيمية ، ففيروس الوهابية أحياه محمد بن عبد الوهاب و فيروس الإخوان أحياه رشيد رضا ، و كلا الفيروسين تم تنشيطهم برعاية بريطانية .
(2) الإخوان أصحاب الحضور القوي في خدمة المشاريع و المخططات الصهيوأمريكية من إرسال الشباب العربي إلى القتال في أفغانستان زمن الاتحاد السوفيتي ، الحملة الإعلامية الشرسة التي أطلقوها من فرانكفورت ضد ثورة الخميني قدس سره ، الدمار الذي تعيشه سوريا اليوم .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
علي حسين كبايسي

إن إنتقال العالم العربي إلى الحداثة يتطلب تشخيص كل مجتمع على حدة رغم ما يجمع العالم العربي من مشتركات في الدين و اللغة و الامتداد الجغرافي ، ولإبراز ذلك نتخذ كل من الجزائر و مصر نموذجا لمعالجة إشكالية التخلف .
إشكالية الحداثة في الجزائر
تبدأ الحكاية بتوقيت هزيمة الجيش الانكشاري في البندقية التي دفعت بسليمان القانوني السلطان العثماني إلى تكليف كل من الأخوين البحارين عروج و خير الدين بارباروسا ( 1 ) بالسيطرة على الساحل الجزائري لتحقيق الاهداف جيو ستراتيجية التالية :
- معالجة نقطة ضعف الجيش الانكشاري الذي لا يحسن القتال إلا برا .
- تشكيل أسطول بحري قوي يسيطر به العثمانيون على البحر الأبيض المتوسط .
وما إن أحكم العثمانيون سيطرتهم على الجزائر، قُسِم المجتمع الجزائري إلى ثلاث فئات حسب توزيع هرمي أعلاه الأتراك ثم يليهم الكراغلة ، و القاعدة الهرمية هي الأهالي ، ووزعت الامتيازات السياسية و العسكرية و سلطة النفوذ على الأتراك ثم يليهم الكراغلة و شريان الاقتصاد كان بيد اليهود كعائلتي بكري و بوشناق .
توزع السكان الأتراك على المدن الساحلية و القريبة من الساحل و أحكموا السيطرة عليها بنظام إقطاعي استبدادي ، بينما الأهالي تمركز معظمهم في الأرياف و الأراضي الرعوية و الصحاري ، ولذا فالحياة الاقتصادية للأهالي إعتمدت على الرعي و المحاصيل الزراعية الرئيسية القمح و الشعير و التمر .
كلما توجه الأهالي إلى أسواق المدينة لمقايضة منتجاتهم ، كان الأتراك عند أبواب المدينة بالمرصاد لفرض الخراج لكل بضاعة يريد صاحبها الدخول إلى السوق ، من ضحية إلى أخرى أحيانا يُسمعُ الحارس التركي يصيح بكلمة " طز " ، أي يشير بالسماح للبضاعة أن تجد طريقها للسوق دون تغريم لا لسبب إلا لكونها ملح ، فكلمة طز بالتركية تعني ملح ، ماذا سيفعل الأتراك بالملح !! ، فمن أراد النكاية بشخص يقول له اشرب من ماء البحر .
الجزائر في ظل الأتراك كانت دولة محتلة لطيلة ثلاثة قرون تعيش ويلات القهر و الاستبداد و التهميش لطبقة الأهالي، ولكن اليوم الطبقة المثقفة في الجزائر ترى عكس ذلك أي أن الجزائر كانت دولة ذات سيادة في العهد العثماني!! ، فأين كان الجيش الجزائري لما اقتحم الفرنسيون سيدي فرج ، والداي حسين في ليلتها أحيا ليلة حمراء مع جارية أهديت له !! و في الصباح سلم الجزائر للفرنسيين دون عناء !! ، و الحكايات الشعبية في الموروث الشعبي لا يبرز شخصية صاحب الحذاء المعكوف إلا في صورة مستبد عاشق للمال و منتهك للحرمات !! .
إن فكرة " قابلية الاستعمار " فكرة عدمية يستحيل أن تخطر ببال أي عبقري أنجبته أمة ذات أصالة حضارية ، ولكن الوعي الجمعي لدى الجزائري ولد هذه الفكرة لغياب الأنتليجانسيا و الرصيد الحضاري ، و مفهوم الوطن والمواطنة ، و أبرزت للتاريخ البشري وجود شعوب تتقبل الاستعمار ويسهل عليها العيش تحت مظلة الأجنبي !!، وتتأقلم مع القهر و الاستبداد .
يرى أرنولد توينبي من شروط الحضارة انتقال المجتمع من الحالة الرعوية إلى الزراعة التي ينتج عنها الاستقرار و التعلق بالأرض ، و في التاريخ القديم للجزائر تنبه ماسينيسا لهذه الاشكالية التي تعيقه من بناء دولة أمازيغية أي : مملكة نوميديا فحاول أن يقيم مستعمرات فلاحية عند قسنطينة – سيرتا - عاصمة المملكة ذات الموقع الجغرافي من حيث التحصين ووفرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة إلا إنه فشل في تحويل الإنسان الأمازيغي من الرعي إلى الفلاحة ، و هذا لطبيعة الأمازيغي في عدم الاستقرار و الهيمان في ربوع أرضه ليجسد مفهوم الرجل الحر أي أمازيغ.
في الفلكور الشعبي الجزائري كثيرا ما يتغنى بشخصيات يضفي عليها طابع القداسة المتولدة من بطولاتهم و مغامراتهم ، ولكن بالتمحيص التاريخي نجد أن بعض هذه الشخصيات ما هي إلا قطاع طرق !! ، على سبيل المثال بطل أشهر أغنية لعيسى جرموني ( 2 ) .
في زمن الحواضر الإسلامية لمل كانت تشع حضارة ، كانت القوافل لما تتنقل عبر جغرافية ما يسمى الآن الجزائر تعاني من ويلات قطاع الطريق و بالمصطلح الشعبي الجزائري " الجياشة " و لا تتنفس الصعداء إلا لما تكون على مشارف سلجماسة .
إن البداوة التي لا تجتمع مع السياسة و الملك كما يرى ابن خلدون ولما تتجذر في وعي أمة يتعذر بذلك القيام بمشروع نهضوي الذي يصطدم مع ما قاله ذاك الأعرابي للرسول الكريم ( ص ) : اللهم ارحمني و محمدًا و لا ترحم معنا أحدًا ، و لا يرى في التنمية إلا البحث عن الغنيمة مع تقهقر القيم الأخلاقية أمام لغة الانتهازية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) قام خير الدين بارباروسا بإعادة بناء الأسطول العثماني ليبلغ عدد سفنه مجموع سفن أساطيل الدول المتوسطية مجتمعة .
( 2 ) أحد رموز التراث الجزائري .
إشكالية الحداثة في مصر
عاش ابن خلدون يصنع الدسائس و المكائد ويؤلب القبائل على بعضها البعض خدمة للسلطان الزياني ، ولما هاجر إلى مصر تغيرت حياته فأصبح قاضي القضاة على المذهب المالكي، وتفتقت عبقريته العلمية فألف مقدمته الشهيرة وأسس بذلك علم الاجتماع .
ما هنئ بال المعز لدين الله الفاطمي وما قرة له عين حتى استولى قائده العسكري جوهر الصقلي على مصر بقضائه على الدولة الإخشيدية ، فلولا مصر ما أمكن له القيام بدولة على غرار الدولة العباسية ، وبدورهم صنع الفاطميون الحضارة الثانية بعد الحضارة الفرعونية لأهل مصر ببنائهم القاهرة و الجامع الأزهر الشريف وحضارة بعبق إسلامي .
فمصر بموروثها الحضاري و تموقعها الجغرافي مهيأة للحداثة و الدخول إلى دولة مدنية ، وهذا ما فعله محمد علي باشا الباني الحقيقي للدولة المصرية الحديثة فيرجع إليه الفضل في بناء جيش قوي مع أسطول بحري ، و تطوير التعليم في مصر بإرسال أول بعثات إلى خارج للدراسات العليا و إنشاء معاهد عليا، وأحدث زراعة القطن وقصب السكر فكان القطن العمود الفقري للاقتصاد المصري ، ومن القصب صنع الفقير المصري العسل الأسود ليسد به رمق جوعه ،إلا أن القوى الاستعمارية أبت أن يحقق محمد علي باشا أهدافه .
القوى الاستعمارية إلى اليوم تلعب دور كابح لأي نهوض مصري ، ولكن الإشكال لا يمكن حصره فقط في القوى الاستعمارية كمؤثر خارجي ، فالمؤئرات الداخلية حاضرة بقوة ومنها :
- بعد سقوط الدولة الفاطمية على يد الأيوبيين و بهاء الدين قراقوش أغلق الجامع الأزهر وأحرقت أكبر مكتبة عالمية في ذاك العصر فالتاريخ يعيد نفسه ، كما أحرق بن العاص مكتبة الإسكندرية !! ، ما أسهل عند هؤلاء التلاعب بالموروث الإنساني ، فأسقطت الحضارة و أبيدت ، ودخلت مصر غياهب الظلمات والتي اشتدت ظلمة مع العصر المملوكي والعثماني حيث عانى الشعب المصري ويلات الاستبداد والقهر، فاستحدثت في الخطاب المصري الشعبي لغة المهانة و الاستعباد الإقطاعي ، و أصبح الشعب بلا هوية بلا انتلنجنسيا و السبب أنظمة الحكم الفاسدة القائمة على حكم العسكر .
- من الوباء الذي حل بمصر فيروس الإخوان الذي أنشأ بمصر عام 1928 و فيروس الوهابية التي حل بها مع مطلع السبعينات بعد الاتفاق الذي حدث بين كمال أدهم و أنور السادات بشراء الأزهر والسماح للوهابية باختراقه .
تنبه محمد علي باشا إلى خطر فيروس الوهابية في بداياته فأرسل ابنه إبراهيم باشا ليقضي عليه في مضجعه الدرعية ، و كانت الضربة القاضية لولا تدخل القوى الاستعمارية التي حافظت و نمت هذا الفيروس ليلعب دورا مهما في قيام الدولة الإسرائيلية وصنع الخراب في العالم العربي وإدخاله العصر الحجري .
كذلك تنبه جمال عبد الناصر لخطر الفيروسين (1) فكان لهم بالمرصاد ، ورغم ذالك لعبا دورا كبيرا في تدمير مشروعه القومي العربي ، وزاد الطين بلة حكم العسكر الذي ورثه المصريين ، موروث أُشرِب بالديكتاتورية وعبادة الحاكم ، و الاستبداد لا يصنع إلا الهزيمة ومشتقاتها النكسة والوكسة .
حاول الإخوان لما سمحت لهم الفرصة بالاستيلاء على حكم مصر عقب ثورة 25 يناير بالمباركة الغربية ، أن يقوموا بوظيفتهم الفيروسية التخريبية وتنفيذ المخططات الصهيوأمريكية (2) ، فكان الشعب لهم بالمرصاد بعد سنة من الترقب ، الوضع الاجتماعي يزداد سوءًا ولغة العنف تقرع لها الطبول ، والانحدار إلى هاوية الجحيم بدء مع المئة يوم ، ولكن غياب مشروع تنموي لدى المعارضة يتبنى طموحات وآمال الشعب المصري و المتمثلة في العداء للصهيونية ، وعدم التبعية للغرب والرجوع إلى الأصالة المصرية التي تستلهم من الأحياء المصرية القديمة التي كانت يوما حاضنة للتنوير أضعف الأمل في النهوض و الحداثة بانعدام البدائل المطلوبة ، وما يزيد المعارضة سوءا اعتمادها على سلاح إعلامي يعيش الأوهام بلغة استعلائية ترى الواقع المصري وكأنه دالاس الأمريكية بينما 60 %من المصريين يعيشون تحت خط الفقر يشربون من مياه المجاري و يشاركون الأموات سكناهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفيروسين من ابتداع ابن تيمية ، ففيروس الوهابية أحياه محمد بن عبد الوهاب و فيروس الإخوان أحياه رشيد رضا ، و كلا الفيروسين تم تنشيطهم برعاية بريطانية .
(2) الإخوان أصحاب الحضور القوي في خدمة المشاريع و المخططات الصهيوأمريكية من إرسال الشباب العربي إلى القتال في أفغانستان زمن الاتحاد السوفيتي ، الحملة الإعلامية الشرسة التي أطلقوها من فرانكفورت ضد ثورة الخميني قدس سره ، الدمار الذي تعيشه سوريا اليوم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat