صفحة الكاتب : صالح الطائي

نقاش هاديء في موضوع ساخن التظاهر ضد من
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سبق وأشرت في أحد مواضيعي إلى داء التقليد الذي ابتليت به أمتنا والذي قتل روح التجديد والإبداع فيها وحجم دورها فأفقدها نقاطا تفضيلية كانت بأمس الحاجة إليها. ومسألة التقليد لا تخص عادة مجموع الأمة فقط بله تتخصص فيها شعوبنا كل منها على حدة وفق رؤى وموروثات هذه الشعوب، وتنزل إلى مستوى الأفراد.
بالأمس القريب ثارت أربعة عشر من أصل ثمانية عشر محافظة عراقية ضد حالة الانحراف الدموي في العراق لتقيم دولة النظام ونظام الدولة فيما عرف بالانتفاضة الشعبانية، ومع أن الحزب وجيشه كانا خارجين من هزيمة مرة ومخزية في تجربة الغزو الكويتي إلا أن الموقف الأمريكي الداعم والمؤيد والمساند مكنهما من القضاء على الانتفاضة بشكل اجتثاثي بتري بحيث أحتار المجرمون في طرائق التخلص من الجثث ومن الأسرى فألقوا الكثير منهم مكتوفي الأيدي والأرجل في نهر دجلة وفجروا البعض الآخر ودفنوا الغالبية (الجثث والأحياء) في مقابر جماعية  بمسمع ومرأى من الأمريكان والعالمين العربي والإسلامي اللذين كانا أيضا مؤيدين بالكامل لإجراءات الحكومة والحزب بل ومباركين لعملهم الإجرامي الدموي الخسيس
ولو نجحت هذه الثورة الشعبية التي عوملت بمعيار طائفي بحت في تغيير المعادلة يومها لكانت قد وفرت أجواء ثورية عربية تدعم حراك الجماهير العربية الغاضبة في تطلعاتها للتحرر من نير حكامها المجرمين. ومن هنا كان التأييد الرسمي والشعبي العربي لمواقف الحزب والتضامن معه ومده بالمساعدات المادية والفنية، لأن الحكام العرب أدركوا أن انتصار الثورة العراقية سوف يزلزل عروشهم ويحيي في الجماهير روح الثورة، أما الجماهير العربية فلا يمكن تبرير سكوتها المخزي على المجازر التي ارتكبت إلا بأنها كانت مخدوعة من قبل حكامها والإعلام الموجه، أو خائفة من أن تصرح بمشاعرها، أو مدفوعة بولاءات طائفية.
اليوم بعد أن ثارت جماهير الأمة على الطريقة العراقية برعاية وتوجيه النظام العالمي الجديد والإعلام الموجه، وبعد أن حققت الانتصارات على حكامها في أكثر من مكان وهي على أمل تحقيقه في أماكن أخرى، دفعت روح التقليد الموروثة فئات من العراقيين إلى مطالبة الجماهير العراقية بالثورة على الحكومة المنتخبة، التي هي الأنموذج الفريد في الوطن العربي حيث لا تجد هناك أي حكومة عربية "منتخبة" بشكل يبدو حقيقيا وعبر صناديق الاقتراع كما هي الحكومة العراقية، بغض النظر طبعا عن الآلية والظروف التي أجريت فيها هذه الانتخابات ومدى شرعيتها!
فهل يحتاج الوضع العراقي المتأزم والذي يشبه في حقيقته رمانة هجومية يدوية منزوعة مسمار الأمان بيد طفل متخلف لا نعرف متى يلقي بها وأين! هل يحتاج إلى ثورة شعبية لتعديل الحال المائل منذ الاحتلال ولغاية هذا التاريخ؟
ومن سيكون المستفيد من هذا الحراك؟ هل هي الجماهير العراقية التي ازدادت حرمانا على حرمانها الموروث وتحولت إلى مشاريع قتل وتهجير وتجويع تنفذها أغلب الجهات المتصارعة .. هل هو تنظيم القاعدة الذي كان وما زال يقتنص الفرص لإحداث البلبلة وزرع الفتنة بين العراقيين والذي هو على استعداد لتفجير المسيرات لكي يعصب الجريمة برأس السلطة .. هل هم بقايا وفلول حزب البعث الذين يتخفون وراء مسميات جديدة بدعوى العودة والتحرير .. هل هم الطائفيون الذين يرون بالوجوه الحاكمة الجديدة إحياء "للصفوية الجنوبية" ويدعون للتصدي لـ (الصهاينـة فـي الشمال والصفويـون في الجنوب) [1]
إن من سخرية القدر أن السياسيين الذين تطالب جميع هذه الشرائح بالثورة عليهم يوم 25/2 هم السياسيون الذين انتخبتهم هذه الشرائح نفسها بأصابعها البنفسجية البارحة وأجلستهم على كراسي الحكم بدوافع معروفة للجميع، فضلا عن المندفعين الآخرين الذين كانت لهم رؤاهم الخاصة وهم الذين وصفهم الدكتور علي السعدي بقوله: (حينما ذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع  في كرنفالات احتفالية، كانوا يتوقعون أنهم يدفعون إلى الحكم بقادة يستطيعون أن يبنوا عراقاً جديداً يعيشون فيه آمنين من غوائل الحاضر وقلق المستقبل) [2]
وعليه أرى من الواجب على جميع هؤلاء محاسبة الذات أولا، الذات التي خرجت بالأمس للمشاركة في الانتخابات بدوافع:
 الطائفية التي أفتت بوجوب المشاركة في الانتخابات وعدم تكرار هفوة المقاطعة الأولى، أو التي عدت المشاركة في الانتخابات دعما للتوجهات المذهبية والحزبية.
والفوبيا والخوف المرضي من الآخر الذي نجحت الأنظمة الدكتاتورية في زرعه بين الجماهير ودعمه فقدان الثقة عند الطوائف وفيما بينها.  
والتباكي على الأمجاد الزيتونية الضائعة والمكانة المفقودة، التي ضاعت مع ضياع الدرجات الحزبية.
وتقديم الولاء لدول الجوار التي آوت الفارين والهاربين إليها بسبب الظلم والمطاردة.
وتنفيذ الأجندات الخارجية مدفوعة الثمن. 
لتمنح هؤلاء السياسيين الطيبين والمرتشين والفاسدين والمتخلفين والمتحيزين والعملاء والمصلحيين والمخربين والإرهابيين شرعية حكم البلاد والعباد. 
فهؤلاء جميعا كانوا قبل زمن يسير يحرضون على وأد التجربة الديمقراطية، وهم اليوم يستثمرون الغضب العراقي نتيجة التقصير وتردي الخدمات وتفشي البطالة وفقدان الأمن والاحتراب الطائفي والسعي لإقامة أمارة العراق الإسلاموية، ليعودوا من خلال المحصلات إلى  تلك المراكز التي فقدوها، وبالتالي أراهم عاجزين عن محاسبة ذواتهم بل يرفضون مثل هذه المحاسبة لأنها تدينهم وتكشف نواياهم. ومتى ما نجح هؤلاء سواء بمعجزة إلهية أو سياسية في محاسبة ذواتهم محاسبة حقيقية، يحق لهم حينها الانطلاق نحو محاسبة الآخرين. وحتى مع نجاحهم المحاسبي الإعجازي المأمول يتوجب أن يرفع كل من يدعو منهم إلى التظاهر وكل متظاهر يستجيب إلى ندائه اسم الشخص الذي انتخبه كيما يتضح موضع الخلل. فالتغيير يجب أن يبدأ من الذات تبعا لقاعدة: [لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم] 
نعم أتفق مع كل المعترضين أن الحكومة "زنت" بحق العراق وشعبه ولم تقدم للعراق وشعبه ما يستحقه بعد العناء المرير الذي عاشه على مدى خمسة وثلاثين عاما، وإنها بأعمالها غير المستساغة والشاذة قتلت الحلم الجميل الذي كنا نعيش لأجله، والصباح الذي كنا نحلم به،فأعطت للشعب حق الانتفاضة وجرته إلى الخيار الأصعب. 
أما صحة أو خطأ هذه الانتفاضة التي أراها مشروعة وفق مواصفات تتناسب مع الحالة العراقية فليس من حق أحد أن يحكم بها، أنا من جانبي أرى أن للأمة كل المشروعية بأن تطالب بحقوقها، وقد آن للشعب بعد عذابات السنين أن يقطف ثمار صبره، ولكن هل تنصلح الحال بإبادة (الصهاينـة فـي الشمال والصفويـون في الجنوب) والعودة إلى مربع ما قبل الاحتلال في 2003، أم باستيراد قيادات من دول أخرى مصنّعة حسب الطلب، أم من خلال عمل عصراني منظم بعيدا عن التشنج والولاءات والاصطفافات والطائفية والتهديد بالإبادة؟  
إن بعض المتصدين للتغيير وكما يتضح من منشوراتهم ودعواتهم ليسو بلا خطيئة، لأن بينهم من يريدونها طائفية لا عراقية، وتحزبية لا مستقلة، ولذا أقول لهم: من منكم (أيها البعض) بلا خطيئة وأنتم تدعون إلى تشويه وجه الانتفاضة، وتدعون إلى التحزب والطائفية لتفسروا الماء بعد الجهد والدماء والخراب بالماء؟ أيها المتصدون لخراب الوطن والإسهام مع حكامه في تدميره وزيادة معاناة شعبه، من كان منكم بلا خطيئة فليرم الحكومة المخطئة بحجر!
 
 
الهوامش
[1] مقتبس من نداء نشر عبر البريد الالكتروني لجمعيـة صـوت الحريـة لحقـوق الإنسـان في العراق FREEDOM Voice Society for Human Rights in Iraq يدعوا إلى ثورة حقيقية يوم 25/2 لتخليص البلاد من المحتل الأمريكي و"الصهاينة" في الشمال و"الصفويين" في الجنوب العراقي
[2[ مقال للدكتور علي السعدي بعنوان (الانتفاضة العراقية استدراك أم بداية) نشر في صحيفة المثقف 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/23



كتابة تعليق لموضوع : نقاش هاديء في موضوع ساخن التظاهر ضد من
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net