سيادة القانون واستقلال القضاء المصري في العهدين الفرعوني والأخواني
د . حامد العطية
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بعد بدء الاحتجاجات الشعبية في مصر وقبل انتخابات الرئاسة كنت اقول للمتخوفين على مستقبل مصر: مادام القضاء المصري مستقلاً ومهاباً، وقضاة مصر يمتلكون الجرأة على معارضة قرارات السلطة التنظيمية المخالفة للدستور فلا خوف على مصر ومستقبلها.
ولم يمض وقت طويل على فوز مرشح الأخوان المسلمين في مصر محمد مرسي بمنصب الرئاسة حتى دخل في مواجهة علنية وشرسة مع القضاء المصري، تمثلت في اتخاذه عدداً من القرارات والمواقف، التي عدتها المؤسسة القضائية والحقوقية المصرية تعدياً على سلطة واستقلال القضاء، ومنها قرار الرئيس المصري بإعادة مجلس الشعب واصدار الإعلان الدستوري الذي يحصن قرارات السلطة التنفيذية ضد القضاء وتعيين نائب عام متعاطف مع الأخوان المسلمين والسكوت على حصار أعوانه وحلفائه للمحكمة الدستورية والتهاون في حماية القضاة، وتتخوف هذه المؤسسة المصرية العريقة من تمادي الرئيس في تعدياته على السلطة القضائية وتدعو إلى توفير الضمانات الدستورية لاستقلال القضاء في مصر.
كان القضاء المصري في عهد الرئيس السابق حسني مبارك مستقلاً إلى حد ما، إذ أصدر القضاء قرارات بحل مجلس الشعب مرتين في الثمانينات من القرن الماضي ، كما أبطل بعض القوانين ومنها قانون فرض ضريبة على المصريين العاملين في الخارج، فهل من المعقول أن يكون القضاء المصري اليوم أقل استقلالاً وهيبةً منه في عهد الرئيس مبارك الموصوف بالظلم والتعدي على القانون؟
يبدو أن القضاء المصري في عهد محمد مرسي لا يقل سوءاً مما كان عليه في عهد مبارك، وهذا يقود إلى البحث عن وضع القضاء في تاريخ مصر، وبالتحديد مدى استقلالية القضاء عن سلطة الحاكم في العهد الفرعوني.
تنقل لنا المصادر التاريخية صورة عن القضاء في العهود المصرية المتقدمة، غير متوقعة تماماً، ومغايرة لافتراضاتنا، إذ تؤكد بأن الجميع وحتى الملك خضعوا للقانون، وكانت القوانين مدونة، جزئياً على الأقل، ولكنها فقدت وللأسف، كما تشير هذه المصادر إلى سريان أحكام القانون على الجميع، القوي والضعيف، والغني والفقير، ولضمان ذلك تكفل الملك بتوفير راتب مجز للقضاة، حتى لا يضطرهم العوز لقبول الرشوة والانحراف عن العدالة في تطبيق القانون.
وتشير الوصية التالية للقيم التي ينبغي على القضاة التحلي بها:
(احكموا بالعدل، لأن التحيز والمحاباة مكروهة من الأرباب.. وعامل الذي لا تعرفه كما تعامل الذي تعرفه، والقريب من الملك كما تعامل البعيد عنه)
تميز القضاة بارتدائهم قلادة خاصة، ترمز للعدالة والصدق، وتسمى (المآت Ma’at) فهي تذكرة لهم ولغيرهم بواجب القاضي في الدفاع عن العدالة وتحري الصدق في الدعاوي، وتقضي بمعاملة الجميع باستثناء المسترقين على حد سواء، وحظي القضاة المصريين في العهود الفرعونية بمكانة اجتماعية رفيعة، وعاملهم الناس بإحترام وتوقير.
ومن متطلبات استلام القاضي الفرعوني لمهام منصبه القسم الخاص بذلك، ويؤديه القاضي أمام الملك، وأهم ما في هذا القسم تعهد القاضي بعصيان أوامر الملك لو أمره هذا الملك بمخالفة القانون، أي أن القانون فوق الملك الفرعوني، فلا يحق للملك مخالفة القانون، ولو أمر بذلك فعلى القاضي واجب عصيان أمر الملك، وهذا دليل قاطع على استقلال القضاء وسيادة القانون في العهد الفرعوني.
يتأكد لنا من هذه الحقيقة التاريخية بأن ملوك الفراعنة كانوا أكثر احتراماً للقانون وإلتزاماً بمبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء من الرئيس المصري مرسي والكثير من رؤوساء الدول العربية والإسلامية المعاصرين والسابقين.
لعل البعض يتسائل عن موقف الإسلام من سيادة واستقلال القضاء والجواب نجده في الآية الكريمة التالية:
) ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) [النساء: 59 ]
يوجه الشطر الأول من الآية بطاعة الله والرسول وكذلك أولي الأمر فيما لا يخالف أمر الله ورسوله بينما يقضي الشطر الثاني برد الأمور المتنازع فيها إلى الله ورسوله واستثناء أولي الأمر من ذلك، لأن الأحكام هي من عند الله وكما بينها الرسول، وتطبيق هذه الإحكام في النزاعات من اختصاص القضاة ولا دور أو تأثير لأولي الأمر أو الحكام التنفيذيين في هذا الشأن، وهذا دليل قرآني على سيادة واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، ومن الواضح بأن الرئيس مرسي وحزبه من الأخوان المسلمين خالفوا هذا المبدأ القرآني.
أن يكون الملك الفرعوني أكثر احتراماً للقضاء واستقلاله من الكثير من حكام العرب والمسلمين أمر مخجل حقاً، ولكن أن يخالف أمر الله في ذلك من يدعي تطبيق الإسلام فهو النفاق بعينه.
10 أيار 2013م
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . حامد العطية

بعد بدء الاحتجاجات الشعبية في مصر وقبل انتخابات الرئاسة كنت اقول للمتخوفين على مستقبل مصر: مادام القضاء المصري مستقلاً ومهاباً، وقضاة مصر يمتلكون الجرأة على معارضة قرارات السلطة التنظيمية المخالفة للدستور فلا خوف على مصر ومستقبلها.
ولم يمض وقت طويل على فوز مرشح الأخوان المسلمين في مصر محمد مرسي بمنصب الرئاسة حتى دخل في مواجهة علنية وشرسة مع القضاء المصري، تمثلت في اتخاذه عدداً من القرارات والمواقف، التي عدتها المؤسسة القضائية والحقوقية المصرية تعدياً على سلطة واستقلال القضاء، ومنها قرار الرئيس المصري بإعادة مجلس الشعب واصدار الإعلان الدستوري الذي يحصن قرارات السلطة التنفيذية ضد القضاء وتعيين نائب عام متعاطف مع الأخوان المسلمين والسكوت على حصار أعوانه وحلفائه للمحكمة الدستورية والتهاون في حماية القضاة، وتتخوف هذه المؤسسة المصرية العريقة من تمادي الرئيس في تعدياته على السلطة القضائية وتدعو إلى توفير الضمانات الدستورية لاستقلال القضاء في مصر.
كان القضاء المصري في عهد الرئيس السابق حسني مبارك مستقلاً إلى حد ما، إذ أصدر القضاء قرارات بحل مجلس الشعب مرتين في الثمانينات من القرن الماضي ، كما أبطل بعض القوانين ومنها قانون فرض ضريبة على المصريين العاملين في الخارج، فهل من المعقول أن يكون القضاء المصري اليوم أقل استقلالاً وهيبةً منه في عهد الرئيس مبارك الموصوف بالظلم والتعدي على القانون؟
يبدو أن القضاء المصري في عهد محمد مرسي لا يقل سوءاً مما كان عليه في عهد مبارك، وهذا يقود إلى البحث عن وضع القضاء في تاريخ مصر، وبالتحديد مدى استقلالية القضاء عن سلطة الحاكم في العهد الفرعوني.
تنقل لنا المصادر التاريخية صورة عن القضاء في العهود المصرية المتقدمة، غير متوقعة تماماً، ومغايرة لافتراضاتنا، إذ تؤكد بأن الجميع وحتى الملك خضعوا للقانون، وكانت القوانين مدونة، جزئياً على الأقل، ولكنها فقدت وللأسف، كما تشير هذه المصادر إلى سريان أحكام القانون على الجميع، القوي والضعيف، والغني والفقير، ولضمان ذلك تكفل الملك بتوفير راتب مجز للقضاة، حتى لا يضطرهم العوز لقبول الرشوة والانحراف عن العدالة في تطبيق القانون.
وتشير الوصية التالية للقيم التي ينبغي على القضاة التحلي بها:
(احكموا بالعدل، لأن التحيز والمحاباة مكروهة من الأرباب.. وعامل الذي لا تعرفه كما تعامل الذي تعرفه، والقريب من الملك كما تعامل البعيد عنه)
تميز القضاة بارتدائهم قلادة خاصة، ترمز للعدالة والصدق، وتسمى (المآت Ma’at) فهي تذكرة لهم ولغيرهم بواجب القاضي في الدفاع عن العدالة وتحري الصدق في الدعاوي، وتقضي بمعاملة الجميع باستثناء المسترقين على حد سواء، وحظي القضاة المصريين في العهود الفرعونية بمكانة اجتماعية رفيعة، وعاملهم الناس بإحترام وتوقير.
ومن متطلبات استلام القاضي الفرعوني لمهام منصبه القسم الخاص بذلك، ويؤديه القاضي أمام الملك، وأهم ما في هذا القسم تعهد القاضي بعصيان أوامر الملك لو أمره هذا الملك بمخالفة القانون، أي أن القانون فوق الملك الفرعوني، فلا يحق للملك مخالفة القانون، ولو أمر بذلك فعلى القاضي واجب عصيان أمر الملك، وهذا دليل قاطع على استقلال القضاء وسيادة القانون في العهد الفرعوني.
يتأكد لنا من هذه الحقيقة التاريخية بأن ملوك الفراعنة كانوا أكثر احتراماً للقانون وإلتزاماً بمبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء من الرئيس المصري مرسي والكثير من رؤوساء الدول العربية والإسلامية المعاصرين والسابقين.
لعل البعض يتسائل عن موقف الإسلام من سيادة واستقلال القضاء والجواب نجده في الآية الكريمة التالية:
) ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) [النساء: 59 ]
يوجه الشطر الأول من الآية بطاعة الله والرسول وكذلك أولي الأمر فيما لا يخالف أمر الله ورسوله بينما يقضي الشطر الثاني برد الأمور المتنازع فيها إلى الله ورسوله واستثناء أولي الأمر من ذلك، لأن الأحكام هي من عند الله وكما بينها الرسول، وتطبيق هذه الإحكام في النزاعات من اختصاص القضاة ولا دور أو تأثير لأولي الأمر أو الحكام التنفيذيين في هذا الشأن، وهذا دليل قرآني على سيادة واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، ومن الواضح بأن الرئيس مرسي وحزبه من الأخوان المسلمين خالفوا هذا المبدأ القرآني.
أن يكون الملك الفرعوني أكثر احتراماً للقضاء واستقلاله من الكثير من حكام العرب والمسلمين أمر مخجل حقاً، ولكن أن يخالف أمر الله في ذلك من يدعي تطبيق الإسلام فهو النفاق بعينه.
10 أيار 2013م
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat