الشخصيات :
- عامل المقهى ( العامل )
- زبون دائم في المقهى ( الزبون )
- الأبله
ملاحظات :
1- عامل المقهى : شخص هزيل , متوسط الطول , تبدو عليه علامات الدهاء والمراوغة
2- الزبون : شخص مثقف , أو شبه , يرتدي بذلة رسمية قديمة , وسدارة مميزة ,
وربما يحمل في يده صحيفة ..
3- الأبله .. أبله غريب نوعا ما , صغير السن
4- الكلمات الموضوعة بين خطين مائلين / ..../ تلفظ باللهجة الشعبية ويستحسن لو تغنى بعد تلحينها
المكان :
زقاقٌ عتيقٌ , المنظر شبه مائل بالنسبة للناظر , ليس ميلا عموديا , بل أفقيا , بابٌ بين ركنين , هو باب المقهى , الباب يتكون من مصراعين , أحدهما أبيض اللون والآخر اسود اللون , ويرسم على كل جهة من الباب وجه من وجهي المسرح المعروفين , فالضاحك يرسم فوق الجزء الاسود , والباكي فوق الجزء الابيض , أمام الباب كرسي من البلاستك , أبيض اللون , لكن الخدوش تنتشر فوقه ككتابات محفورة بمسمار او ما شابه ذلك , أحدى أرجل الكرسي مكسورة ومصلّحة عن طريق تجبيرها بقطعة قماش , ما يجعلها اقصر من الأرجل الأخرى , مثبتة هذه الرجل فوق بيضة , كطريقة لتعويض القصر الناتج ,
- يفتح الستار , فيظهر لنا عامل القهوة (يكون دخوله بطريقة استعراضية) , يلف قطعة قماش بيضاء حول خصره , تتدلى على ساقيه ويرتدي شروالا أسودا وقميصا مخططا بني اللون , على رأسه ( عرقجينة مميزة ) ,
يحمل في يده صينية شاي ويتمايل رقصا وهو يغني ,
العامل : ( مغنيا )
فتاح يا عليــــم , يا رحيم يا رحيم ..
الزبون : ( يدخل ببطء ويقترب من باب المقهى المغلق .... يقاطع العامل )
قاتلك الله ايها البليد ..
العامل : استاذ هل أنت بخير .؟
الزبون : تقريبا لا
العامل : جيد
الزبون : لماذا ؟
العامل : ( صمت ) .... لماذا ماذا ؟
الزبون : لماذا تسألني ؟
العامل : لأني أنا ايضا لستُ على ما يرام
الزبون : لا يبدو ذلك
العامل : استاذ هل يبدو لك أن راسي يؤلمني ؟
الزبون : ولماذا يؤلمك ؟
العامل : لأني لستُ بخير
الزبون : اف
العامل : استاذ انا أتألم هل يمكنك معرفة مدى المي ؟
الزبون : نعم أعرف , أخشى ان تطلب مشاركتي في الألم
العامل : سيدي الكريم , ألمي مسألة نسبية لا يمكنك ان تحسه اصلا
الزبون : هل لي بسؤال ؟
العامل : بالتأكيد .. ( صمت ) يحق لك ان تسأل ,
الزبون : شكرا لك تبدو مهذبا !
العامل : لكن في الوقت ذاته لا يحق لك مطالبتي بجواب
الزبون : وما جدوى السؤال اصلا ؟
العامل : نوع من البوح ليس الا
الزبون : تتحدث بطريقة فلسفية هذا اليوم
العامل : استاذ انا مرشح لأكون غير انا ,
الزبون : صمت
العامل : ( يعود الى السير متبخترا ) يا خبر بفلوس , بالأمس ببلاش
الزبون : ( يدور حول الكرسي ثم يجلس في الهواء كمن يجلس
على كرسيّ )
العامل : استاذ , يبدو ان الجلوس على الهواء افضل ..
الزبون : منذ البارحة وانا انتظرك
العامل : ( بفرح ) حسنا .. حسنا طالما انك قلت البارحة , اذن لديك
وسيلة لمعرفة الوقت
الزبون : وسيلة ؟
العامل : أداة ... ساعة مثلا
الزبون : لماذا ساعة كاملة .؟ هذا اسراف , أنا اعرف الوقت بنصف
الساعة
العامل : حسنا , أنا وبالفطرة يمكنني القول ان الساعة الآن هي
العاشرة !
الزبون : صباحا أم مساءا ؟
العامل : هنا تكمن المأساة استاذ
الزبون : حسنا اريد الجلوس ,
العامل : هل معك رخصة من البلدية ؟
الزبون : نعم أنا زبون دائم في البلدية
العامل : حسنا يمكنك الجلوس ( يتحرك بعيدا )
الزبون : كيف أجلس ؟ الا ترى الكرسي
العامل : اجلس كما تجلس
الزبون : افتح المقهى واجلب كرسيا آخرا
العامل : ليس الأمر بهذه البساطة كما تظن
الزبون : لم أفهم
العامل : المقهى يفتح عند الساعة العاشرة صباحا
الزبون : والساعة الآن العاشرة
العامل : من قال ؟
الزبون : أنت
العامل : لم أقل
الزبون : بلى قلت
العامل : حسنا .. لنفترض اني قلت .. لم أحدد فيما لو كانت العاشرة
صباحا أم مساءا
الزبون : اعتقد انها " صباحا "
العامل : انا مثلك يا سيدي , ولكن الأمر يؤرقني حقا ,
الزبون : ألا يوجد في هذه المنطقة ديك ؟!
العامل : نعم كان هنا ديك وحيد ويصرخ كل صباح , ثم تطور الامر به
حتى صار يصرخ كل صباح ومساء ..
الزبون : ربما كانت العاشرة ظهرا !!
العامل : ربما
الزبون : طالما يصرخ الديك صباحا ومساءا والآن لم اسمع له صراخا
اذن ربما يكون الوقت ظهرا
العامل : كدت اصرخ فرحا .. يا سيدي المحترم ان ديكنا اختفى فجأة
وظهر لنا فجأة ايضا عشرات الديكة , يآل تعاستي كلها نائمة
الزبون : اذن يقينا انها العاشرة ليلا
العامل : لا يمكنك البت بذلك فهي لا تنام طبقا للوقت
الزبون : ( يجلس على الارض )
العامل : استاذ هل اجلب لك الشاي؟
الزبون : اذن ستفتح المقهى
العامل : لا يحتاج الامر لفتح المقهى نحن نمارس عملنا دون ان نفتح
شيئا
الزبون : هل تسمع .. انصت معي !
العامل : ( ينصت ) انصتتُ
الزبون : ماذا تسمع ؟
العامل : لا شيء اطلاقا
الزبون : قم بالإنصات مجددا
العامل : انا انصت الى درجة مبالغ فيها ,
الزبون : حسنا .. ماذا سمعت ؟
العامل : هنالك صوت
الزبون : نعم .. نعم
العامل : كأنه ضرب طبول
الزبون : الم تسمع صرخات امرأة .؟
العامل : فقط صوت الطبول
الزبون : هل ستقع الحرب ؟
العامل : ( ينظر الى السماء ويفتح ساعديه )
الزبون : ماذا تفعل ؟
العامل : أحاول ان اتلقف الحرب قبل سقوطها
الزبون : تتهكم !!
العامل : سيدي , لقد وقعت في اذني نملة , وهي من يصدر صوت الطبول
الزبون : لكني اسمع صوت لامرأة تصرخ
العامل : ربما وقعت في اذنك امرأة ( يضحك )
الزبون : ( ينهض ثم يحاول الانصراف )
العامل : ( يحاول منعه ) استاذ تفضل .. اجلس ( يشير الى الكرسي )
الزبون : هل انت مجنون ؟!! كيف اجلس ؟ الا ترى الكرسي ؟
العامل : نعم أراه والا كيف أدعوك للجلوس ؟!
الزبون : انظر اليه مجددا
العامل : ( يقوم بتفحص الكرسي )
الزبون : هنا .. انظر هنا ..
العامل : ما هذا ؟
الزبون : بيضة كما ترى !!
العامل : كيف عرفت ؟
الزبون : ألا تعرف انها بيضة
العامل : كيف تقول انها بيضة
الزبون : نعم بيضة
العامل : لكنها بنية اللون !!
الزبون : ليس مهما هذا , المهم كيف سأجلس بوجودها ؟
العامل : كما كان يجلس المختار السابق
الزبون : السابق !!
العامل : ( يسير منصرفا ) يا خبر بفلوس امس ببلاش
الزبون : ( يتفحص البيضة دون ان يلمسها ) يبدو انها بيضة المختار
تشبهه تماما
( اظلام أو اضاءة باهتة )
صوت صراخ وضجيج في المكان
( انارة باهتة )
( يدخل المكان " الأبلهُ " يمشي كمن يبحث عن شيء )
الأبله : اين المختار ؟
الزبون : ليس هنا
الأبله : أين ؟
الزبون : لا أحد يعرف
الأبله : ( يريد الذهاب )
الزبون : مهلا .. ماذا تريد منه ؟
الأبله : هل انت هو ؟
العامل : ( يأتي مسرعا ) نعم .. نعم ..
الزبون : يريد المختار ..
العامل : أنا أنوب عنه ( للصبي ) ماذا تريد ؟
الأبله : أمي تقول ..
الزبون : ماذا ؟
الأبله : لقد مات أبي ..
العامل : وما دخل المختار؟
الأبله : لا اعرف
العامل : ( مخاطبا الأبله ) هل تعرف الآن هو المساء أم الصباح ؟
الأبله : ( لا يجيب )
العامل : مهم جدا أن نعرف مساءا أم صباحا هو الوقت .؟
الزبون : لتفتح المقهى ؟
العامل : نعم , فيأتي المختار ونقول له ان المرأة مات زوجها
الزبون : بدأت احس بشيء ما
العامل : لا بد وانها الحاجة الى الجلوس
الزبون : ليس علينا قول كل شيء , ولكن يحق لنا أن نسأل ؟
العامل : نعم .. نعم ..
الزبون : هذا كرسي المختار, لكنه لا يأتي حتى يفتح المقهى
العامل : معادلة , شك .. تفكير .. تعب .. معادلة خاطئة
الزبون : هل تسمع ؟ يبدو ان الصراخ يعلو
العامل : لا بد وانه أزيز ابريق الشاي
الزبون : صراخ نساء
العامل : أزيز ابريقة الشاي ( يضحك )
( تخفت الاضاءة )
صوت لأقدام صغيرة
( تعود الاضاءة تدريجيا فيظهر لنا الأبله يقف أمام المقهى )
الأبله : هل عاد المختار ؟
العامل : ليس بعد
الزبون : ماذا تريد ؟
الأبله : أمي تقول ان اخي قُتل في الحرب
العامل : حرب !!
الزبون : حرب !!
العامل : ( يهمس الى الزبون ) أية حرب ؟
الزبون : لا اعرف
العامل : ( يخاطب الأبله ) حسنا اذهب وقل لها ان المختار في
الحرب , وعليها ان تدعو له بالسلامة والنصر
الأبله : ( ينصرف )
الزبون : فيما لو قُتل المختار .. من سيحل محله
العامل : لكنه شجاع لن يموت ..
الزبون : وإن .. وإن ؟
العامل : ربما يقتل كل من معه أما هو فاستبعد موته
الزبون : علينا التفكير بشكل جدّي من سيخلف المختار ؟
العامل : ( يمشي مغنيا ) يا خبر بفلوس بالأمس ببلاش !!
الزبون : عليّ الجلوس لأفكر مليّا
العامل : استاذ هل ترغب بالشاي ؟ ( يسير مغنيا )
/ يا شاي .. ياشاي
ردوا عليه هواي ,
كلبي على غيابه انفطر
ودموعي نزلن كالمطر
والعمر هالوله وعبر
وما بقى بعيوني الماي ,
يا شاي .. يا شاي
***
عن ولفي ذاك الما لفه
والجفن بعده ما غفه
سبحان ربي الوصفه
والما صفه كلبه وياي /
الزبون : ( بتهكم ) هل تغني والرئيس في الحرب
العامل : الطير يرقص مذبوحا يا استاذ
الزبون : واين الطير ؟
العامل : ( مغنيا ) الطير ...
الزبون : ( يقاطعه ) هس .. هل تسمع ؟
( تخفت الاضاءة لتعود والأبله يظهر أمام المقهى )
الأبله : أين المختار
العامل : في الحرب , انها السنة العاشرة وهو في الحرب
الزبون : ( بطريقة آلية ) المختار .. حرب .. العاشرة .. سنة
العامل : هل أنت بخير استاذ ؟
الزبون : يبدو ذلك
الأبله : امي تقول ان جثة أبي بدأت تنتفخ بصورة غريبة
الزبون : قل لها بأن ...
العامل : ( يقاطع الزبون ) بأن لا تفتح الشبابيك
الزبون : لكن ..
الأبله : أمي تقول بأن الجثة ستتنفس كل الأوكسجين ..
الزبون : نعم ؟ ( يخاطب العامل ) ما هو الأوكسجين
العامل : لا عليك .. هذه اشياء لا تعنيك ( يسير مغنيا ) يا خبر بفلوس ,
بالأمس ببلاش ..
الأبله : ( ينصرف )
الزبون : شك .. شك .. الساعة العاشرة .. السنة العاشرة .. الحرب ,ماذا
يعني ذلك ؟
العامل : و يا خبر بفلوس .. بكره ببلاش
( تخفت الاضاءة )
العامل : ( يقترب من الكرسي , يحاول تحسسه بينما الزبون ينام في أحد
الأركان , ) هل الجلوس هنا بهذه الصعوبة ؟ فلأجرب , ( يتردد ) لا
فالبيضة هي صمام الأمان , ربما عرف المختار أني حاولت
الجلوس محله ؟! ( صمت ) ماذا سيفعل ؟ ( صمت ) ربما قتلني
( صمت ) ( يضحك ) لكنه قد يقتل في الحرب ؟!! ( صمت ) حرب (
يضحك بشدة ) المختار ( يضحك بشدة ) يا خبر بفلوس
بالأمس ببلاش , ( تخفت الاضاءة اكثر الا بقعة ضوء على العامل)
(يخرج العامل ويعود بيده
صرة ملابس ينثرها أمامه )
هذه ملابس المختار , لا بد وانه
قُتل في الحرب , (صمت) هذه اثار الدماء , ( صمت ) رباااااااه
( يصرخ) هذه عصاة المختار , عصاته , قوته وحكمته
( يضحك بشدة )
الزبون : ( مرعوبا ) ماذا حصل ؟
العامل : لا بد وانك رأيتَ حلما مرعبا استاذ
الزبون : أنا ؟؟!!
العامل : نعم أنت , ألم ترَ أن المختار قد قتل في الحرب ؟
الزبون : ( بدهشة ) أنا ؟
العامل : نعم , ألم ترَ كيف مزقوا ثيابه واخذوه عصاته ؟!
الزبون : على العكس لقد كان شجاعا جدا
العامل : غدروه يا استاذ غدروه
( اظلام ثم انارة يظهر لنا الأبله بشاربين كثين )
الأبله : هل عاد المختار ؟
الزبون : لقد .... ( يقاطعه العامل )
العامل : لقد كتب لنا بانه بخير وسيعود قريبا
الزبون : ماذا تريد ؟
الأبله : أمي تقول لم تبقِ لنا جثة ابي من حيز في البيت
الزبون : افتحوا الشبابيك , حتى تتمدد الجثة في الفراغ
العامل : ابقوا الشبابيك مغلقة , الطامعون كثر..
الأبله : ( ينصرف )
العامل : مصيبة واحاقت بنا استاذ ..
الزبون : صمت
العامل : العامل كل هذا بسبب كابوسك
الزبون : كان قبل قليل حلما
العامل : لقد تأزم الموقف استاذ
الزبون : كنت تعلم
العامل : أنا ارثي المختار بشدة
الزبون : صمت
العامل : لقد كان رجلا صالحا
الزبون : عصاته غليظة
العامل : لقد كان حكيما
الزبون : ينام مبكرا
العامل : يفكر ساهرا
الزبون : يمشي نائما
( يدخل الأبله بشارب ممتد بصورة غريبة )
الأبله : أمي تقول بان هنالك رجال كثيرون في بيتنا
العامل : في بيتكم رجل
الأبله : في بيتنا رجل
الزبون : رواية شيقة
العامل : مؤلمة
الزبون : احسان عبد القدوس
العامل : من هذا ؟
الزبون : ربما هو من سيخلف المختار
العامل : صمت
( اظلام )
( صوت ضجة شديدة)
( اضاءة يظهر لنا الزبون والعامل )
الزبون : لقد استيقظ المختار من النوم
العامل : كارثة .. لا بد وانك تمزح
الزبون : لقد رأيته بعيني ..
العامل : يا الهي
الزبون : لقد تغير كثيرا
العامل : هل كان نائما
الزبون : لقد قلت بانه ميتا
العامل : معاذ الله
الزبون : لم اعد اعرفه ولم اتوقع انه هو
العامل : قاتلك الله لقد قتلت الرجل بكابوسك
الزبون : لقد شوهد وهو يحمل عصاته
العامل : ( يرتبك ) هل كان عندنا مختارا ؟
الزبون : وعصا
العامل : ( بقلق ) وعصا
الزبون : صمت
( اظلام )
( اضاءة )
يظهر لنا عامل المقهى وهو يجلس على الكرسي , يدخن بشراهة , يدخل الأبله
الأبله : أين المختار
العامل : نعم
الأبله : أمي تقووووول ...
ستار
ملاحظة مهمة :
قبل أي تناول للنص , يجب أخذ موافقة الكاتب ..
مسلم بديري
العراق
ايميل :muslim_tyrant@yahoo.com
تلفون : 009647703205506
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat