يُعد المال السياسي أحد أبرز العوامل التي تؤثر في نتائج الانتخابات البرلمانية والتي من المقرر أن تجرى في الحادي عشر من شهر نوفمبر من العام الحالي، والتي ستعيد تشكيل خارطة النفوذ داخل البرلمان والحكومة،فبين الطموحات الشعبية بالتغيير، والواقع المعقد الذي تحكمه المصالح، يبرز المال السياسي كقوة خفية تتحكم في مسار الديمقراطية، وتضعف فرص المنافسة النزيهة.
المال السياسي هو استخدام الموارد المالية من قبل الأحزاب أو التيارات أو المرشحين أو جهات خارجية للتأثير على العملية الانتخابية، سواء عبر تمويل الحملات، شراء الأصوات، أو السيطرة على الإعلام والدعاية، وفي العراق يتخذ المال السياسي أشكالاً متعددة منها تمويل الحملات الانتخابية الضخمة التي تتجاوز قدرات المرشحين المستقلين،وشراء الولاءات العشائرية أو المناطقية عبر تقديم خدمات أو وعود مالية، بالاضافة الى التأثير على وسائل الإعلام لترويج مرشحين محددين أو تشويه سمعة المنافسين.
أن عملية استخدام المال العام أو موارد الدولة من قبل بعض الجهات النافذة لتقوية مواقعها الانتخابية، له تداعيات خطيرة المال السياسي بل على خطوات ترسيخ الديمقراطية في البلاد، لان وجود المال السياسي بهذا الشكل يخلق بيئة انتخابية غير متكافئة، ويؤدي إلى حالة إقصاء الكفاءات والمستقلين الذين لا يملكون موارد مالية كبيرة، وتشويه إرادة الناخبين عبر الإغراءات المالية أو الضغط الاجتماعي، بالاضافة الى إضعاف ثقة المواطن بالعملية الانتخابية، ما يؤدي إلى عزوف واسع عن المشاركة.
رغم التحديات، هناك جهود تبذل من أجل الإصلاح والمساءلة في محاولات للحد من تأثير المال السياسي، فدور مفوضية الانتخابات في مراقبة الإنفاق الانتخابي، رغم محدودية الأدوات من أهم الادوات التي يمكن الاعتماد عليها في مراقبة التلاعب بالمال العام وأستخدامه في الانتخابات، ونشاط مؤسسات المجتمع المدني والإعلام المستقل اللذان هما كفيلان في فضح الممارسات غير القانونية التي ترافق العملية الانتخابية في البلاد.
هناك مطالبات شعبية تتعالى في ضرورة تشريع قوانين صارمة لمحاسبة من يستخدم المال السياسي بشكل غير مشروع،ولكن هذه الجهود تبقى محدودة ما لم تتوفر إرادة سياسية حقيقية، ومشاركة شعبية واسعة تضغط باتجاه عملية الإصلاح في الحكومة وتطوير أدائها بما يحقق الاهداف التي رسمتها لنفسها.

يأتي دور المواطن في مواجهة المال السياسي مكملاً في تعزيز دور الاستقرار في البلاد كونه يمتلك قوة التغيير عبر الاختيار الواعي للمرشحين بناءً على الكفاءة والنزاهة، لا على المال أو الوعود، وفضح الممارسات المشبوهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المحلي، بالاضافة الى المشاركة الفاعلة في الانتخابات وعدم ترك الساحة لمن يشتري النفوذ.
يبقى المال السياسي تحدياً كبيراً أمام الديمقراطية الفتية والتي بدات ملامحها تظهر من خلال الاستقرار النسبي الذي نشهده من خلال توسع دائرة الاستثمار في البلاد والحركة العمرانية ، لكنه ليس قدراً محتوماً. فبإمكان الشعب، عبر الوعي والمشاركة، أن يضع حداً لنفوذ المال، ويعيد للانتخابات معناها الحقيقي كأداة للتغيير والبناء.

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!