شهد التاريخ الإسلامي، منذ بداياته الأولى، ظهورَ حركاتٍ منحرفةٍ عن خطّ الرسالة الأصيلة، تتستّر بشعاراتٍ دينيةٍ أو إصلاحية، لكنها في جوهرها تسعى إلى تفكيك وحدة الأمة وزعزعة الثقة بالمرجعية الدينية الراسخة، التي مثّلت عبر القرون صمّام أمان للفكر والعقيدة والمجتمع.
ومن بين تلك الحركات التي انكشفت حقيقتها، ما يُعرف بـ "حركة الصرخي" التي حاولت أن تتقمص دور الإصلاح والتمثيل الديني، بينما هي في حقيقتها امتدادٌ لمشاريع سياسية مشبوهة، تستهدف المرجعية العليا والهوية المذهبية الأصيلة لأتباع أهل البيت (عليهم السلام).
أولًا: المنطلق الفكري المنحرف
لم يكن انحراف الصرخي وليدَ صدفة، بل هو نتيجة فكرٍ مضطربٍ ومتسرّبٍ من نزعات العُجب والأنانية التي دفعت صاحبها إلى الادعاء بما ليس له من علمٍ أو مقام.
تقمّص الصرخي شخصية “المرجع” من دون امتلاكه أدوات الاجتهاد، فراح يُصدر فتاوى شاذة، ويُشكك في الثوابت العقائدية والرموز المرجعية التي أجمعت عليها الأمة، ليؤسس لنفسه قاعدة من الجهّال والمغرّر بهم، يعتمد فيها على الخطاب الشعبوي والإثارة العاطفية لا على الدليل العلمي أو المنهج الأصولي الرصين.
ثانيًا: الموقف من المرجعية العليا
تعدّ المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف — ممثلةً بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) — الامتداد الطبيعي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد حفظت دماء الشيعة وكرامتهم ووحدة بلدهم في أحلك الظروف.
لكن الصرخي، ومن على شاكلته، جعلوا من مهاجمة المرجعية هدفًا ثابتًا، مستخدمين أدوات إعلامية مشبوهة ومنابر مدفوعة لتشويه صورتها، تمهيدًا لزعزعة ثقة الناس بخطّها، وهو ما يتماهى تمامًا مع خطط أجهزةٍ استخباراتيةٍ معادية سعت دومًا لضرب النجف وعزلها عن جمهورها.
ثالثًا: البُعد السياسي والارتباط الخارجي
تؤكد كثيرٌ من الوقائع والتحليلات الأمنية أن حركة الصرخي ليست ظاهرة دينية بريئة، بل أداة تنفيذية لأجنداتٍ خارجية تستهدف العراق واستقراره الاجتماعي والديني.
لقد تحوّلت هذه الحركة إلى ذراعٍ ناعمةٍ للفوضى الفكرية والسياسية، تارةً عبر التشكيك في رموز الجهاد ضد الإرهاب، وتارةً أخرى عبر إثارة النعرات والانقسامات بين أبناء البلد الواحد.
ومثل هذه التحركات لا يمكن فصلها عن محاولات ضرب الخطّ المقاوم الذي واجه الإرهاب والتطرف، والذي تستمدّ المرجعية منه شرعية الدفاع عن الوطن والمقدسات.
رابعًا: موقف المجتمع الواعي
أثبتت التجربة أن الوعي الشعبي، المدعوم بتوجيهات المرجعية الرشيدة، كفيلٌ بفضح هذه الحركات المنحرفة، واحتوائها فكريًا قبل أن تتحول إلى خطرٍ أمني.
لقد نبذ المجتمع العراقي، بوعيه وإيمانه، دعاوى الصرخي وأباطيله، وأدرك أنَّ ما يصدر عنه لا يمتّ بصلة إلى الفكر الحسيني أو المدرسة العلمية النجفية، بل هو خروجٌ على قيم الدين والعقل والاعتدال.
خاتمة
إنّ حركة الصرخي ليست إلا واحدةً من تجليات الانحراف الديني المُغلف بشعارات زائفة، يراد منها شق الصفّ الشيعي وتمزيق النسيج الوطني، خدمةً لأعداء العراق والإسلام.
ولذا فإن الواجب اليوم على المثقفين والعلماء والإعلاميين أن يواجهوا هذه الظواهر بالحجة والعلم والوعي، حمايةً للعقيدة، وصونًا لمرجعيةٍ حفظت بدموعها وفتاواها كيان الأمة من الضياع.

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!