ارتباط النذر في إراقة الدماء
فاطمة السعيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 النذر لون من ألوان الطقوس الدينية ارتبط منذ القدم بالسعي لاسترضاء الإله وكسب وده ونيل رحمته .

قبل الخوض  في تفاصيل هذا المفهوم لابد من توضيح معناه : النذر هو إلتزام الانسان بشيء لم يكن واجبًا عليه، سواء كان الالتزام مطلقًا أو على شرط أي هو وسيلة من وسائل التقرب  للإله رجاء قضاء حاجــة يريدها  أو للشكر والاعتراف بعون حصل عليه  قبل تقديمه النذر ، ويتجسد  بذبيحة وغيرها من أعمال البر والطاعة .
هنا قد يُثار تساؤل هل جاء النذر مما جاء به الإسلام أم كان موجود في الأمم السابقة؟ 
نجد الإجابة على هذا التساؤل في القرآن الكريم من خلال عرضه انواع من النذور، في الامم السابقة،  ولم يقتصر النذر على التقرب بالدم فمن النذور ما نلاحظه في قوال إمرأة عمران « إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » ونذر مريم بنت عمران التي تقربت الى الله بالصوم «قالت اني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم انسيًا» 
وقد اختلفت النذور باختلاف الثقافات والمجتمعات فمنها نذور مادية كأن تكون ذبيحة أو جملة ذبائح او تكون نقدا او زرعًا أو ارضًا أو معنوية كالصوم والانقطاع  للعبادة وخدمة المعابد .وكانت القرابين البشرية في جملة الأشياء التي قدمها الإنسان نذرًا إلى الآلهة .
إن ما يخص موضوع بحثنا هو النذر المتعلق بإراقة الدماء.واول مشهد قصه علينا القرآن الكريم من أحكام القربان أو النذور جاء في قصة ابني آدم «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» هذه الآية  إشارة إلى أن التقرب بالدم بدأ منذ بداية الإنسان ومنذ أن وجد الإنسان على كوكب الأرض .ثم تطورت  فكرة النذور  وعرفتها كل شعوب الأرض وكل الديانات، السماوية منها والوضعية ، و مارست كل أمة هذه الشعيرة بشكل يتلاءم وبنائها الفكري و العقائدي.
وقد تحولت عادة سفك الدماء في المجتمعات القديمة إلى وسيلة لطرد الأرواح الشريرة حسب اعتقادهم ، وكما ارتبطت بمناسبات  الإجتماعية كالزواج وفي الجاهلية كانوا يقدمون القرابين نذرًا للإله ويعتقدون إن الآلهة تشرب دم الضحية لأن الإنسان كان يؤمن أن هذه الآلهة لها دور رئيسي في الحفاظ على نظام الكون .
ان عادة تقديم القرابين البشرية الوحشية مارستها تقريبًا كل شعوب العالم لاعتقادهم بأنها أحسن أنواع القرابين للآلهة المعبودة  ، مارسها البابليون  والاشوريون والكنعانيون و الفراعنة والعبرانيون وغيرهم فانتشرت ظاهرت النذر بذبح الولد قربانًا للمعبود وأصبحت من سنن الوثنين . 
ومن نعم الله على البشر  جعل خليله القدوة الحسنة والمثل الأعلى لارفع صور الإيمان واجلها في تاريخ البشرية فاعطى الإنسانية درسًا حيًا في إبراهيم وابنه تمهيدًا للقضاء على هذه الظاهرة الوحشية فامره بذبح أعز مايملك وهو ولده إسماعيل -حينما  رأى في المنام أنه يذبحه- إن امثال النبي لأمر ربه في الرؤيا الصادقة  ضرب بها صورة التضحية في سبيل الإيمان وخاصة إن إسماعيل ولده الوحيد . وكانت هذه القصة  مفترق الطرق بين الهمجية التي كانت لا تتورع عن الذبائح البشرية وبين الإنسانية المهذبة التي لا تأبه الفداء بالحياة  ولكن تتورع عن ذبح الإنسان ، فقد استعاض عن البشر بالحيوان (ثم فديناه بكبش عظيم)  
ومن الحوادث التاريخية التي ذكرها لنا التاريخ ضمن تقديم البشر قرابين لله هي قصة عبد المطلب حينما نذر أن يذبح أحد أبنائه إذا بلغوا عشرة،  وذكر الماوردي  ( إن عبد المطلب  نذر ابنه شكر لربه  حينما علم إن إبراهيم أمر بذبح ولده  وإن هذا أفضل قربة وأنه قمة الإخلاص)  ولما علم ما لهذا النذر من مردود سلبي على المجتمع كونه من الوجهاء ويكون فعله سنة ،وبما أن لهذه الحادثة سبق تاريخي في قصة النبي إبراهيم فقد استعاض عن نذره بالفدية وجعلها من الإبل وسنة دية القتل مائة ناقة .ولهذا افتخر النبي أنه ابن الذبيحين  إسماعيل وعبد الله. ومن تلك الحادثتين أدركت العقيلة زينب (ع) أن الحسين قربان للدين فعندما رفعت جسد أخيها الحسين  قالت: اللهم تقبل منا هذا القربان
ان إراقة الدم مسألة موجودة عند الديانات الثلاث  اليهودية،عيد الغفران والمسيحية عيد الفصح و الإسلامية عيد الأضحى وفيه يقدم المسلمون الاضاحي وهي شعيرة من شعائر الحج يراق بها الدم وكذلك يريق المسلمون الدم في العقيقة والفداء عند بناء منزل او مايقدم نذرا الله في ثواب الأولياء والصالحين.
و أكد لنا القرآن ان النذر من العبادات الفعلية و امتدح الله  الموفون بها«يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ  مُسْتَطِيرًا »  (الإنسان: 7).
ومما سبق يتبين لنا أن النذر من الشعائر الدينية وجدت منذ وجود الإنسان فكانت موجودة بالديانات الوضعية والسماوية وهناك أنواع من النذور مادية ومعنوية ذكرها القرآن الكريم ، ويقدم فيها الإنسان اغلى شي عندة قربة لله تعالى و (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ ...).
.........................
المصدر المفضل في تايخ العرب قبل الإسلام ج1

الموضوع السابق الأرض التي فضحت السقيفة

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat