كقطع جذور شجرة عملاقة من أديم الأرض الصلبة، شعرتُ لوهلة بذلك الإحساس.
ولو أنها لم تكن إلا دقائق، لكنها كانت طويلة في عمر الحسّ والإدراك.
وبين مقبض الطبيب وغرز الإبر الموجعة، تتقافز نبضات القلب، وتتسارع الأنفاس، وتصبح الحياة ألماً كبيرًا معبّأً بالأوجاع.
وهنا، وفي طريق الرجوع، تساءلتُ في قرارة نفسي المتشظية ما بين همّ الدنيا وهمّ الآخرة، قائلة:
يا الله، تجربة بسيطة نمرّ بها جميعًا، نُربك فيها وكأنها دهرٌ كامل.
ألمٌ مؤقّت، تسودّ الدنيا في أعيننا حينه، يسلب الراحة، ويغتال الطمأنينة، ويُغادرنا الأمان.
شعرتُ بالدوار الشديد حالما اجتُثّ السن من أعماق الفم، وكأنّ روحي كلّها كانت محشوةً في ذلك المكان الذي اقتُلع للتو.
أطبقتُ فمي بقوة على موضع القلع، وكأنني أتشبّث بالحياة التي أحسستُ بأنها كادت أن تغادرني في تلك اللحظات.
ومضيتُ في خطوات العودة، والقطن يعبّأ في فمي، ويغرق في بحر الدماء.
لم أشعر كيف تساقطت بعض القطرات على ملابسي، وتناثرت على صفحات أرض العيادة الملساء.
هنا، وقفتُ قليلًا أمام منظر الدم الأحمر القاني، وطافت في أروقة الذكريات تلك الدماء الزاكيات.
نعم، ذلك الدم، وإن خرج مني، كأنما استعار لونه من ذاكرة مثقلة بالوجع، من طَفٍّ ما برح يسكنني...
هناك، حيث ابتدأ الألم الأكبر، وارتفع الوجع إلى مرتبة القداسة.
فلطالما استفزّني ذلك المنظر، وقاد مخيلتي عنوةً إلى يومٍ تخلّد في رحم الوجود أبد الزمان؛
حيث الرؤوس المقطعة، والأجساد المضرجة، والدماء الزاكيات التي انغرزت في عرصات الرفض والإباء.
هكذا فارَ تنّور الوعي، المستقطَع من أبسط المواقف والأحداث،
ليُترجم المشاعر، ويتدفّق بعنفٍ من وحي ملحمة سيد الثوّار،
الذي ارتفع دمه الشريف ليكون رايةً، ورمزًا، ودربًا للعاشقين الأحرار.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat