صفحة الكاتب : مهند ال كزار

المظاهر المسلحة وأثرها على العملية السياسية في العراق
مهند ال كزار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تمثل ظاهرة انتشار السلاح خارج إطار الدولة، إحدى أبرز الإشكاليات التي تعرقل استقرار العملية السياسية في العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم، فهي ليست مجرد قضية أمنية فحسب، بل هي أزمة سياسية ومجتمعية تمس جوهر مفهوم الدولة الحديثة وسيادتها، لما لها من أرهاصات وتداعيات كبيرة، منها ما يتعلق :

أولاً: إضعاف سلطة الدولة
وجود فصائل وحركات مسلحة تمتلك نفوذاً في الشارع، يجعل الدولة عاجزة عن احتكار العنف المشروع، وهو المبدأ الذي تقوم عليه أي دولة قوية، هذا الضعف ينعكس على قدرة المؤسسات الرسمية في فرض القانون بشكل متساوٍ، حيث تتحول بعض المناطق إلى ساحات نفوذ للفصائل، والحركات أكثر مما هي تحت سلطة الدولة.

ثانياً: التأثير على العملية الديمقراطية
المظاهر المسلحة تلقي بظلالها الثقيلة على الانتخابات، إذ قد تُستعمل أداة ضغط على الناخبين أو المرشحين، سواء بالترهيب المباشر أو من خلال إشاعة أجواء خوف تمنع المنافسة الحرة، أو فيما يتعلق بوصفها بديل عن الدولة تلجأ إليها المجتمعات للحماية وفرض القوة على الآخرين، وبالتالي، تُفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الحقيقي وتضعف الثقة الشعبية بالنظام الديمقراطي القائم.

ثالثاً: تعطيل بناء مؤسسات الدولة
الأحزاب التي تمتلك أذرعاً مسلحة قادرة على التأثير في عمل السلطات الثلاث، وتحديداً السلطتين التشريعية والتنفيذية، هذا التأثير يعطل جهود الإصلاح، ويجعل من الصعب بناء مؤسسات مستقلة تعمل وفق القوانين والدستور بعيداً عن الضغوط المسلحة.

رابعاً: تعزيز الانقسام المجتمعي
غالباً ما ترتبط الفصائل والحركات المسلحة بانتماءات طائفية أو قومية، أو مصلحية، مما يرسّخ الانقسام داخل المجتمع العراقي، بدلاً من أن تكون العملية السياسية فضاءً للحوار الوطني، تتحول إلى ساحة صراع ومساومة، بين قوى تمتلك القوة والسلاح وتسعى لفرض إرادتها على الآخرين بالقوة.

خامساً: تقويض القرار السيادي
الارتباطات الخارجية لبعض الحركات والقوى والفصائل المسلحة، تجعل القرار السياسي العراقي خاضعاً لحسابات إقليمية ودولية، وهو ما يضعف استقلالية الموقف الوطني، ويجعل العراق ساحة صراع بالوكالة أكثر من كونه دولة ذات سيادة.

سادساً: تهديد السلم الأهلي
وجود السلاح خارج سيطرة الدولة يحوّل أي خلاف سياسي او عشائري إلى احتمال لصراع مسلح، وهو ما يهدد السلم الأهلي ويجعل الاستقرار رهيناً للتوازنات بين القوى المسلحة لا لقوة الدولة ومؤسساتها.

إن المظاهر المسلحة في العراق ليست مجرد تحدٍّ أمني، بل هي أزمة سياسية تعطل بناء الدولة الحديثة وتضعف المسار الديمقراطي، واستمرارها يعني بقاء العملية السياسية رهينة لتوازنات القوة المسلحة بدلاً من أن تكون انعكاساً للإرادة الشعبية الحرة.
الحل الجذري يكمن في حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها، وتعزيز مؤسساتها الأمنية والقضائية، بما يضمن استقرار النظام السياسي ويعيد ثقة المواطن بالدولة كإطار جامع للجميع بعيدا عن المحسوبيات الأخرى .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مهند ال كزار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/02


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • التحولات الجيوسياسية في جنوب آسيا: أثر الاضطرابات الباكستانية – الأفغانية على التوازن الإقليمي والتحالفات الدولية  (المقالات)

    • خطة ترامب لغزة: بين الطموح السياسي والقيود الميدانية  (المقالات)

    • إيران و"كهف الحصار": قراءة في تداعيات تفعيل آلية الزناد وإعادة العقوبات الدولية  (المقالات)

    • إعلان نيويورك: الدلالات السياسية لانحياز المجتمع الدولي نحو حل الدولتين  (المقالات)

    • المطالبة الأمريكية بقاعدة باغرام وربطها بتطورات بولندا–بيلاروسيا: قراءة تحليلية  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : المظاهر المسلحة وأثرها على العملية السياسية في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net