معركة "الوحوش الحديدية" الأولى!
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في خضم معركة "السوم" الدموية التي استمرت أربعة أشهر ونصف وقتل خلالها من الطرفين، أكثر من مليون ونصف المليون شخص، دخلت الدبابات ساحة القتال لأول مرة في 15 سبتمبر 1916.
معركة "السوم"، عملية هجومية ضخمة بدأها الجيشان البريطاني والفرنسي ضد القوات الألمانية على ضفتي نهر السوم في فرنسا، وكان الهدف منها تحقيق اختراق حاسم للخطوط الألمانية، بعد فترة طويلة من جمود ما عرف بحرب الخنادق.
شاركت في تلك المعركة غير المسبوقة في الحرب العالمية الأولى، دبابات بريطانية طراز "مارك -1" التي تعد الأولى في العالم، وقد صُممت خصيصا في تلك الفترة لاختراق الخنادق الألمانية الحصينة.
أصدر الجنرال دوغلاس هيغ، القائد العام البريطاني قرار إرسال أولى الدبابات البريطانية إلى المعركة نتيجة لتعثر الهجوم على الخطوط الألمانية. حاول البريطانيون مرات عديدة اختراق الدفاعات الألمانية، إلا أن جهودهم باءت بالفشل.
كان الجنرال البريطاني يشك في قدرة السلاح الجديد، إلا أن الوضع المعقد على تلك الجبهة دفعه إلى استخدام آخر أوراقه في المعركة.
بدأت الدبابات البريطانية هجومها في الساعة 05:30 صباح 15 سبتمبر 1916. تسللت متخفية عن أعين الألمان خلف حجب الضباب وتمكنت من الاقتراب من مواقعهم.
أزاحت الدبابات البريطانية بسهولة الأسلاك الشائكة وهاجمت الخنادق ودمرت التحصينات. المعركة استمرت حتى الساعة العاشرة صباحا.
في بداية الهجوم، لم تسر الأمور كما يجب. من بين 49 دبابة شاركت في العملية وصلت 31 دبابة فقط سليمة إلى خط المواجهة. فشلت 17 دبابة في خوض المعركة بسبب تعثر بعضها في مستنقع، وتعطل عدد آخر لأسباب فنية.
خلال هذه المعركة التي استمرت خمس ساعات بمشاركة الدبابات وأفواج من المشاة، اخترقت "الأحصنة الحديدية" الجبهة الألمانية بعرض خمس كيلو مترات وبنفس المسافة من العمق، وكانت الخسائر البريطانية البشرية أقل بعشرين مرة من المعتاد.
نتيجة لقلة عدد الدبابات التي شاركت في المعركة، لم يكن من الممكن اختراق الدفاعات الألمانية بشكل كامل، ولم يتحقق اختراق الجبهة الألمانية بشكل كامل، إلا أن هذا السلاح الجديد أثبت قدرته الهجومية.
نجاح الدبابات المهم والأكثر قوة في هذه المعركة تمثل في تأثيره النفسي. كان مشهد الدبابات وهي تتقدم من الخنادق مفاجأة صادمة للقوات الألمانية. أصيب الجنود الألمان بالذعر وهم يرون هذه "الوحوش الحديدية" المنيعة وهي تزحف فوق الخنادق وتسحق الأسلاك الشائكة. كانت الصدمة النفسية يومها أشد وطأة من الأضرار المادية التي سببها ذلك العدد القليل من الدبابات.
الدبابات من جهة أخرى شجعت البريطانيين ورفعت معنوياتهم بصورة كبيرة في أحرج وقت، بعد سنوات من الجمود الدموي وهجمات المشاة الفاشلة ضد الرشاشات. ظهر أخيرا السلاح القادر على كسر جمود حرب الخنادق.
وهكذا يعد 15 سبتمبر 1916 بمثابة يوم الميلاد الرسمي للدبابات كسلاح قتالي. قبل هذا التاريخ كانت هذا الأمر مجرد مفهوم نظري.
معركة الدبابات الأولى أعطت دروسا أولية قيمة على الرغم من دمويتها الهائلة، عما سيصبح في وقت لاحق مبادئ أساسية للحرب المدرعة.
بعد معركة السوم، ازداد استخدام الدبابات انتشارا وتطورا. بحلول نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت دول الوفاق وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا تمتلك مئات الدبابات، فيما تطورت تصاميمها بشكل سريع وملحوظ.
المصدر : rt
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat