لا تختلف ثقافة المرء من بلد عن آخر، من حيث السلوكيات والأداء اليومي، فمقومات الإنسان المثقف الواعي ترشح آثارها على المحيط الإجتماعي في أي بلد من بلدان الأرض، بلحاظ أن الثقافة ليست ظاهرة طارئة تزول بزوال المؤثر، فمن يكون منظما ومحترما للقانون في بلد يسوده النظام وحكم القانون؛ سيكون منظماً في البلد الذي تقل فيها عوامل النظام أو تنعدم فيه مؤشرات القانون، فقيمة المثقف هي فيما يحمله من ثقافة في اتجاهات مختلفة، ويشار إليه بالبنان إذا استطاع أن يترجم ثقافته السلوكية السوية على أرض الواقع، وأن يكون مؤثرا فاعلا في تذليل الجوانب السلبية لا متأثرا بها، ويتأثر بالجوانب الايجابية ويفعّلها ويتفاعل معها لا نافراً منها.
وفي مجال المشي والحركة واستخدام وسائل النقل القديمة والحديثة، فإن المرء تظهر عليه معالم الثقافة العالية من خلال هيئته في نمط الحركة والسير، فالاتزان في المشي يدل على نوعية الثقافة وقيمومتها، كما أن بشاشة الوجه عند لقاء الآخرين تعبّر عن ثقافة الاحترام وقبول الآخر القريب أو البعيد، ولذلك يقدم القرآن الكريم درسا في ثقافة المشي والحركة في الشارع بقوله: (وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً * ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ) الإسراء: 37-39، لأن الحركة الواعية ليست ثقافة فحسب بل هي واحدة من موارد نشر السلام والوئام في الشارع العام، وفي الوقت نفسه حثّ الآخر على الالتزام بآداب السير، ومن أظهر وصايا لقمان الحكيم لابنه هو دفعه باتجاه التخلق بأدب الطريق، وثقافة معاشرة الآخرين، كما أبان عنها القرآن الكريم على لسانه: (ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) سورة لقمان: 18-19.
مثاقفة سلوكية
ولا شك أن ثقافة السير وآدابها لا تقتصر على المشي أو السير راجلا، صحيح أن المصداق العام للآيات الكريمات يوحي بذلك، بيد أن مصاديقها تتوزع إلى كل ما ينطبق عليه مفهوم الحركة والسير راجلا أو راكبا، فركوب وسائل النقل القديمة منها والحديثة له ثقافته وآدابه وسلوكه.
ولأن الدين الحق يشجّع الإنسانَ على استثمار الأرض وفضائها وتطويرها بما يقلل من الأعباء، فإن حركة المواصلات كانت جزءاً من هذا التطور الذي شهدته البشرية في استخدامها لوسائل النقل البرية والبحرية والجوية، وحتى يكون الإنسان أقرب إلى الواقع تشريعيا في تعامله اليومي مع هذا التطور صدر حديثا للفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي كتاب (شريعة المواصلات) في 48 صفحة من القطع الصغير عن بيت العلم للنابهين ببيروت، فيه مجموعة من الأحكام الخاصة بوسائل النقل المختلفة، قدّم له وعلق عليه الشيخ حسن رضا الغديري.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat