تراجع سعر الدولار في العراق.. تحسن نقدي أم استقرار هش؟
كتابات في الميزان / تراجع سعر الدولار أمام الدينار العراقي لم يكن وليد عامل واحد، بل نتاج تشابك سياسات رقابية ونقدية ونفطية، وسط تحسن في الاحتياطي الأجنبي وتخفيف الضغوط الإقليمية، إلا أن هذا التحسن يظل مهددًا بعوامل موسمية وسياسية قد تعيد السوق إلى دائرة التذبذب.
يشهد سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي تراجعًا تدريجيًا منذ أسابيع، ليسجل اليوم الأربعاء (23 تموز 2025)، 139,500 دينار لكل 100 دولار، بعد أن تجاوز سابقًا حاجز 150 ألف دينار، وهو ما يراه مختصون اقتصاديون نتيجة لتراكب عوامل محلية وخارجية، أبرزها تشديد الرقابة المالية وتراجع الطلب الموازي، إلى جانب انفراج إقليمي في ملف إيران وارتفاع احتياطيات العراق من العملة الأجنبية.
التميمي: انخفاض الدولار مرتبط بعوامل رقابية ونفطية ونقدية
وقال المختص في الشؤون الاقتصادية أحمد التميمي، إن “سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي شهد انخفاضًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، ويعزى هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والإجرائية، أبرزها تشديد الإجراءات الحكومية والرقابة المالية، فقد قامت الحكومة العراقية والبنك المركزي بتطبيق إجراءات رقابية أكثر صرامة على التحويلات المالية الخارجية، ما ساهم في تقليل الطلب غير المشروع على الدولار في السوق الموازي”.
وأضاف أن “ضمن تلك العوامل زيادة المعروض من الدولار في السوق الرسمية، فقد عزز البنك المركزي العراقي من مزاداته اليومية لبيع الدولار، مما أسهم في زيادة المعروض من العملة الصعبة وتلبية الطلب المشروع للمستوردين والتجار، إضافة الى تحسن الإيرادات النفطية، فارتفاع أسعار النفط عالميًا أدى إلى زيادة احتياطيات العراق من العملة الأجنبية، مما مكن البنك المركزي من التدخل بفاعلية أكبر في سوق الصرف لدعم الدينار”.
وبيّن أن “تنسيق الجهود مع المؤسسات المالية الدولية، ساعد التعاون مع وزارة الخزانة الأمريكية ومؤسسات دولية أخرى في الحد من التلاعب والتحويلات غير الشرعية، مما خفّض الضغط على الدولار داخل العراق، كما ان انخفاض الطلب الموسمي على الدولار، ففي بعض الفترات، مثل ما بعد موسم الحج أو انخفاض وتيرة الاستيراد، يتراجع الطلب التقليدي على الدولار، ما يؤدي إلى تحسن سعر صرف الدينار“.
وختم التميمي قوله إن “في ضوء هذه المعطيات، يتوقع استمرار استقرار نسبي في سوق الصرف خلال المدى القريب، مع إمكانية تحسن أكبر في حال استمرت السياسات الإصلاحية وتعززت الثقة بالقطاع المالي العراقي”.
حنتوش: تخفيف القيود على إيران ساهم في كبح الضغوط على العراق
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، أن “واقع استمرار انخفاض أسعار الصرف، مقارنة بالفترة السابقة، يُعد أمرًا إيجابيًا للاقتصاد العراقي، ويرتبط بعوامل دولية ومحلية”.
وأضاف أن “من الأسباب الدولية مثلًا، أنه تم تخفيف القيود على إيران، وأصبح هناك حوالات من دول الخليج وغيره، وحتى النفط المهرب من إيران إلى الصين، أمريكا أعلنت أنه لا توجد مشكلة عليه، مما خفف الضغط علينا”.
وتابع: “بناءً على هذا، رفع البنك المركزي العراقي السقوف على التعبئة بالدولار، فالبطاقة العادية أصبحت بـ5000 دولار، وبطاقة المتقاعدين بـ10000 دولار، ما يعني إمكانية التعبئة في الداخل والخارج، بينما تبلغ بطاقة التعبئة عبر شركات السياحة 20 ألف دولار، وفي الشركات الطبية 50 ألف دولار، وهذه السقوف ما زالت مستمرة، وتسبب تدفقًا في العملة خصوصًا لصغار التجار”.
وبيّن أن “النتيجة هي استمرار هذه السقوف، وهذا جيد إلى حد ما، يضاف إليه في المرحلة الحالية انخفاض وتيرة التجارة، أو شبه توقف، بسبب دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ”.
وختم بالقول: “نتمنى أن ينخفض الدولار أكثر، ونتمنى معالجات إضافية، منها حل موضوع إيران نهائيًا، وحل مشكلة التجار الصغار، ومعالجة السوق الموازي عبر كردستان والسيطرات الرسمية لمنع التهريب، مما قد يعيد السعر إلى مستويات 135,000 لكل 100 دولار”.
مراقبون: الاستقرار النسبي قد لا يصمد أمام الضغوط السياسية والموسمية
ورغم التفاؤل الحذر، يحذّر مختصون في الشأن المالي من أن الاستقرار الحالي في سوق الصرف لا يزال هشًا، وأن أية هزة في الطلب الخارجي، أو عودة نشاط السوق الموازي عبر المنافذ غير الرسمية، قد تعيد الدولار إلى مسار التصاعد.
ويشير المسار العام إلى أن الانخفاض الأخير في سعر الدولار أمام الدينار ليس ناتجًا عن عوامل ظرفية فقط، بل نتيجة تداخل رقابي – سياسي – اقتصادي نجح في تقليص الفجوة بين السوق الرسمية والموازية.
إلا أن استمرار هذا الاتجاه مرهون بقدرة الحكومة والبنك المركزي على الحفاظ على زخم الإصلاح، ومواجهة الضغوط التي قد تعاود الظهور كلما اقتربت التحديات السياسية أو المالية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat