المسيرات المفخخة تعصف بكردستان.. «طرف ثالث» يضرب النفط والسيادة ويهز العلاقة مع بغداد
كتابات في الميزان / تتصاعد هجمات المسيرات المفخخة في شمال العراق، مستهدفة مطارات ومنشآت نفطية في إقليم كردستان وسط غياب أي تبنٍ رسمي، ما يثير شكوكاً حول وجود “طرف ثالث”.
تتواصل الهجمات بواسطة الطائرات المسيرة المفخخة في مناطق شمال العراق، متركزة على نحو رئيس في محافظات إقليم كردستان، حيث حقول النفط والغاز، مخلّفة خسائر مادية وأضراراً اقتصادية وهزّات سياسية وأمنية في البلاد.
ومنذ الهجوم الأول الذي نفذ يوم 23 من يونيو/ حزيران الماضي، واستهدف معسكر التاجي، شمالي بغداد، وأسفر عن تدمير رادار عسكري للجيش العراقي، أعلنت السلطات في بغداد أنها باشرت تحقيقات، لكن أي نتائج أو تعليقات لم تصدر عنها منذ ذلك الحين.
وتكررت تعهدات فتح التحقيق بالهجمات التالية التي طاولت قاعدة الإمام علي العسكرية في محافظة ذي قار، جنوبي البلاد، ثم قاعدة بلد ومصفاة بيجي في محافظة صلاح الدين، ومطار كركوك الدولي، أعقبتها سلسلة هجمات متواصلة وشبه يومية على مطار أربيل وحقول نفط وغاز ومواقع عسكرية للبشمركة في إقليم كردستان العراق.
وسجل إقليم كردستان خلال أقل من أسبوع واحد 11 هجوماً بطائرات مسيرة استهدفت مطار أربيل، عاصمة الإقليم، وخمس منشآت نفطية، بينها حقول خورمالا، وسرسنك، وبيشخابور، وتاوكي، وباعدرا، وتديرها شركات نرويجية وأميركية، بينها “DNO” و”HKN Energy”، وجميعها في مدن الإقليم الثلاث: السليمانية، دهوك، أربيل.
توتر متصاعد
وجاءت هذه الهجمات في وقتٍ تشهد فيه العلاقة بين أربيل وبغداد توتراً متصاعداً على خلفية وقف تمويل رواتب موظفي كردستان، وفشل الاتفاقات النفطية، وتصاعد الحديث عن انسحاب كردي من العملية السياسية.
وعلى مدى اليومين الماضيين، جمعنا عدة إفادات من مسؤولين أمنيين وسياسي وقيادي بفصيل مسلح حيال ما وصل إليه التحقيق بالهجمات، وأكدوا أنها ما زالت متواصلة لغاية الآن مع صعوبة في حسم الجهة التي تقف خلفها.
وقال مسؤول بارز في جهاز أمني عراقي يتولى التحقيق إنّ فرضية “الطرف الثالث الذي يقف خلف الهجمات باتت مرجحة للمحققين”،
مؤكداً أنّ “الكيان (الاحتلال الإسرائيلي) هو الجهة المرجح وقوفها خلف الهجمات، عبر عملاء أو وكلاء، وتستخدم طائرات محلية وليس حديثة بتلك العمليات لإثارة الفوضى في العراق، وأيضاً لإقناع الإدارة الأميركية بالتدخل وتوجيه ضربات إلى قادة الفصائل”.
وأضاف “وردت تقارير أمنية بأن الكيان يحاول إحداث بلبلة داخلية بديلاً عن العدوان الذي تعارضه أميركا حالياً، وأنّ مخطط تدمير العلاقة بين بغداد وأربيل أحد الأهداف الإسرائيلية”.
وتتقاطع هذه الأقوال مع تصريحات لنائب في البرلمان العراقي أكد فيها أن “الإجراءات التحقيقية ما زالت متواصلة، لكن هناك انطباعاً عند الأكراد (حكومة إقليم كردستان) وأيضاً عند المسؤولين في بغداد، بوجود طرف ثالث يريد إرباك الأمور في العراق”، متحدثاً عن حاجة العراق إلى “تفعيل الجهد الاستخباري لمواجهة مخططات سرطان الشرق الأوسط”، في إشارة إلى إسرائيل.
التصعيد الأخير
وتواصلنا مع قيادي نافذ في أحد فصائل “المقاومة الإسلامية” بالعراق، وقال إنّ “الفصائل ليس من مصلحتها حالياً استهداف أي منشآت في إقليم كردستان أو غيرها، لعدم وجود أي مصلحة من هذه الضربات”،
مشيراً إلى أنّ “التصعيد الأخير ضد إقليم كردستان لم يستهدف المصالح الأميركية أو القنصليات، أي إنها لم تكن موجهة ضد الأميركيين أو مقرات عسكرية، وهي الأهداف المعروفة بالنسبة للمقاومة العراقية، بالتالي فإن الاستهدافات الأخيرة تشير إلى محاولة توريط الفصائل العراقية في مشاكل أمنية، تخدم جهة أو جهات ومن أبرزها حكومة الكيان الإسرائيلي”.
من جهته، لم يستبعد عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي مختار الموسوي، أن تكون الهجمات الأخيرة على إقليم كردستان العراق جزءاً من “مؤامرة خارجية”،
وقال إنّ “فصائل المقاومة الإسلامية العراقية حين تقدم على استهداف المقرات والقواعد العسكرية للأميركيين لا تتردد في الإعلان عن تبني العمليات، لأن هذه الفصائل لا تخشى التبعات التي قد تلحق بها من عملياتها، لكن ما يحدث من هجمات على مدن كردستان هدفها تخريب العلاقة مع بغداد ورسم حالة فوضى أمنية في العاصمة العراقية لدفع الولايات المتحدة وخلفها الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مخططات إجرامية وعقابية على العراق”.
ونفى الموسوي أن تكون للفصائل العراقية “أي علاقة بهذه الهجمات”، مؤكداً أن “التوجه الحالي للفصائل المسلحة مع استقرار العراق، ومع عدم زج البلاد في أي معارك جانبية أو أي صراعات (..) العلاقة بين الفصائل والحكومة العراقية جيدة، وقد أبلغت هذه الفصائل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بعدم وجود أي علاقة لها بعمليات القصف على إقليم كردستان عبر الطيران المسيّر”.
أهداف استراتيجية
بدوره، أشار الباحث في الشؤون الأمنية أحمد الشريفي، إلى أنّ “الهجمات الأخيرة على إقليم كردستان ليست بعيدة عن الهجمات التي تعرّضت لها أهداف استراتيجية أو مواقع عسكرية في وقت سابق، ويمكن أن نصنّفها عمليات ممنهجة لأنها تأتي في إطار موحّد، وسواء ألحقنا هذه الهجمات بالطرف الثالث أو اعتبارها عابرة للحدود، فإن الحكومة العراقية ملزمة بملاحقة المهاجمين وإعلان نتائج تحقيقاتها”،
واستطرد قائلاً إنّ “الهجمات بالمسيّرات لم تأت من الخارج، بل من داخل العراق، بالتالي فهي تضرب العلاقات السياسية والأمنية وتفقد العراق السيادة الجوية، لا سيما بعدما جرى استهداف الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي، بالتالي فإن العراق وصل إلى مرحلة الإعماء الجوي”.
وسبق أن أعربت الولايات المتحدة الأميركية عن إدانتها الهجمات التي يشهدها العراق بالطائرات المُسيّرة، وذلك في ظل صمت حكومي حول نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات منذ ثلاثة أسابيع بخصوص الهجمات التي طاولت منشآت مدنية وعسكرية وأخرى للطاقة في محافظات كركوك وصلاح الدين وأربيل والسليمانية، وأخيراً دهوك.
وكان المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء العراقي صباح النعمان قد أكد أن الهجمات اعتداء مباشر على مصالح العراق واستقراره، وأن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أمر بفتح تحقيق فوري لتحديد المسؤولين واتخاذ إجراءات صارمة ضدهم، مشدداً على التزام الحكومة بحماية المنشآت الحيوية وتعزيز القدرات الدفاعية للحفاظ على سيادة البلاد.
وأمس الأربعاء، أعلنت شركة DNO النرويجية إيقاف إنتاج النفط مؤقتاً في حقلي تاوكي وبيشخابور بمدينة زاخو في محافظة دهوك، مضيفة أنها ستستأنف الإنتاج بعد تقييم الأضرار الناجمة عن استهداف الحقلين بمسيرتين، مبينة أن “كوادر الشركة لم يتعرضوا لأي إصابات في الحقلين، وأنها تجري تحقيقات”.
كما أعلنت شركة “إتش كي إن” النفطية الأميركية، الثلاثاء، تعليق عملها في حقل سرسنك النفطي بمحافظة دهوك.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat