التاريخ و أزمة القراءات المجتزأة
علي علي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي علي

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط المنطقة بيد الحلفاء ظهر مشروع اتفاقية سايكس بيكو بما فيه من مشروع اقتسام المنطقة بين فرنسا وبريطانيا وتجزئتها إلى دويلات مدروسة ديموغرافياً بطريقة تضمن استمرار الصراعات.
وقتها كان موقف علماء جبل عامل وبعض زعمائه عدم قبول الانتداب، ووحدة بلاد الشام تحت حكومة الملك فيصل بن الحسين ، كحاكم محل إجماع من المسلمين لدوره في الثورة العربية الكبرى، وانتسابه إلى الدوحة الهاشمية، واعتداله في النظرة إلى المذاهب.
هذا الخيار كان يضمن تفويت الفرصة على تنفيذ وعد بلفور ، وتنظيم الهجرات اليهودية إلى فلسطين لكون فلسطين جزء من دولة مستقلة كبرى وليست مقاطعة مجتزأة تحت الحكم البريطاني.
كما أنها تضمن للشيعة موقع الأقلية الهامشية في الجسم الكبير التي تحول دون وضعهم تحت المجهر في دائرة صغرى مبنية على الاضطراب ، ما قد يعرضهم إلى الاستئصال تحت ظروف ومعادلات معيّنة.
وذلك تحت سلطة معتدلة تراعي حقوقهم كما هو حالهم في سلطنة عمان اليوم.
وقتها لم يكن خيار الزعماء الروحيين والسياسيين المسيحيين في لبنان هو الاستقلال ، بل الخضوع للاحتلال الفرنسي مع كون لبنان منطقة احتلال منفصلة.
وكانت نتيجة انتصار الخيار الثاني أن وقع لبنان تحت الاحتلال الفرنسي، ثم بعد إعلان استقلاله أخذته التناقضات الطائفية إلى أن يصبح بؤرة تجاذبات إقليمية، بدءاً من اختيار الرئيس كميل شمعون خيار الدخول في حلف بغداد الذي أدى إلى بروڤا حرب أهلية عام ١٩٥٨.
إلى تناغم الشهابيين مع الناصرية الذي أدى إلى انتقال السلاح الفلسطيني إلى لبنان، ليخوض معه الساسة المسيحيون حرباً أهلية وقف فيها اليسار إلى جانبه، فتحولت الحرب العلمانية إلى طائفية، استنجد فيها المسيحيون بسوريا لتدخل إلى لبنان لمحاربة الفلسطينيين، ولا تخرج منه، فيستنجد المسيحيون مجدداً بإسرائيل لتخلصهم من السوريين والفلسطينيين.
ويجد الشيعة أنفسهم كمكون وازن في مهب التجاذبات فينهضوا بدورهم السياسي والعسكري، فينسى جميع الفرقاء دورهم في إدخال البلاد في أتون التجاذبات ويلقوا بتمام اللوم على الشيعة وحدهم، فيحولونهم إلى المكون المستهدف من كل الجهات.
ولئن كانت القراءة المجتزأة ورمي علماء جبل عامل بقصور النظر بناءً عليها مقبولة قبل سنوات، باعتبار عدم تعميم القدرة على التحليل والربط ، فإنها اليوم في ظل التحولات التي وصل إليها المشهد في المنطقة، غير مقبولة لأنها تشف عن قصور في رؤية الواقع ، مع مكابرة تأبى الاعتراف بهذا القصور.
إن ما وصلنا إليه اليوم أكبر كاشف عن صحة ما استشرفه علماء جبل عامل في عشرينيات القرن الماضي، إذ لو تحقق لهم ما أرادوا لما كانت خارطة المنطقة بأكملها على ما هي عليه اليوم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat