العمارة الإسلامية رسالة حضارية في حركة الزمن
د . نضير الخزرجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . نضير الخزرجي

تزخر الكرة الأرضية بالكثير من المعالم والآثار، حاكية عن حضارات ومدنيات، ودالة على شخصيات وأقوام، سادوا ثم بادوا، أو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا أو شدادا، والبعض من هذه المعالم نبشت بها أيدي الزمن وتقلبات الأجواء والأنواء، والكثير منها خربتها أكف الناس، وما بقي منها توسدت بطن الأرض، بعدما أصبح التراب والرمل دثارها، حتى قيض الله لها من المنقبين وعلماء الآثار من يرفع عنها رمالها وطينها، فتنفتح من جديد بوابة الزمن يقرأ الأحفاد عبر ألواحه ورقاقه ماضي الأجداد.
والأمة الحية والفاعلة هي التي تباهي الأمم الأخرى بما تملك من معالم وآثار متمادية في الزمن السحيق، فتدعوها إلى مشاهدة ما تركت لها بناة حضارتهم ومدنياتهم في السلب والإيجاب، فحتى العار الذي تركته بعض الحكومات، فان الأمة الحية تحافظ على بعض معالمه، تتركه لأجيالها، تطلع عليه، وتتعظ منه. وحتى لا تكرره أو تجتر المقدمات نفسها لتنتهي بالنتائج الوخيمة نفسها، من قبيل أن تحافظ على معالم السجون السيئة الصيت، وتتيح للناس وبخاصة طلبة المدارس الإطلاع على بعض الحقب الزمنية لتاريخ البلد، فالأمة الحية لا تخفي معالم المظالم التي أصابت أبناءَها، كما تفعل بعض الحكومات التي ما إن سقطت حكومة وقامت أختها مكانها حتى أباحت لمعاول الهدم محو تاريخ فترة مظلمة دون أن تترك لهذا الشعب الوقوف على مظالم السابقين.
أما الأسوأ، هو أن يقوم البعض وبخاصة لدى عدد من الحكومات العربية والإسلامية بالقضاء على آثار ومعالم الأمة أو رجالاتها، ويبيحون لجهّالهم فعل ما يشاؤون، تحت دعاوى التوحيد وتنقية الدين من الشرك، مع إن الله دعا سكان أرضه الى السير في الأرض والإطلاع على حال الأمم السابقة خيرها وشرها، زينها وشرها، وأسوأ من كل هذا تخريب كل معلم من معالم دولة الإسلام الأولى وقادته وهم بناة حضارة الإسلام، ففي حين تنقب الأمم الحية عن تاريخ أجدادها يقوم البعض جهلا بسيطا أو جهلا مركبا بطمس معالم الأجداد من الأنبياء والأولياء والأصحاب.
ومن المعالم الإسلامية البارزة والتي حاول الطغاة محوها على مر التاريخ هو مرقد الإمام الحسين بن علي (ع) المستشهد في مدينة كربلاء المقدسة في الواحد والستين من الهجرة النبوية، وقد انبرى المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي في إبراز تفاصيله منذ أن لامس خد الإمام الحسين (ع) التراب وأقيم فوق جثمانه الطاهر قبرا وحتى يومنا هذا حيث المشهد الحسيني الكبير الذي يهز القلوب قبل أن يبهر الأبصار، نافضا عنه غبار التاريخ، مبرزا إليه حتى لا تطمس أتربة الزمن وتكلساته تفاصيله وجزئياته، وحيث تناول في الجزء الأول من كتاب تاريخ المراقد ما مر على المرقد الشريف خلال القرون الأربعة الأولى، فانه في الجزء الثاني من كتاب تاريخ المراقد... الحسين وأهل بيته وأنصاره، الصادر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 654 صفحة من القطع الوزيري، يواصل الشيخ الكرباسي تسجيل كل شاردة وواردة عن تاريخ المرقد الحسيني الشريف، وعن الأيادي البيضاء التي ساهمت في إعماره، أو الأيادي السوداء التي مارست فيه التخريب، وعن الرجال الذين تركوا خيرا لأخراهم، وعن الرجال الذين حملوا فوق أظهرهم حطب جهنم، ولعل أول ما تقع عليه عين القارئ، هو الحرص الشديد الذي يبديه المحقق الكرباسي في التثبت من المعلومة التاريخية ومقابلة المصادر المتعددة ببعضها للوصول الى الحقيقة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat