سكك بلا بوصلة.. هل يهدد الربط السككي مع إيران مستقبل ميناء الفاو وطريق التنمية؟
كتابات في الميزان / في الوقت الذي يخطط فيه العراق لإعادة رسم خارطته الاقتصادية عبر مشاريع كبرى كطريق التنمية وميناء الفاو، تثير خطط الربط السككي مع إيران جدلًا متصاعدًا بين من يراه قفزة سياحية واقتصادية، ومن يحذّر من أن يتحول إلى “قناة التفاف” تقوّض طموحات العراق الاستراتيجية وتمنح جيرانه ميزة الترانزيت دون مقابل
في خضم التحولات الاقتصادية التي يشهدها العراق، يتصدر مشروع الربط السككي مع دول الجوار، لا سيما إيران، واجهة النقاشات حول مستقبله التجاري ودوره في إعادة تموضع العراق كمحور إقليمي للنقل.
وبينما ترى وزارة النقل أن المشروع يمثل نقلة نوعية في قطاعي السياحة والنقل البري، يحذّر خبراء من تداعياته على مشاريع ستراتيجية كبرى مثل ميناء الفاو وطريق التنمية، في حال تحول مساره لنقل البضائع بدلاً من الاقتصار على نقل المسافرين.
وذكر الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن المشروع الذي كان يربط إيران بسوريا عبر العراق، والذي كان يعتبر ذا أهمية كبيرة للجانب الإيراني، قد انتهى فعلياً في ظل التغيرات السياسية التي شهدتها سوريا.
وقال الهاشمي: “إيران الآن تمتلك طريقًا خاصاً بها، وهو طريق الجنوب-الشمال الذي يربطها بالهند عبر شبكة تمتد داخل إيران وصولًا إلى روسيا، وهو ما يجعل الربط عبر العراق وسوريا أقل أهمية بالنسبة لها”.
تطبيع دبلوماسي
وأضاف الهاشمي أنه في حال حدوث تطبيع دبلوماسي بين العراق وسوريا، فإنه من الممكن أن يتم عقد اتفاق تعاون استراتيجي بين البلدين.
وقال: “في حال تحققت العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين العراق وسوريا، قد يتم في المستقبل إنشاء وصلة برية تربط طريق التنمية بالموانئ السورية، مروراً عبر مدن في سوريا مثل حمص”.
وأوضح الهاشمي أن “مثل هذا الربط سيؤدي إلى زيادة تدفق البضائع عبر طريق التنمية، وبالتالي زيادة الطلب على خدمات ميناء الفاو العراقي”.
وأضاف: “البضائع القادمة باتجاه سوريا قد تمر عبر ميناء الفاو لاستيراد البضائع من آسيا، مما سيرفع الطلب على خدمات الميناء ويعزز النقل باتجاه سوريا لتلبية احتياجات الأسواق المحلية في المدن السورية”.
وأشار الهاشمي إلى أن “العراق قد يستفيد أيضاً من الوصول المباشر إلى الموانئ السورية، مثل ميناء اللاذقية وطرطوس، لتصدير المنتجات باتجاه موانئ شرق البحر المتوسط وشمال أفريقيا”.
وخلص إلى أن هذه المشاريع، رغم التحديات الحالية، قد تصبح واقعا في المستقبل في حال حدوث تطبيع سياسي وتعاون دبلوماسي بين العراق وسوريا.
مشروع إستراتيجي
وأوضح، أن المشروع الربط السككي بين العراق وإيران هو مشروع إستراتيجي قديم يعود عمره إلى أكثر من 20 عاماً، حيث تسعى إيران إلى تأسيس شبكة ربط سككي إقليمية بهدف ربطها بموانئ البحر الأبيض المتوسط عبر العراق.
من جانبه، حذر الخبير في مجال النقل، باسل الخفاجي من التأثيرات السلبية المحتملة لهذا المشروع إذا ما جرى توجيهه نحو نقل البضائع بين العراق ودول الجوار.
وأوضح أن “الربط السككي، إذا اقتصر على نقل المسافرين، فإنه خطوة إيجابية تسهم في تسهيل حركة الأفراد وتعزيز التواصل الإقليمي، خصوصا مع دول مثل إيران والكويت وتركيا، وصولا إلى أوروبا”.
لكن الخفاجي حذر ايضاً من أن تحويل المشروع إلى مسار لنقل البضائع، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تمس بشكل مباشر بمشروع ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية، وهما من أهم المشاريع الاستراتيجية التي يعول عليها العراق في تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة.
وأشار إلى أن العراق يعكف حاليا على تطوير خدمات الترانزيت البريدي، وهو ما يتطلب منح الأولوية الكاملة لميناء الفاو وطريق التنمية في حركة نقل البضائع، وعدم السماح بتحويل الموانئ المجاورة إلى منافسين مباشرين لهذه المشاريع الوطنية.
أهداف العراق التنموية
وأكد الخفاجي على ضرورة أن يصمم الربط السككي مع دول الجوار بما يخدم أهداف العراق التنموية، من خلال تخصيصه لنقل الركاب فقط، دون المساس بمصالح البلاد الاقتصادية أو المساس بمكانة المشاريع التي تمثل ركيزة لمستقبل النقل والتجارة في العراق.
وردا على الانتقادات التي طالت مشروع الربط السككي بين العراق وإيران، دافع المتحدث باسم وزارة النقل العراقية، ميثم الصافي، عن أهمية المشروع، معتبرا أنه خطوة ستراتيجية ستمثل إضافة حيوية للاقتصاد العراقي، مؤكدا أن الاعتراضات يجب أن تعالج عبر ملاحظات بناءة، لا عبر انتقادات عامة.
وشدد الصافي على أن المشروع سيُسهم بشكل كبير في تنويع الاقتصاد وزيادة الإيرادات، حيث من المتوقع أن يساهم في نقل أكثر من 5 ملايين شخص سنويا بين العراق وإيران، مما يعزز التبادل الثقافي والتعليمي بين البلدين.
وأضاف أن هذا الربط السككي ليس فقط وسيلة لتنقل الأفراد، بل سيكون له دور بارز في تقليص حوادث الطرق الناجمة عن التنقل بالحافلات على الطرق الوعرة، حيث ستوفر القطارات وسيلة نقل أسرع وأكثر أمانا وصديقة للبيئة.
الزيارات الدينية
كما أشار الصافي إلى أن المشروع سيسهم في تحسين حركة الزيارات الدينية والتبادل الطلابي بين البلدين، فضلًا عن تعزيز السياحة في المناطق الجنوبية من العراق، وهو ما سيساعد في إحياء حركة السياحة الدينية والأثرية في البلاد.
ورغم التفاؤل الذي يحيط بالمشروع، اعترف الصافي بوجود بعض التحديات المتعلقة بتنفيذ المشروع نظرا لكونه جديدا ويعتمد على التعاون مع دول الجوار لإحياء خطوط السكك الحديدية المشتركة.
ومع ذلك، أكد أن الحكومة العراقية تسعى إلى استحداث وسائل نقل حديثة ومتطورة لدعم قطاع السياحة، وبالتالي تعزيز اقتصاد الدولة.
المشروع الذي يمتد على مسافة 36 كيلومترا سيشكل، وفقا للصافي، عاملا محوريا في زيادة الإيرادات الوطنية وتعزيز التنقل بين البلدين، منوها إلى أن القطارات تعد وسيلة نقل آمنة وسريعة تساهم في تقليل البصمة البيئية.
ووضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في ايلول 2023 حجر الأساس لمشروع السكك الحديدية الذي يربط مدينة الشلامجة الإيرانية بمدينة البصرة العراقية.
يمتد المشروع على مسافة 32 كيلومترا، ويشمل مسارين مقترحين؛ أحدهما عبر الحدود السورية والآخر عبر مدينة البوكمال السورية.
ويهدف المشروع إلى نقل 3 ملايين مسافر سنويا بين البلدين، بالإضافة إلى تسهيل نقل البضائع. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة المرحلة الأولى من المشروع 148 مليون دولار، في حين يتوقع أن تصل التكلفة الإجمالية للمشروع إلى 10 مليارات دولار.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat