الأمن السيبراني في العراق.. من حماية الحدود إلى حماية البيانات
كتابات في الميزان / بينما تتسارع خطوات الرقمنة ، يتحول الأمن السيبراني في العراق إلى جبهة دفاع متقدمة، حيث تراهن الحكومة على بناء منظومة رقمية منيعة تصون أمن الدولة وتحمي مستقبلها وسط عالم تتغير فيه معادلات القوة.
وفي زمن تتحول فيه الجيوش إلى خوارزميات، والمعارك إلى هجمات سيبرانية، أصبحت حماية الفضاء الرقمي جزءاً لا يتجزأ من أمن الدولة، لا سيما في بلدان مثل العراق، الذي يمضي قدماً نحو رقمنة الخدمات وتوسيع الاعتماد على التكنولوجيا في مختلف القطاعات.
لكن هذا التحول، رغم ضرورته، يفرض تحديات ضخمة تتعلق بمدى الجاهزية السيبرانية، وامتلاك الأدوات البشرية والتقنية الكفيلة بصد أي اختراق أو تهديد إلكتروني.
وفي هذا الصدد، أعلن رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني أثناء رعايته لمعرض الأمن والدفاع والصناعات الحربية والأمن السيبراني، الذي أقيم مؤخراً، أن الحكومة تعمل على تهيئة خططٍ لمواجهة أي هجمات سيبرانية محتملة، لافتاً إلى أن الحرب المقبلة ستكون رقمية، وأن تحصين الأمن المعلوماتي بات ضرورة وطنية.
حماية الدول
يعد الأمن السيبراني اليوم من الركائز الأساسية في حماية الدول والمؤسسات والأفراد، لا سيما في مجال الأمن والدفاع، بحسب د.سرى غضبان، من مركز الأمن السيبراني في مستشارية الأمن القومي،
وأضافت : “مع تزايد الهجمات السيبرانية التي باتت تؤثر في أمن المعلومات والاتصالات، أصبح الأمن السيبراني ضرورة ملحة خاصة في مجال حماية البيانات والمعلومات الحساسة في المؤسسات العسكرية الأمنية، وكنوع من حماية الأمن القومي للدولة”.
وأكدت غضبان “يتجه العراق نحو الارتقاء ورفع مستوى الأمن السيبراني في ظل فضاء رقمي متسارع، وانطلاقاً من مبدأ السيادة الرقمية سيتم إنشاء مركز الأمن السيبراني، والذي يعد خطوة استراتيجية انتقالية مهمة، تعمل على تنسيق الجهود الوطنية، وتعزيز القدرات للتعامل مع التهديدات الإلكترونية نحو خلق منظومة سيبرانية حيوية، ودعم ثقة المواطن ورفع درجة الأمان، وتشجيع المستثمرين في المجالات كافة، لا سيما مجال الاقتصاد الرقمي، لضمان استثمار التكنولوجيا واستخدامها بشكل آمن”.
وزارة الداخلية من جهتها، وضعت استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني تشمل السياسات والتدريب والاستجابة للحوادث.
حماية البنية التحتية الرقمية
وقال مدير الأمن السيبراني في الوزارة العميد حسن هادي : إن “الإجراءات والاستراتيجيات التي تتبعها الوزارة لتعزيز الأمن السيبراني، وحماية البنية التحتية الرقمية من التهديدات السيبرانية، تتمثل في وضع السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالأمن السيبراني، وتثقيف ونشر الوعي الأمني بين منتسبي قوى الأمن الداخلي وشرائح المجتمع الأخرى، وإدارة الحوادث والتهديدات الخاصة بالأمن السيبراني، والكشف عن الثغرات الأمنية في التطبيقات والمواقع والأنظمة”.
وأكد أن المركز يهدف أيضاً إلى الكشف عن نقاط الضعف في البنى التحتية للشبكات السلكية واللاسلكية، ومراقبة وتحليل مراكز البيانات والمحطات الطرفية الخاصة، والاستجابة والحد من عمليات إساءة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتحليل مواقع الإنترنت والإنترنت المظلم، ومواقع التواصل الاجتماعي”.
وخلص هادي إلى أن “خطط وزارة الداخلية هي لتعزيز الأمن السيبراني، وتفعيل الخدمات الإلكترونية كافة التي تقدمها الوزارة عن طريق مركز البيانات الرقمي، والحصول على شهادات احترافية معتمدة، من خلال الشراكة مع الشركات العالمية، لبناء نخبة من المحللين والمختصين بالأمن السيبراني من ملاكات المركز، ومنح شهادات عليا بالأمن السيبراني (شهادة ماجستير)، عن طريق معهد الأمن السيبراني”.
أما المتحدث الرسمي لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية حسن خوام، فأوضح : أن “الوزارة من أولى الوزارات التي عملت في موضوع التحول الرقمي والأتمتة الإلكترونية، ولديها لجنة تم تشكيلها بأمر الوزير وبرئاسة المدير العام لمركز تكنولوجيا المعلومات، مختصة في مجال الأمن السيبراني، ولديها مجموعة من النشاطات والإنجازات، بالتعاون مع الوزارات الأخرى، وأيضاً بالتعاون مع جهاز الأمن الوطني”.
إصدار “فريم ورك”
وبين أن إنجازات الوزارة في هذا الجانب هي، تشكيل فريق أمن سيبراني رئيس في الوزارة، وفرق ساندة له من بقية الدوائر والهيئات التابعة للوزارة، وكذلك إصدار “فريم ورك” خاص بوزارة العمل، يتضمن الإجراءات الأمنية الواجب تطبيقها، إضافة إلى تعميم وثيقة السياسات والمعايير لأمن المعلومات، ومشاركة البيانات، وكذلك ضرورة النسخ الاحتياطي”.
ونوه خوام إلى أن “لدى هذا الفريق تنسيقاً مستمراً مع مستشارية الأمن القومي، من أجل إقامة دورات في مجال الأمن السيبراني للكوادر المتقدمة في الوزارة، وكذلك الحال بالنسبة للموظفين، والتواصل مع اللجنة العليا للأمن السيبراني، وأخذ المشورة منهم في ما يتعلق بمجال فحص الشبكة والمواقع الإلكترونية”.
وفي التاسع من الشهر الحالي، أعلنت لجنة الأمن والدفاع النيابية عن وجود مساعٍ لإنشاء أكبر مركز للأمن السيبراني في بغداد. وأكد عضو اللجنة ياسر إسكندر أن الأمن السيبراني يحظى بأولوية لدى الحكومة لحماية المواقع الإلكترونية، إضافة إلى عمليات التبادل عبر المنظومات الإلكترونية،
مشيراً إلى أن “الأمر لا يقتصر على الخطوط المؤمنة، بل يشمل أيضاً عمليات التبادل المالي من خلال الشركات والمصارف وصولاً إلى بطاقات الدفع المسبق، ما يجعل الأمن السيبراني خطوة مهمة لحماية هذه المواقع من الاختراقات”.
ثلاثة مسارات
وأضاف أن الحكومة اعتمدت خطة تعتمد على ثلاثة مسارات لإنشاء أكبر مركز للأمن السيبراني في الشرق الأوسط، خلال العامين إلى الثلاثة المقبلة، بهدف بناء كوادر قادرة على إدارة الأمن السيبراني، وإنشاء برامج تؤمن المواقع والمنصات الحكومية.
ولفت إسكندر إلى أنه رغم حداثة تجربة العراق في مجال الأمن السيبراني، إلا أن البلاد حققت العديد من المؤشرات الأمنية، متوقعاً إطلاق سلسلة من البرامج المهمة في عام 2026، لتعزيز حماية الوزارات والمنصات الحكومية من أي استهداف إلكتروني.
من جانبها أعلنت الشركة العامة للصناعات الحربية عن توجهها لإبرام عقود مع شركات دولية مختصة في الأمن السيبراني، بقيمة تصل إلى مليار دينار مطلع شهر أيار المقبل، وأشار مدير الشركة المهندس علي محسن خضير إلى أن تلك العقود هي لكشف التهديدات الإلكترونية والحرب الرقمية، ولتعزيز القدرات الوطنية للعراق.
بات الأمن السيبراني يشكل ضرورة ملزمة لكل دول العالم، والمنطقة، خصوصاً والعراق يكاد يكون من الدول المتقدمة في ما يتعلق بتوفير كل مستلزمات إنجاح الأمن الرقمي، وفقاً للخبير الأمني فاضل أبو رغيف.
جميع مفاصل الوزارات
وقال : إن “الأمن السيبراني يكاد يحتل مرتبة الصدارة بجميع مفاصل الوزارات، ويوفر حماية ابتداء بالوثائق الرسمية والمهمة التي تمس الأمن القومي للبلد، إضافة إلى الحفاظ على الوثائق كافة العائدة للمواطنين، فضلاً عن ذلك فإن الأمن السيبراني يوفر حماية مطلقة لدوائر الدولة من أي عملية خرق واختراق خارجي أو داخلي على حد سواء”.
وأضاف أبو رغيف “لذلك أصبح الأمن السيبراني بعد أن كان يشكل تهديداً وتحدياً للبلد في متناول اليد، وهناك مختصون في هذا الجانب فيما يتعلق بالمباشرة وترسيمه وتمكينه، وتم التفكير بوضع هذه الآليات من خلال عمل الوزارات، وتقديم خبراء في هذا الجانب، واعتقد أن الأجهزة خاصة جهاز المخابرات والأمن الوطني وفرت كل مستلزمات إنجاح هذا الموضوع سواء كان لدوائرها أو الدوائر والوزارات الأخرى، أو حتى لحماي المواطن”.
ونوه أبو رغيف إلى أنه “يتشعب من هذا الأمن، أمن المواطن، وهذا دليل على تفكيك مئات من العصابات المنظمة، التي تمتهن الهاكرز والابتزاز الإلكتروني، وقدرة الأمن السيبراني على ملاحقة المبتزين، الذين يقومون أما بالابتزاز السياسي أو الابتزاز الجنسي أو العشائري والمجتمع على حد سواء”.
إن مساعي العراق لتطوير أمنه السيبراني تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز سيادة الدولة في الفضاء الرقمي، خاصة مع ازدياد الاعتماد على الأنظمة الإلكترونية في القطاعات الخدمية والمالية والأمنية. وبينما تتجه الخطط الحكومية إلى تأسيس بنى تحتية متخصصة، يبقى النجاح مرهوناً بمدى تكامل الجهود بين المؤسسات الأمنية، والقطاعات المدنية، والشراكات الدولية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat