القطاع الخاص يدخل اللعبة.. هل يعيد العراق هندسة اقتصاده

كتابات في الميزان / في بلدٍ رهانه الوحيد كان الذهب الأسود، تنفتح أبواب أمل جديدة باسم “الشراكة”. العراق يقف على عتبة تحول اقتصادي جوهري، حيث تحاول الدولة إلى كسر اعتمادية مزمنة على النفط عبر تفعيل شراكة بين القطاعين العام والخاص.

تعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص من الحلول الاقتصادية الواعدة التي تسعى العديد من الدول لتبنيها، وخاصة في العراق الذي يواجه تحديات كبيرة في مجال التنمية، إذ تعكس هذه الشراكة فرصة استراتيجية حقيقية لتجاوز العقبات الاقتصادية التي يمر بها البلد، حيث تتيح إشراك القطاع الخاص في مشاريع حيوية من شأنها تحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة، وهو ما يسهم بشكل مباشر في تقليل البطالة.

كما أنها تسهم في تعزيز التنوع الاقتصادي عبر تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية وتوسيع القاعدة الإنتاجية لتشمل قطاعات متعددة مثل الصناعة، والطاقة المتجددة، والتعليم.

ويتوقع الخبراء أن يسهم هذا النموذج في تخفيف العبء المالي على الدولة وتعزيز كفاءة الخدمات العامة، مما ينعكس إيجاباً على مستوى المعيشة للمواطنين.

مشاريع التنمية

ويعتبر الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن الهدف الرئيس لشراكة القطاعين العام والخاص هو تعزيز النمو الاقتصادي وتخفيف العبء المالي على الدولة من خلال إشراك القطاع الخاص في مشاريع التنمية، موضحاً  أن هذه الشراكة تسهم بشكل كبير في تقليل البطالة من خلال خلق فرص عمل جديدة وتنشيط سوق العمل. كما أنها تسهم في ضمان حماية حقوق العاملين من خلال تطبيق معايير العمل الدولية وتعزيز الحماية الاجتماعية.

ويشير الهاشمي إلى أن من المتوقع أن يؤدي هذا النموذج إلى تقليل الإقبال على الوظائف الحكومية إذا تم توفير وظائف لائقة في القطاع الخاص، مع رواتب مغرية وحزم تدريب وتأمين وبرامج تقاعدية، كما سيعزز من جاذبية القطاع الخاص ويحفز الشباب على الانخراط في هذه المجالات، مما يسهم في دعم سوق العمل وتنشيط الاقتصاد.

كما يرى الهاشمي أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد تمثل بداية لخصخصة العديد من شركات القطاع العام، وتحويل ملكيتها وإدارتها إلى القطاع الخاص، معرباً عن اعتقاده بأن هذه الخطوة ستسهم في تحسين أداء هذه الشركات وتطويرها، وذلك من خلال دمج التقنيات الحديثة وتعزيز الكفاءة التشغيلية.

من جانبه، يؤكد الأكاديمي والمتخصص في شؤون المالية العامة، الدكتور أحمد هذال، أن التوجهات الاقتصادية في العراق في السنوات الأخيرة ركزت بشكل متزايد على دور القطاع الخاص كمحرك أساسي في عملية التنمية الاقتصادية.

الاقتصاد العراقي

وفي حديثه يرى هذال أن التحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي، والتي تتجسد في الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، تستدعي تحولات جذرية في كيفية إدارة الاقتصاد الوطني.

ويعزو ذلك إلى حقيقة أن الاعتماد المفرط على قطاع النفط والقطاع العام لا يمكن أن يضمن النمو الاقتصادي في المستقبل.

في هذا السياق، تتصدر الأهداف الاستراتيجية تعزيز مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وهي خطوة حيوية لتحقيق تنوع اقتصادي يستند إلى مصادر دخل متعددة، وفقاً لهذال،

مؤكداً أن الخطط التنموية التي أطلقت في العراق تهدف إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص إلى أكثر من 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.

وشدد على أهمية رفع هذه النسبة من 7 بالمئة إلى 38 بالمئة في التكوين الرأسمالي للبلاد، مبيناً أن هذه الأرقام ليست مجرد طموحات، بل هي جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى توفير بيئة أعمال جاذبة للاستثمار، وتحسين التشريعات، وخلق فرص أكبر للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري للاقتصادات الحديثة.

تحقيق نمو اقتصادي

ومن خلال التجارب الدولية، يرى هذال أن العديد من الدول استطاعت بالفعل تحقيق نمو اقتصادي عبر تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

إذ تشير التجارب في دول مثل مصر والمغرب والأردن، وكذلك في دول آسيوية مثل ماليزيا والهند وتركيا، إلى أن هذه الشراكة يمكن أن تكون محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي، حيث ركزت هذه الدول على قطاعات ذات أولوية مثل الزراعة، والصناعة التحويلية، والطاقة المتجددة، والنقل، والصحة، والتعليم.

ويشير هذال إلى أن تلك الدول نجحت في هذه المجالات بشكل لافت، لأنها استثمرت في القطاعات التي يمكن أن تؤدي إلى تنويع مصادر الدخل، وخلق فرص عمل جديدة، فضلاً عن المساهمة في الحد من معدلات البطالة.

وكان مجلس الوزراء وافق في جلسته الأسبوع الماضي، على مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإحالته إلى مجلـس النواب.

ويضيف هذال أن تشريع هذا القانون يمثل خطوة أساسية نحو إشراك القطاع الخاص في المشاريع الاقتصادية والخدمية الكبرى، موضحاً أنه من خلال هذا القانون، سيتمكن القطاع الخاص من المشاركة الفاعلة في تنفيذ المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية والطاقة والصحة والتعليم، مع ضمان تقاسم المخاطر والعوائد بشكل متوازن. وهذا يعدُّ بداية مهمة نحو تخفيف الضغط المالي عن الدولة وتوسيع قاعدة الاقتصاد العراقي.

تهيئة بيئة مؤسسية

ورغم التشجيع على هذا النوع من الشراكة، يؤكد هذال أن نجاح هذا النموذج يعتمد بشكل كبير على تهيئة بيئة مؤسسية واستثمارية جاذبة. ففي دول مثل مصر والمغرب والأردن، التي بدأت في تبني هذا النموذج قبل العراق، تمكنت هذه الدول من تنفيذ مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص بنجاح لأن هناك بيئة مؤسسية دافعة، فضلاً عن وجود إرادة سياسية قوية.

يشير هذال إلى أن أكبر التحديات التي قد يواجهها العراق في تنفيذ هذا القانون تتمثل في مشكلة الفساد، والبيروقراطية، وضعف المؤسسات. ومن أجل تفعيل هذه الشراكة بشكل مؤثر، يرى أنه يجب أن تتوافر الإرادة السياسية الحقيقية لإجراء إصلاحات عميقة وشاملة.

يتحدث هذال عن دور هذه الإصلاحات في تعزيز استقرار العراق المالي والاجتماعي. فهو يرى أن التحول نحو نموذج اقتصادي يعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص من شأنه أن يحقق نقلة نوعية في الاقتصاد العراقي، ويسهم في إيجاد مصادر دخل متنوعة، بعيداً عن الاعتماد على النفط، الذي يتعرض لتقلبات أسعار غير مضمونة.

من جانبه، أكد نائب رئيس لجنة الاستثمار النيابية حسين علي السعبري أهمية المضي في تنفيذ قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بوصفه حلاً عملياً لمعالجة البطالة واستثمار الطاقات الشبابية.

تشغيل المعامل المتوقفة

وقال السعبري  إن “أحد أبرز أهداف الشراكة هو خلق فرص عمل عبر تشغيل المعامل المتوقفة، واستثمار البنى التحتية والمخازن والخدمات المتاحة في القطاع العام، بما يخدم القطاع الخاص أيضاً” .

وأوضح أن “نجاح القطاع الخاص في إدارة الشركات والمؤسسات يمنح القطاع العام فرصة لتحويل كيانات خاسرة إلى مؤسسات رابحة تخفف العبء عن الدولة وتظم الإيرادات” .

وبيّن أن “الشراكة ستسهم أيضاً في تقليل خروج العملة الصعبة، عبر تشغيل خطوط إنتاج محلية بتكنولوجيا حديثة، وتوفير فرص للمهندسين والعمال الشباب” .

وعن الضمانات، شدد السعبري على أن “العاملين في هذه المشاريع سيكونون مشمولين بقانون الضمان الاجتماعي، فضلاً عن إمكانية دمج عدد من موظفي المعامل الحالية ضمن عقود الشراكة” .

وأكد أن “الشراكة لا تمثل تهديداً بل فرصة لإنعاش الاقتصاد الوطني، عبر إعادة الحياة إلى المعامل المتروكة وتحويلها إلى خطوط إنتاج متطورة، تسهم في تعظيم الإيرادات بدل أن تبقى عبئاً على الوزارات المالكة لها”.

الأدوات الاقتصادية المحورية

ويؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعتبر من الأدوات الاقتصادية المحورية في العصر الحديث لتعزيز التنوع الاقتصادي.

وقال إن هذه الشراكة تمثل نحو 30 بالمئة من النشاط الاقتصادي في العديد من الدول، حيث تسهم بشكل كبير في تجاوز البيروقراطية الحكومية، التي تؤدي إلى هدر الموارد وضعف الكفاءة، وتعزز من الشفافية والحوكمة في تنفيذ المشاريع الاقتصادية.

وبحسب الدكتور صالح، فإن تطبيق هذا النموذج في العراق يعدُّ خطوة أساسية لتحفيز الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها البلد نتيجة اعتماده الكبير على النفط،

مضيفاً بالقول “من هنا، يتعين تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية وتقلل من الاعتماد على تقلبات أسواق النفط.

وأوضح أن هذا النموذج يتضمن الاستفادة من خبرات القطاع الخاص في المجالات الإدارية، والمالية، والفنية، مع قدرة الحكومة على توفير البيئة القانونية والرقابية المناسبة لضمان نجاح المشاريع المشتركة.

استخدام التكنولوجيا الحديثة

وتابع “من خلال هذه الشراكة، يمكن توفير التمويل، وتوسيع استخدام التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز الإنتاجية الاقتصادية على المدى الطويل”.

كما أن العراق بحاجة إلى نموذج متكامل وفعّال لهذه الشراكة، خصوصاً مع التركيز على تطبيق “نظرية الوكالة المزدوجة” التي تفصل بين الإدارة والملكية، لضمان تحقيق أعلى مستويات الكفاءة في المشاريع المشتركة، وفقاً للدكتور صالح،

مؤكداً أن قانون الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص (PPP) يعدُّ أداة أساسية لتطوير هذه الشراكة بشكل رسمي وفعّال، مع ضمان الشفافية في الإجراءات وتحقيق شراكة حقيقية في الملكية والإدارة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/24



كتابة تعليق لموضوع : القطاع الخاص يدخل اللعبة.. هل يعيد العراق هندسة اقتصاده
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net