اقتصاد بلا نفط؟ العراق يراهن على الضرائب والعقارات لكسر الاعتماد الريعي
في ظل تقلبات أسعار النفط وتكرار الأزمات المالية، يندفع العراق نحو خريطة اقتصادية جديدة، تستهدف تحويل الدولة من “اقتصاد ريعي” إلى منظومة أكثر توازناً واستدامة.
في ظل استمرار التقلبات في أسواق الطاقة العالمية، تواصل الحكومة خطواتها نحو إصلاحات اقتصادية شاملة تهدف إلى تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، بواسطة تطوير النظام الضريبي وتوسيع قاعدة الموارد غير النفطية، بما يعزز الاستقرار المالي ويؤسس لاقتصاد متنوع وأكثر مرونة.
الإيرادات البديلة
في آخر تصريح له، أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أن الحكومة وضعت هدفاً استراتيجياً يتمثل في رفع نسبة الإيرادات غير النفطية إلى 20 بالمئة من إجمالي موارد الدولة خلال السنوات الثلاث المقبلة. وأوضح السوداني أن هذه النسبة وصلت حتى الآن إلى 14بالمئة، بعدما كانت تتراوح في السنوات السابقة بين 3 -7بالمئة فقط، وهو ما يعكس بداية نتائج التحولات الهيكلية التي تبنتها الحكومة في السياسة الاقتصادية.
السوداني أشار إلى أن هذه النسبة تم تحقيقها من طريق سلسلة إجراءات تضمنت تحسين أداء الجباية الضريبية، وتفعيل بعض الموارد المؤجلة، إلى جانب اتخاذ خطوات إصلاحية في إدارة المؤسسات المالية والجمركية.
التحدي الاقتصادي
الخبير الاقتصادي نبيل جبار أوضح أن الدولة العراقية ما تزال تصنّف كـ»اقتصاد ريعي»، حيث تشكل الإيرادات النفطية أكثر من 90 بالمئة من إجمالي الدخل. لكنه أكد أن هناك موارد غير نفطية عدّة يمكن تفعيلها، مثل الضرائب والرسوم، والعوائد الجمركية، إضافة إلى ما يعرف بـ»الدومين العقاري»، وهو مورد مهم ناتج عن امتلاك الدولة للعقارات والممتلكات العامة.
وأشار جبار إلى أن هذا المورد الأخير غالباً ما يتم التعامل معه كإيراد مؤسسي وليس كإيراد سيادي، إذ تبقى عوائده حبيسة حسابات المؤسسات الرسمية، من دون دخول فعلي للموازنة العامة.
وفي ما يخص الاستثمارات، أوضح أن العراق يقدم تسهيلات واسعة للمشاريع الاستثمارية، لكن دون أن يكون لذلك مردود مالي واضح على الخزينة العامة، بسبب غياب سياسة واضحة لجباية الضرائب أو رسوم الإيجارات على تلك المشاريع.
كما أضاف: «المطلوب هو إعادة تقييم المنظومة المالية والاستثمارية لضمان أن يكون لكل مشروع مردود ملموس يسهم في تمويل الموازنة العامة».
إصلاح النظام الضريبي
من جانبه، قال الباحث في الاقتصاد الدولي الدكتور زياد الهاشمي، إن تحقيق الاستدامة المالية يمر عبر بوابة إصلاح النظام الضريبي، موضحاً أن السياسات الضريبية الحالية تعاني من ضعف القاعدة، وغياب العدالة، وسوء آليات الجباية.
وأكد الهاشمي أن السياسة الضريبية يجب أن تستند إلى مبدأ العدالة الاجتماعية، بواسطة فرض ضرائب تصاعدية على الدخول المرتفعة، وتخفيف العبء عن أصحاب الدخل المحدود.
كما أشار إلى أن إصلاح النظام يتطلب رقمنة آليات الجباية، وتحديث التشريعات، بما ينسجم مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
وشدد على أن أحد المفاتيح المهمة لزيادة الإيرادات غير النفطية هو تحفيز القطاعات الإنتاجية، ولا سيما الصناعة، والخدمات، والنقل، والبنوك، والتأمين، مضيفاً بالقول ان «النشاط الاقتصادي لا يمكن أن ينمو من دون بيئة استثمارية جاذبة، تضمن حماية الأموال، وتسهل الإجراءات الإدارية، وتقلل من التدخلات البيروقراطية».
دروس من الماضي
المتخصص في الشؤون المالية العامة الدكتور أحمد هذال قدم تحليلاً لتاريخ الموازنات العراقية منذ عام 2004 حتى 2024، مؤكداً أن الدولة اعتمدت بشكل شبه كلي على النفط كمصدر رئيس للإيرادات.
وأشار إلى أن هذا الاعتماد المفرط أدى إلى هشاشة في الاقتصاد الوطني، وجعل الموازنة عرضة لأزمات متكررة، كما حصل خلال انخفاضات أسعار النفط في أعوام 2009، 2014، و2020.
وأوضح هذال أن العراق يفتقر إلى أدوات وقاية استراتيجية مثل الصناديق السيادية، التي تستخدمها العديد من الدول النفطية لامتصاص الصدمات، وتحقيق توازن طويل الأمد.
كما لفت إلى أن مساهمة القطاعات غير النفطية لا تزال محدودة، بسبب غياب السياسات التحفيزية، وضعف البنية التحتية، وتفشي البيروقراطية في مفاصل الدولة.
كذلك دعا إلى إصلاحات هيكلية واسعة تشمل، توسيع القاعدة الضريبية، وفرض ضرائب تصاعدية على الدخول العالية، وتنشيط الاستثمار عبر تقديم تسهيلات مالية وقانونية، إضافة إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإعادة توجيه الإنفاق العام نحو المشاريع التنموية بدلاً من الرواتب والنفقات الجارية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat