من الفرح إلى الفاجعة.. «معارك الأعراس» تواصل حصد الأرواح
لم تعد الأعراس في العراق مجرد لحظات فرح، بل تحوّلت في كثير من الأحيان إلى ساحات دماء بسبب العادات المرتبطة بإطلاق النار العشوائي.
مشاجرات طارئة، ورصاص ينحرف عن مساره، وأرواح تزهق في لحظة احتفال، بينما يظل السلاح المنفلت سيد الموقف، رغم التحذيرات والعقوبات.
حادثة الديوانية الأخيرة لم تكن استثناءً، بل جزءًا من مشهد متكرر يكشف عجز الدولة عن ضبط أمن المجتمع وكبح الفوضى المسلحة.
تحوّل عرس بمحافظة الديوانية، جنوب العراق، إلى مأساة أسفرت عن مقتل وإصابة 16 شخصا من ذوي العروسين، بسبب مشاجرة استخدمت فيها الأسلحة، وما زالت آثارها تخيم على المدينة بسبب تأهب عدة أطراف من ذوي الضحايا وسط استنفار أمني كبير.
وتتكرر مآسي الأعراس في العراق بسبب كثرة استخدام السلاح، حيث يتم إطلاق النار للتعبير عن الفرح بالرمي العشوائي، والذي قد يتحول إلى رمي متبادل للرصاص يتسبب بوقوع قتلى وجرحى، والسبب هو انعدام ضوابط لاستخدام السلاح، خاصة في المناطق الجنوبية والريفية.
وسبق أن اتخذ الأمن العراقي إجراءات وصفها بـ”المشددة” لمنع الظاهرة، ولوّح بعقوبات قانونية، إلا أنها لم تفض إلى إنهاء الظاهرة.
تحول “العرس إلى مأتم”
ووفقا لمصادر أمنية نقلت عنها محطات إخبارية عراقية محلية، فإن “مشاجرة وقعت بين مواطنين خلال حفلة عرس في قضاء الشنافية بمحافظة الديوانية، جنوب البلاد، استخدموا فيها الأسلحة الرشاشة، ما تسبب بمقتل ستة أشخاص وإصابة عشرة آخرين، بعضهم إصاباتهم خطيرة”.
متحدثين عن تحول “العرس إلى مأتم”، وأن قوة من الشرطة اعتقلت عددا من الأشخاص وأودعوا في الاحتجاز من أجل التحقيق معهم. ولم تدل قيادة شرطة الديوانية بأي توضيح بشأن الحادث، واكتفت بالقول إن “الخلاف وقع بين أبناء العم”.
ولا ينحصر استخدام الأسلحة وتسجيل حالات القتل والإصابة داخل الأعراس بحادثة الأمس فقط، إذ إن وزارة الداخلية عدته من الحوادث المتكررة التي تحاول الوزارة ضبطها ومنع تكرارها بعموم محافظات البلاد.
وقال المقدم في جهاز الشرطة العراقي علي الربيعي إن “بعض الأعراس تتحول إلى معارك بسبب الرمي العشوائي الذي يتسبب بإصابات، ويتطور أحيانا إلى معارك خلال حفلات الأعراس”،
تسجيل حوادث مماثلة
كما بين أنه “جرى تسجيل حوادث مماثلة في معظم المحافظات، ومنها بغداد، فضلا عن كثرتها في المحافظات الجنوبية”.
وأكد أن “طبيعة المجتمع العراقي هي طبيعة عشائرية، وأن إطلاق النار العشوائي في الأعراس ظاهرة مستقرة في النفوس، خاصة في المجتمع الريفي، إذ نواجه في وزارة الداخلية صعوبة في القضاء عليها”.
مشيرا إلى أن “الكثير من الوجهاء والقادة المجتمعيين يدعمون توجه الوزارة، التي سعت لنشر الوعي من مخاطر استخدام السلاح في الأعراس”،
وشدد على أن “الوزارة تتخذ بشكل مستمر عقوبات رادعة بحق المخالفين، وأنها تحيل المتورطين بالرمي العشوائي إلى التحقيق، فضلا عن أن من يتورطون بالقتل والإصابات بالطلق الناري في أثناء الأعراس يحالون إلى المحاكم وتصدر بحقهم أحكام شديدة”.
معارك الأعراس والنزاعات العشائرية
وقد تتطور تلك المعارك الآنية في الأعراس إلى نزاعات عشائرية، ما دفع وجهاء وشيوخ عشائر إلى إطلاق مناشدات للجهات المسؤولة لوضع حد للرمي العشوائي.
وقال الشيخ عادل الحجيمي، وهو أحد أعيان محافظة النجف، إن “المسؤولية تضامنية بشأن منع استخدام السلاح في الأعراس والرمي العشوائي بالمناسبات، وعلى جميع الشخصيات العشائرية والمجتمعية أن تساهم بنشر الوعي من مخاطرها”.
وأكد الحجيمي، أن “الكثير من حوادث الرمي تتحول إلى نزاعات عشائرية وتستمر لفترات طويلة تتخللها حوادث قتل وثأر وغير ذلك، تتسبب بالتأثير على الاستقرار المجتمعي”،
مشددا على أنه “بالرغم من مسؤوليتنا جميعا بضبط تلك الظواهر السلبية، تبقى مسؤولية وزارة الداخلية هي الأكبر بوضع العقوبات الرادعة التي تمنع الرمي العشوائي، لأجل منع ما ينتج عنه من حوادث وتطورات”.
الباحث في الشأن المجتمعي منصور العبودي أكد أن “هذه الظواهر تظهر مدى التخلف المجتمعي، إذ إن التعبير عن الأفراح يكون بالسلاح والرمي العشوائي”.
خطورة الظاهرة
مشددا بالقول: “يجب أن يكون هناك نشر للوعي من خطورة الظاهرة، هذا من مسؤولية وزارة الداخلية أولا ومن ثم المؤسسات الإعلامية والأكاديمية، فضلا عن الشخصيات المعروفة مجتمعيا”.
وأضاف: “لم نلمس أي خطوات عملية ولا خطط لنشر هذا الوعي الذي يعد هو الأساس والمنطلق لتحرر الفكر من تلك الظواهر المتخلفة المستشرية في المجتمع العراقي”،
موضحا أنه “على وزارة الداخلية أن تأخذ دورها في ذلك، ومن ثم تفعّل العقوبات والغرامات المالية الكبيرة على المخالفين ممن يعمدون إلى الرمي العشوائي، الذي ينعكس على الأمن المجتمعي في البلاد”.
ولم تستطع الحكومات المتعاقبة في البلاد السيطرة على السلاح المنفلت خارج إطار الدولة، ولا سيما لدى الفصائل المسلحة والعشائر، التي لم تكتف بحيازة السلاح الخفيف، بل حتى المتوسط والثقيل.
وتسبب انفلات السلاح في عموم محافظات البلاد بالتأثير السلبي على الأمن المجتمعي عموما، إذ لم تستطع الحكومات العراقية المتعاقبة ضبط السلاح ووضع حد لاستخدامه، ومن ذلك الاستخدام الرمي العشوائي في الأعراس والمناسبات الأخرى، وما ينتج عنه من آثار مجتمعية خطيرة ونزاعات تؤثر على الاستقرار والأمن المناطقي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat