أثرُ لغة الطفل على تربيته
د . صباح علي السليمان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . صباح علي السليمان

كما هو معلوم أنَّ لغة الطفل غير مفهومة لدى الجميع ، ولا تعبر عن شيء ، وإنما ينظرُ البعض إليها على أنّها أصوات وإيماءات لا معنى لها ، ولا تعبر عن سلوك الفرد، ولا ينظر إليها على أنّها ذات قيمة لغوية وتربوية تعبر عن المقصود، لكنّ الدراساتِ أثبتت عكس ذلك فمثلاً يتعرض الرُّضع للأصوات واللغات من حولهم، ويكتشفون هيكل اللغة على مرّ الوقت، ويطورون عملية تعلّم اللغة ، ويمكن لمعظم الأطفال تعلّم لغتين في فترة الطفولة المبكرة، أي في أول خمس سنوات من طفولتهم، ويتعرضون في هذه الفترة إلى تأثيرات لغوية مختلفة؛ بسبب العائلة والبيئة التي يعيشون فيها(الأطفال ثنائيّو اللغة.. كيف يمكن تطوير الكلام لديهم؟زهراء كرمان( مقال )
وتبين دراسة فيجوتسكي وبياجيه أنَّ الكلام الذي يسمعه الطفل من أفراد عائلته فإنَّه يغيرسلوكه ،و يفكر به حينما يكون منعزلاً في غرفته مما يؤثر على سلوكه النفسي والاجتماعي(الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية والسلوكية ،نظرية فيجوتسكي في التطور المعرفي(مقال )) ،زيادة عن تقييم مهارات وحركات الأطفال اليومية ،والتعرف على طبيعة لغتهم المنطوقة، ولغة إنتاج الكلام ،ومن خلالها نعرف ونحلل شخصية الطفل في فهم أمور الحياة ، أي: كيف يفكر، ويعبر عن حاجاته ،ورغباته اليومية( اللغوية والإدراكية ، دينولت أودري آن،2023(مقال)).
زيادة عن استخدام الألعاب اليدوية، والإلكترونية فإنَّها تعكس قوة إدراك الطفل ، وكيفية حل بعض المشاكل ،وكذلك جعل الأطفال يتفعلون معنا في الكلام والحركات والنغمات الصوتية ، فمثال على ذلك تغيير النغم ، و الجمل يؤثر على عملية الفهم لدى الأطفال ، ويستطيعون أنْ يميزوا المراد في الجمل ، مثال على ذلك:
أنا أحب التفاحة الخضراء = ليس توم من يحبها!
أنا أحب التفاحة الخضراء = حقًا، أنا صادق!
أنا أحب التفاحة الخضراء = وليس الحمراء!
أنا أحب التفاحة الخضراء = وليس الكيوي!
فجملة أنا أحبُّ التفاحة الخضراء فيها معان كثيرة يمكن فهمها وقصدها .
وكذلك من الناحية العصبية هناك العديد من مناطق الدماغ التي تشارك في اكتساب اللغة والتعلم، فمنطقة بروكا هي المنطقة التي تشارك بشكل نشط في عمليات اكتساب اللغة ، في حين أنّ منطقة فيرنيكي تنشط في عملية تعلم اللغة حيث يحدث فهم الكلام أثناء معالجة الكلام وتعلم اللغة، وتتعاون هاتان المنطقتان مع مناطق أخرى متعددة من الدماغ، مثل التلفيف الزاوي حيث يتم تجميع المعلومات، ويحدث فهم الكلمات والمفاهيم ، والتلفيف فوق الهامشي الذي يشارك في إدراك اللغة ومعالجتها، والقشرة السمعية الأولية ، حيث يتم التعرف على الإشارات السمعية وحفظها وقد تؤدي إلى الاستجابة ، وهذه العمليات تساعدنا في فهم نضوج وتفكير الطفل في مرحلة نشأته ،وهذا يكون عن طريق المعامل التي تختص بهذه الأمور ، زيادة عن متابعة الأطفال والتقرب إليهم وفهمهم أكثر ،والاستفادة من تعلم الكلمات (دور الألعاب الإلكترونية والوسائط الرقمية في تطوير اللغة ،ريبيكا أ. دوري ،وروبرتا م. جولينكوف ، 2017( مقال ))
وهذا ما أكدّه سابقا ابن خلدون في أنَّ ملكات اكتساب اللغة تأتي من الدماغ أو من البدن( مقدمة ابن خلدون 638) فهناك الكثير من الأسر تراقب أطفالها كلَّ يوم من حيث التصرفات، وحركات الجسم فإذا كانت سلبية قام بمعالجتها، وإنْ كان إيجابية طورها . ويؤكد ابن سينا ضرورة مراعاة نفسية الطفل بحيث لا يصيبه غضب أو خوف شديد أو غم أو سهر، ويبين أنّ في ذلك منفعتين، أولاهما في نفسه بأنْ ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ويصير ذلك له ملكة لازمة، والثانية لبدنه فإنه كما أنّ الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج فكذلك إذا انحرفت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها، ففي تعديل الأخلاق حفظ الصحة للنفس والبدن جميعا ، وكذلك يرى ابن سينا أنَّ بلوغ الطفل ست سنين هو الوقت المناسب لتأديب الطفل وتعليمه. (العناية بالطفل وتربيته عند ابن سينا ،د.عبد الناصر كعدان( مقال ) ، فهي مرحلة مهمة جداً ترسم سلوك الطفل في المهارات ،و الملكات الرائعة ،و الفن الإبداعي (حفيظة تازوتي ،لغة الطفل بين المدرسة والمدرسة - دراسة إفرادية(بحث) ). فمن خلال هذا نعرف أنَّ صحة الطفل النفسية والبدنية ،والعناية به تعكس شخصيته وإبداعه مستقبلاً.
ويجب على الأسرة مراقبة كلمات وعبارات الأطفال ومعالجتها ،وتطويرها بشكل يتناسب مع مقدرته وينميها فيرى الدكتور محمد خلف الله أحمد أنَّ من أهم مظاهر المقدرة النحوية عند الطفل القدرة على التعبير اللغوي، واستعمال أجزاء الكلام، وهو بهذا يكون قد استبعد دور الأسرة في تعليم الطفل للغته القومية ،ويقتصر دور الأسرة في نظره على تسهيل عملية اكتساب اللغـة من خلال عرض نماذج لها دون تلقين منه أو تقليد من الطفل. وهذا يعني الابتكار والتجربة من قبل الطفل من ناحية، و ناحية أخرى يفسر استمرار الأخطاء اللغـوية التي تسمع من الطفل في محاولته الدائبة لتنمية ملكته الفطريـة خاصة فيما يتصل بالنظام النحوي، فكل ذلك يتحقق من خلال المادة اللغـوية المسموعة التي يتعرض لها الطفل.(لغـة الطفل بين الفطرة والاكتساب دراسة في الفكر اللغوي ،د حامد أحمد الشنبري(بحث) ).
وفي هذا كله يصاحب الطفل مجموعة من عمليات النمو ، ويجب أنْ تكون متكاملة فعلى هذا يجب الاهتمام بعمليات نمو الطفل الجسدية من حيث تناسب جسد الطفل وتناسقه ،وحركة العين مع اليد والذراع ، ومرونة عضلاته ، واستخدام الحواس في مع الناس ، والتنبه إلى صوت الطفل ، وخدمة نفسه ، زيادة عن كيف يرسم ويلعب؟ ، أمَّا النمو الاجتماعي فيعرف كيف يتعامل مع نفسه ، وعائلته ، والآخرين ، وميله إلى العناد والمنافسة وحبه لذات وتقليد الآخرين ، أمَّا النمو اللغوي فيعرف الطفل وضوح الكلام وإفصاحه ، ومعرفة كيف يفرق بين المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث ، وتكوين جمل مفيدة بالرغم من تكرار الجمل والثرثرة . ومن خلال النمو الجسدي والاجتماعي واللغوي يصل الطفل إلى المرحلة المهمة ، وهي مظاهر الأداء اللغوي لدى الأطفال عن ماذا يريد من الأكل واللعب والتصرف ، وكيف يخطط ، ويناقش ، ويستخدم خياله ، ويعرف كيف يتعامل بألفاظ متميزة مع الناس من خلال المهارات واستخدام الحواس والتركيز ، ومعرفة الأشياء حوله أهي مهمة أم لا ؟ مع الإصرار على التعلم والحماس لذلك (لغة الطفل وتنميتها في البحث العلمي – دراسة مسحية تحليلية 63-67 ، د. يسري الجمل (كتاب )). وتقودنا هذه الأمور في رسم خطة منهجية نستطيع من خلالها وضع جدول في التعلم فتشير الدراسات أنَّ أفضل عمر مناسب لتعلم القراءة يكون ما بين 5-6 سنوات وهذا يكون عن طريق قراءة بعض الكلمات والاستماع الجيد ، وتنمية المهارات وعرض الصور، والقراءة عليه بصوت عال بشرط عدم وجود أي ضوضاء ،وكيفية الكتابة، وعدم الضغط عليه ، وزيادة عن التواصل المستمر مع الطفل في القراءة والكتابة ، وإعطاء الحرية له ، وتهيئة جميع أجواء الدراسة (علاقة النمو اللغوي لأطفال الروضة بإتقان اللغة العربية الفصحى ،أ.م.د. إيمان نعمة كاظم ،الكلية التربوية المفتوحة / العراق( بحث) ).
واعتاد العرب قبل وجود المدارس والجامعات أنْ يراقبوا أطفالهم، ويشاركونهم في حياتهم اليومية ، و يأخذونهم معهم إلى المجالس ، ودور العبادة ليتعلموا القراءة والكتابة ؛ لكي يعرف كيف يتصرف بالمهمات الصعبة؟ وكيف يقوي شخصيته؟ وكيف يكون قائداً؟ فكانت سمة التفاخر بالأبناء مهمة عندهم ويتنافسون عليها ، فحينما نقرأ أرثنا الثقافي نجد العديد من النصوص والشواهد على ذلك ، ولهذا وصلت الحضارة الإسلامية إلى العديد من بقاع العالم ، وطوروا الحضارات الأخرى ، وما زالت الدول المتقدمة تكتسب من معينها الخصب .لكنَّ الدراسات الحديثة المعتنية بدراسة الطفل من حيث علم الأعصاب ، وعلم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم التربية ، وعلم البرمجة قد بينت العديد من التجارب والدراسات يمكن من خلالها رسم جدول لطفل منذ الرضاعة إلى عمر عشر سنوات ، لذا تجد أنَّ دول أوربا ، وكذلك اليابان والصين وكوريا قد استفادوا من هذه الدراسات وطورها واستغلوها لصالح تطوير بلدانهم ، فكان حرياً على الجامعات العربية إنشاء مراكز تخصصية ، واستقطاب العلماء لهذا الأمر .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat