صفحة الكاتب : د . محمد فلحي

سبيل المعروف
د . محمد فلحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

(المعروف) من الكلمات الرائعة في اللغة العربية، ففي آية {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} استخدم القرآن الكريم تعبير "المعروف والمنكر" بدلاً من تعبير "الحلال و الحرام" لأن "المعروف" هو ما تعارف عليه البشر مثل مساعدة المسكين والضعيف والمحتاج و"المنكر" هو ما أنكره البشر جميعاً بفطرتهم مثل الظلم و قهر الضعفاء.

في قصة وعبرة سمعتها في طفولتي من والدي رحمه الله تعالى، يقول إن فارسا كان يقطع الصحراء في لهيب الصيف الساخن، وقد شاهد رجلا جالسا على الطريق ويبدو عليه الإرهاق والعطش والجوع، شعر الفارس بالعطف على ذلك المسكين فتوقف ونزل من حصانه وسقاه جرعة ماء ثم أردفه خلفه وانطلق!

بعد لحظات شعر الفارس بوخزة في خاصرته، وراح الرجل يهدده بالطعنة القاتلة بخنجر الغدر إذا لم ينزل من ظهر الحصان فورا!

ترجل الفارس دون أن يقاوم، ومضى السارق بالحصان وما يحمل من طعام وماء ومال وسلاح!

نادى الفارس: يا رجل توقف واسمع مني كلمة فقط قبل أن تمضي بغنيمتك!

رد السارق: نعم قل ما عندك بسرعة!

قال الفارس: ارجوك لا تروي ما فعلت لأي شخص، لكي لا ينقطع سبيل المعروف!

ويقال ان اللص صدم وبكى واعتذر واعاد الحصان لصاحبه!

تذكرت هذه الحكاية خلال سفرتي قبل أيام بالسيارة مع عائلتي إلى ربوع كردستان الجميلة الآمنة، وكنت أتجول بين القرى والجبال والوديان واتمتع بمناظر الطبيعة الساحرة، والوجوه الطيبة الناضرة، وكان يصادفني في الطريق امرأة أو شابا أو عجوزا يقف على حافة الطريق ويؤشر بيده راجيا إيصاله إلى مكان ما في الاتجاه نفسه، وكنت طوال الوقت اشعر بغصة في صدري وأنا أتجاهله وأتجاوزه دون ان اتوقف رغم شعوري بتأنيب الضمير!

عندما يستوقفني عابر سبيل اتذكر فورا قصص مروعة تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي حول الغدر والخيانة والاحتيال، التي يكون ضحيتها أنقياء القلوب الذين احسنوا الظن بالآخرين، فكان جزاء الإحسان السرقة او القتل!

 الحذر المتراكم من الناس السيئين جعلني اخشى مساعدة عابر السبيل المحتاج الملهوف، وبخاصة انني غريب وبعيد عن دياري، أسير في طرق وعرة ولا يوجد معين سوى الله تعالى!

أقول في نفسي سامحني يا أخي على قسوتي، فقد جعلنا ابناء الحرام نشك حتى في أنفسنا، فقد غرزوا خناجر الغدر في صدورنا وجعلوا ضمائرنا تنزف ونحن نعجز عن مد يد المساعدة لمن يطلبها خشية أن تكون اليد المقابلة خنجرا مسموما بالحقد والكراهية والتعصب والجهل، كما ترسب في نفوسنا من تجارب مريرة!

ادعو الله تعالى أن يسامحني على سوء الظن، وقد يكون تصرفي في غير محله، وأرجو من كل يد طلبت المساعدة ولم استجب لها أن تغفر لي ذنبا يتحمل وزره من قطع سبيل المعروف بين الناس!

حسبنا اللّه ونعم الوكيل.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد فلحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/09/02



كتابة تعليق لموضوع : سبيل المعروف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net